نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

40 بناء بيئة حاضنة لرأس المال البشري

تحدثنا في المقال السابق عن رأس المال البشري والذي يشمل المعرفة والمهارات والصحة التي يتمتع بها الانسان طوال حياته والتي تمكنه من تحقيق طاقاته وقدراته كعنصر فاعل ومنتج في المجتمع، وعلاقته برأس المال الاجتماعي الحاضن له. وتساءلنا عن طبيعة البيئة المناسبة للتنمية وبناء رأس المال البشري والاجتماعي الذي يغرس ويعزز المهارات الأساسية مثل القدرات على الابتكار والابداع والفكر الناقد والريادة واتخاذ القرار، والتي في مجملها تعتبر أساسا لمهن المستقبل وشرطا للقدرة التنافسية في الاقتصاد العالمي؟ 

نعم، التعليم هو اهم العوامل في تكوين رأس المال البشري وتنمية المهارات الأساسية (بالإضافة الى مؤشرات أخرى منها الصحة والخبرة العملية والمهارات الاجتماعية وتنظيم المجتمع)، ولا شك انه ساهم في رفع مستوى المواطن بشكل عام. لكن الطموح لرأس المال البشري في مرحلة التحول نحو الدولة المنتجة والمعتمدة على المهارات الأساسية هو نوع اخر من الرأس المال البشري. لا نريد ان نستكين بمقارنة انفسنا مع دول العالم الثالث التي نعرف انها اقل منا إمكانيات. المقارنة يجب ان تكون مع دول نقر لها بالأسبقية في التقدم والنمو واحترام الانسان وكرامته والمجتمع وتماسكه والدولة واستقلاليتها.

تحدث تقرير البنك الدولي عن التعليم والصحة كونهما الأساس الذي يُبنى عليه رأس المال البشري، لكن ذلك لا يكفي، فهناك مقومات أخرى مثل معيار المساواة والعدالة والانصاف ومعيار الاخلاقيات التي تعزز وتسند الابتكار والابداع والريادة، ومعايير تماسك المجتمع وتنظيمه وحيويته، ومعايير قوة الدولة وقدرتها على فرض قوانين حماية الملكية الخاصة والعامة وحسن إدارة الموارد وتهيئة البيئة لهذا التطور. يقول وزير المالية معالي الشيخ احمد بان نجاح أي نموذج اقتصادي واجتماعي يعتمد على مدى تطور رأس المال البشري وعلى البيئة التي تشكل الحاضنة لهذا التطور.

استبق البنك ردات الفعل السلبية بقيامه بالعمل مع الدول التي لم تحقق نتائج مقبولة (28 دولة) لمساعدتهم لوضع خطة لرفع مستوى رأس المال البشري فيها بما فيها اندونيسيا الدولة المضيفة هذا العام. هذا لا يعني ان الدول التي في المؤخرة فقط عليها الاهتمام بتطوير رأس المال البشري لديها. فمثلا بريطانيا احتلت مركز 15 وهي الان في حديث مع البنك الدولي لتطوير مؤشرات تقييم رأس المال البشري تحت مسمى “الجار بالجوار”. 

يعتمد البنك على المؤشر المذكور لقياس مدى إسهام رأس المال البشري في إنتاجية الجيل القــادم والدخل المحتمل، والنمو الاقتصادي الممكن لتلك البلدان. أي اننا إزاء مؤشرات لها تأثير على مستقبل الأداء الاقتصادي الذي يتطور من خلال الاهتمام بالإنسان وبالمجتمع وبالبيئة المادية والاجتماعية الحاضنة. لا بد لهذا الاهتمام ان يترجم في خلق فرص عمل للشباب، ويترجم في برامج تدريب مهني “على رأس العمل”. ندرك عندها ان الشباب العاطل هي طاقة ضائعة لا تعوض، وان العمل والممارسة ينمي قدراتهم ومهاراتهم ويحفظ كرامتهم ويخلق منهم جيل منتج. 

هذا الاهتمام لا يعترف باي انتقائية في اختيار المعايير والقيم التي نريد، كما انه لا يهتم بالمقارنة مع دول عربية او اسيوية او افريقية اقل منا مواردا ونموا وتطورا. لا بد ان يكون الاهتمام بالإنسان والمجتمع والبيئة شموليا ومستداما وموضوعيا، فما هي هذه البيئة؟

عبر سمو رئيس الوزراء عن اول عناصر هذه البيئة بقولة “لا تنمية بدون سلام ولا سلام بدون تنمية”. في هذا العصر الذي نشهد فيه الاقبال والتسارع نحو التحولات الاقتصادية المختلفة، وفي الوقت الذي نحن في دول مجلس التعاون نسير في طريق التحول نحو الدولة المنتجة فان هذا الشعار يعبر عن التفاعل والاعتمادية المتبادلة بين التنمية والامن وحاجة كل منهما للآخر. هذا الشعار يؤكد على ان التنمية تحتاج الى امن واستقرار، من حيث المساهمة في خلق بيئة جاذبة للاستثمار، وبيئة تُمكِّن التخطيط بعيد المدى على المستوى الرسمي وعلى مستوى القطاع الخاص. كما ان الامن نفسه يقوم على التنمية التي تخلق فرص عمل متكافئة للشباب وتمهد لبيئة تسود فيها عدالة توزيع الثروة ونتاج التنمية. هذه علاقة متبادل بين الامن والتنمية، وعلاقة تجعل الامن مرتكزا من مرتكزات التنمية، ووجها من أوجهها يضاف الى الجوانب الأخرى. هذه العلاقات المترابطة المتفاعلة، ومتبادلة التأثير تفرض وجود جهاز تخطيط يربط بين جوانب التنمية الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، ويستفيد من تحسين الوضع الأمني في زيادة الانفاق في الجوانب الأخرى لتطوير البيئة المادية والاجتماعية. 

بالإضافة الى ذلك فان للحكومة دور تقوم به في تحقيق البيئة الداعمة للتنمية. فمثلا في منتدى البحرين الدولي للحكومة الالكترونية 2018، وفي دورته التاسعة تطرق المنتدى إلى مناقشة أحدث الطرق لجعل الحكومة أكثر كفاءة وفاعلية من خلال استخدام التكنولوجيا. يرى المنتدى ان هناك ثلاث خطوات على الحكومات القيام بها للمساهمة في تهيئة بيئة داعمة للتنمية وتطوير رأس المال البشري والاجتماعي. 

اول هذه الخطوات هي الاستثمار في الانسان وخصوصا في الفئات الضعيفة وتعليم صغار السن وتنمية مهاراتهم الادراكية والنقدية والابتكارية بالإضافة الى السلوك الاجتماعي. ثانيا دعم وتعزيز وتعميم الحماية المجتمعية للشرائح الضعيفة في المجتمع، وتشمل حماية الطفولة ورعاية كبار السن ونظام التقاعد المجزي والاهتمام بالعاطلين وتأهيلهم وتدريبهم ومتابعتهم. ثالثا تمكين المواطن من التدرج في زيادة دخله والارتقاء الاجتماعي، وتعديل قانون الضرائب بما يوفر إيرادات للدولة تستطيع من خلاله تمويل تنمية رأس المال البشري والضمان الاجتماعي. هذه الخطوات تتطلب وضع قوانين ومؤسسات تشاركية وبالتالي فإنها تحتاج الى مجتمع حيوي ومستقل وواعٍ لمصالحه لكي تكون النتائج مؤثرة وعادلة وفي صالح المجتمع وخصوصا الطبقة الضعيفة والمتوسطة.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *