نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. برنامج الحكومة  وامكانية المساءلة

تاريخ النشر :14 يناير  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

صدر برنامج عمل الحكومة 2011-2014 والذي يشكل خطة عمل لاربع سنوات قادمة ولكنها لم تحظَ بما تستحق من نقاش حيث غطى عليها تقرير الرقابة المالية. بشكل عام الخطة هي حركة انتقال من وضع حالي معلوم ومحدد بمعايير واضحة، خاضعة لتقييم كيف وصلنا اليها وماهي الاخفاقات واسبابها والنجاحات وعواملها، الى وضع مستقبلي افضل، وتشمل آليات الوصول لكي تصبح خطة. وتشمل الخطة برامج ومبادرات تشكل الاليات لهذا الانتقال. النجاح في اي خطة يعتمد على امرين الاول هو ماهي الاهداف التي تسعى الخطة لتحقيقها وثانيا ما مقدار الموارد المستخدمة للتنفيذ؟ وبمقدار ما يتحقق من اهداف نستطيع ان نزعم النجاح والفعالية، وبمقدار ما ننفق من موارد وجهد في سبيل النجاح (الاقل الافضل) يمكن ان ندعي الكفاءة. واذا خلت الخطة من هذين الشرطين يصبح من الصعب تصور كيف نستطيع تقييم نجاحها. هذا مالاحظناه في برنامج الحكومة الذي لم يتطرق الى اية اجابات او تحليل للماضي بنجاحاته واخفاقاته بشكل يمكن ان يستخدم لصياغة انطلاقة جديدة. وفي غياب نشر مثل هذا التحليل فان تصور نجاح الاصلاح او متابعة التقدم في الملفات التي تعرضت لها الخطة مثل حقوق الانسان والحريات والتعليم والصحة والاسكان لن يكون سهلا. 

لم يعتمد البرنامج اطار تحليلي موحد يحدد الغاية من البرامج ويضع الاهداف، ويبين الاجراءات والمبادرات التي توصلنا الى هذه الاهداف والمعايير ومؤشرات الاداء لتقييم النجاح في بلوغ الوضع المستقبلي، ولم يتم تعريف واضح للوضع الحالي الذي ننطلق منه. وفي غياب هذا الاطار المبدئي تصبح عملية التقييم الموضوعي في غاية الصعوبة، ان لم تكن غير ممكنة. لم تستخدم الحكومة هذا النهج في طرح البرنامج، ليس لجهل به ولكن لانه يفرض ابراز معلومات وارقام قد لا ترغب الحكومة في ابرازها او مناقشتها كما يفرض نقطة مرجعية واحدة نقارن منها تقدمنا من 2002 الى 2006 وما وصلنا اليه في 2010 وبالتالي عمدت الى اسلوب السرد الانشائي الذي يساعد على الانتقائية في بيان بعض المؤشرات وتجاهل اخرى، ويسمح باختيار النقطة المرجعية التي تبرز اداء معين وتخفي اخر، وبالتالي سيكون من الصعب على البرلمان محاسبة الحكومة في نهاية الفترة بموجب هذا البرنامج.

الامر الاخر في تقييم البرنامج هو علاقته بالاستراتيجية الوطنية التي صدرت عن مجلس التنمية الاقتصادية والتي شملت 6 سنوات من 2009 الى 2014 وعملت الوزارات على وضع استراتيجيات وخطط تفصيلية لتنفيذها. وبالتالي نتوقع ان يكون برنامج الحكومة هو تفصيل للاستراتيجية الوطنية. ولكننا نلاحظ ان بعض الوزرات اعلنت انها ستضع استراتيجيات تناسب هذا البرنامج، فماذا عن الاستراتيجية الوطنية؟ والامر الثالث في تقييم هذا البرنامج هو علاقته بالميزانية وما خصصت من  اعتمادات لتنفيذه. من الصعب الدخول بتفصيل في كل ذلك ونتوقع من النواب ان يقوموا به لما لديهم من اجهزة وبيانات، ولكننا سوف نتطرق الى بعض الجوانب التي يمكن مناقشتها في المجال المتاح. 

من حيث الشكل فقد شمل البرنامج اربع محاور هي الصعيد السياسي، والسياسة الاقتصادية والمالية، وسياسة التنمية البشرية والاجتماعية، واخيرا سياسة البنية التحتية. الجديد الذي يميز هذا البرنامج هو شموليته للبعد السياسي في البرنامج والذي اغفلته بالكامل الاستراتيجية الوطنية 2009-2014. فقد ورد في هذا البرنامج اقرار بان البعد السياسي مؤثر في التنمية وان نتائجها لن تكتمل دون “ترسيخ مبادئ حقوق الانسان والحريات العامة وصون حرية التعبير وتكافؤ الفرص وسيادة القانون”، غير ان المضمون في البعد السياسي لا يلبي متطلبات التنمية. وبالنظر الى الاهداف في هذا الجانب نجد انها تذكر “تحقيق الامن والاستقرار، وحماية النظام السياسي الديموقراطي، وحماية حقوق وحريات المواطنين، وتلاحم النسيج الاجتماعي”. لكنها لم تشمل اي برامج لتحقيق هذه الاهداف او في اي اتجاه سوف يتطور واقع الحريات في المجتمع. ولا توجد مؤشرات في البرنامج تربط البعد السياسي بالبعد الاقتصادي. وما وجد من اجراءات فهي ايعاز لوسائل الاعلام لابراز الانجازات السياسية والاقتصادية (ص13). 

واخيرا وردت في البرنامج عبارات جديدة لم يسبق ان رأيناها في ادبيات الحكومة وهي وصول مكاسب التنمية الى المواطن، لكن لم يذكر البرنامج اليات لتوصيل هذه المكاسب. توصيل مكاسب التنمية للمواطن يحتاج الى سياسات في توزيع الثروة وتدخل الدولة المباشر في جهود التنمية. فهل هذا تحول عن نهج تحرير الاقتصاد الذي تتبناه الحكومة ممثلة في مجلس التنمية والذي يرى ان الحرية الاقتصادية هو اساس التنمية في حين ان العالم يتجه الى تجاوزها نظرا لما سببته من اخفاقات في كثير من دول العالم الثالث. لا يبدو الوضع كذلك من تصريح الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية أمس حول حصول البحرين على المركز العاشر عالميا. وهذا يمكن النظر اليه من ناحيتين الاولى هي ان الدول الاخرى لا تولي هذا الجانب الاهتمام الذي توليه البحرين، ومن ناحية اخرى فهذه السياسة تعفي الحكومة من المسئولية المباشرة عن تحقيق تنمية اقتصادية تقودها بتدخلات مباشرة من الدولة. وبغض النظر عن من يعمل على خلق الثروة فمفهوم وصول مكاسب التنمية الى المواطن هو لب المشكلة في توزيع الثروة العادل، فكيف سيتحقق ذلك؟ لم تتضح الكيفية من البرنامج، وبما ان ذلك مرتبطا بالاصلاحات السياسية، وفي غياب اي الية لذلك يبقى الامر حلما يصعب تحقيقه؟ وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *