نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تجمع الوحدة الوطنية والدور المرتقب

تاريخ النشر :30 مايو  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

انتهينا في المقال السابق بان تجمع الوحدة الوطنية يرى نفسه على انه معارضة وطنية، فهل لديه الامكانية بالقيام بدور المعارضة الراشدة؟ وهل يملك القدرة على تنظيم نفسه قانونيا للقيام بهذا الدور؟ وماهي القضايا التي يرى تبنيها؟

ان مفهوم المعارضة قديم قدم الديمقراطية نفسها، لكن المعارضة كمفهوم حديث بدأ في 1826 في بريطانيا ليمثل المعارض الموالية لجلالة الملكة عندما كان البرلمان مجموعة من مختلف المصالح وليس احزاب سياسية منظمة.

الانظمة الدكتاتورية التي بدأت تتهاوى في العالم العربي لا توجد بها معارضة فاعلة، والنتيجة فجوة كبيرة بين ما يريده الشعب وما يقوم به النظام، ومع تقدم البقاء في الحكم ينحرف النظام الدكتاتوري ويدب فيه الفساد بسبب غياب المساءلة الفاعلة. فمثلا عندما انفجرت ازمة العملة الاندونيسية في 1997 وضع البنك الدولي خطة انقاذ ساهمت فيها كل من سنغافورا واليابان لاعادة الاستقرار الى السوق. لم يستطع رئيس اندونيسيا تنفيذ مقترحات البنك لان ابناؤه كانوا يملكون مؤسسات مالية ويحصلون على امتيازات اقتصادية وتجارية وصفقات مشبوهة افقدت الثقة في الاقتصاد. وهانحن نرى كيف تتكشف فضائح الفساد في مصر وتونس. 

ان مادار من نقاش في المجلس النيابي في اسبوعه الأخير حول تقارير ديوان الرقابة المالية السبعة يجعلنا نرى بان قضية مكافحة الفساد قضية جديرة بان يتبناها تجمع الوحدة الوطنية. فمؤخرا تشكل في الاردن تآلف وطني ضم عدد من الاحزاب يهدف الى تشكيل معارضة فاعلة تواجه الفساد الذي استشرى بتزاوج المال والسياسة، يقول رئيس الجبهة الوطنية للاصلاح ورئيس الوزراء الاردني الاسبق احمد عبيدات في تقديمه لوثيقة جبهة الاصلاح والتي جاءت في اثني عشر بندا، يقول “إن وجود الفساد يستدعي إصلاح النظام والفساد يعبر عن أزمة في هيكلة النظام ولا بد من إصلاحه بترسيخ نظام ديمقراطي”. يصف عبيدات الخلل الذي يؤدي الى الفساد على انه هيكلي. هذا التوصيف يختلف عن توصيفنا له في مقالنا السابق على انه منظومي والحالتين توصلان الى نفس النتائج. وفي اعتقادنا فان تبني الفكر المنظومي سوف يساعد تجمع الوحدة الوطنية في تحليل الوضع الحالي بشكل اكثر دقة لتقديم حلول اكثر فعالية لمشكلة الفساد. 

المطلوب اذا هو وجود جهاز يحارب الفساد، بالضبط كما في جسم الانسان. جسم الانسان به نظام مناعة يقوم بمهمة تحديد الخطر ومحاربته بشكل تلقائي. وفي حالة فقدان هذه المناعة فان الجسم يكون عرضة للامراض. هذه المهمة في نظامنا السياسي يقوم بها البرلمان القوي الذي يعمل كمعارضة تعمل على زيادة ادواتها التشريعية والرقابية لكي تتمكن من التصدي للمعضلاات التي تواجهها في تعاملها مع الحكومة. نظام المناعة هذا (البرلمان) عليه ان يكون في يقضة مستمرة ويقوم بالمساءلة والمحاسبة ومتابعة المقاضاة تحقيقا لقوله تعالى “ولكم في القصاص حياة يااولي الالباب”. ان الاليات التي تجعل المجتمع حيوي تفرض وجود معارضة نشطة راشدة ومستعدة لتقديم الحلول والخيارات.  

تقوم المعارضة بعدة ادوار نذكر منها اولا: انها تبث الحيوية في الحياة السياسية وتجعلها متجددة ومستجيبة لاحتياجات المجتمع وللمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، اي انها تساهم في الامن والاستقرار وبالتالي فهي تساهم في التنمية وفي تحقيق الحياة الحرة الكريمة للمواطن. ثانيا تجعل الحوار ممكنا بين مختلف أطياف المجتمع في جميع القضايا وتفتح خيارات المجتمع على مختلف الحلول ومناقشتها في جو من الانفتاح وحرية التعبير مع وجود قنوات تواصل مع السلطة ومع قوى المجتمع من خلال الصحافة الحرة والمنابر الاخرى. ثالثا تقوم المعارضة بطرح البدائل لمعالجة قضايا المجتمع عندما يتضح ان السياسات المتبعة لم تأتِ بنتائج مؤثرة. وتزداد أهمية المعارضة عندما يكون هناك أموالا تدار يستوجب المشاركة في كيفية استثمارها وانفاقها وتوزيعها، سواء كانت هذه الاموال ضرائب مباشرة أو مبالغ محصلة من الثروات الطبيعية للبلد. رابعا تقوم بفتح باب النقاش حول النتائج المطلوبة والاهداف المرجوة والاستراتيجيات المستخدمة لتحقيق هذه النتائج وتضعها تحت المجهر وتعرضها للتدقيق والتمحيص والفحص المجتمعي. واخيرا فهي تجعل المجتمع ديناميكا قادرا على تصحيح اخطائه وتدارك المخاطر الناتجة من التسلط والاستبداد. 

كما تقوم المعارضة مقام المنافسة في السوق بين التجار والصناع والحرفين، فهي التي تجعلهم يسعون الى التقدم والابتكار والابداع والتفوق على منافسيهم. والحاجة الى التنافس والتدافع مرتبط بالحياة، وكلما كان الانسان معتمدا في بقائه على قدرته في التنافس والابتكار كانت فرص التقدم أكبر.

خلاصة ذلك اننا بحاجة الى معارضة وطنية قوية ونتطلع الى ان يُنظِّم تجمع الوحدة الوطنية نفسة ويشكل جمعيته السياسية ويُكَون تلك المعارضة التي يحتاج اليها المجتمع. فلا يمكن أن تكون الحكومة قوية دون وجود برلمانأ قويأ، ولا يمكن للبرلمان أن يكون قويا دون معارضة قوية، وقوة المعارضت هي في مدى تأثيرها على سياسات الحكومة وهي مؤشر مهمم لقوة الديمقراطية وفاعليتها. ولكي تتمكن المعارضة من القيام بدورها في الاصلاح وتقييم اداء الحكومة والحد من الفساد، فهي بحاجة الى ادوات تمكنها من احداث التغيير في سياسات الحكومة والتأثير في سلوكها وممارساتها. واذا فشلت في ذلك فان هذا نذير بضعف البرلمان وضعف ادائه وانتفاء الحاجة اليه ويصبح بذلك عالة على المجتمع. فعجبي من برلمان يسعى الى اضعاف نفسه! فهل ينقذه تجمع الوحدة الوطنية كما انقذ الوطن؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *