نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تجمع الوحدة الوطنية وتحديات مابعد التشكيل

تاريخ النشر :19 يونيو  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في اجواء مفعمة بالامل والتطلع نحو مستقبل أفضل اجتمعت اللجنة التأسيسية (السبت 11 يونيو) بحضور رجال ونساء ونسبة كبيرة من الشباب ومن مختلف الالوان الفكرية والمهنية والطبقية. اختلط رجال الاعمال بالعمال والموظفين بالمسئولين لتقرير مستقبل تجمع الوحدة الوطنية. ساد في القاعة شعور باهمية الحدث ومصيرية النتيجة، واتسم الحضور باستقلالية الرأي وفضل البعض حسم قراره بناء على ما يسمع لصالح هذا الخيار او ذاك. 

في مناخ حواري ناقشت الجمعية التأسييسية الخيارات المطروحة لمستقبل التجمع. فكان الخيار الاول “تأسيس جمعية سياسية” مدعوما من المستقلين وجمعية الشورى والوسط العربي الاسلام وعدالة، والخيار الثاني “ائتلاف وطني” مقدم من جمعية المنبر، بينما سحبت الاصالة خيارها في تكوين “جمعية اجتماعية” اثناء الجلسة. سار الحوار بشكل جدي تخلله بعض فلتان الاعصاب، لكنه على العموم كان حوار مثمرا طُرحت خلاله معظم الحسنات والتحديات واستقر الرأي على تشكيل جمعية سياسية.

نبارك للجنة التأسيسية هذا الانجاز الديمقراطي والروح العالية التي تحلى بها الغالبية العظمى من الحضور ونثني على التنظيم الفعال. والان يتساءل البعض هل كان ذلك خيارا موفقا ام ان التجمع وضع نفسه في مواجهة مع الجمهور وعليه ان يثبت نفسه بما يحققه من نتائج ولا يعتمد على المشاعر الجياشة التي اوجدته والنابعة من احاسيس مختلطة بين الخوف والرغبة في التغيير وامل في مستقبل افضل بعيدا عن التهميش؟ نعم نقول بان التجمع عليه ان يثبت للمجتمع بانه رقما صعبا وانه ولد ليبقى. وعليه الان وبسرعة ان يحدد ماهو نوع هذا البقاء وماهي الهوية السياسية التي سوف ينسجها لنفسه خصوصا وانه قد يَدخل الحوار قبل ان يشتد عوده ويدرس خياراته ويؤسس عقيدته الفكرية التي توحده. 

ولالقاء الضوء على خيارات التجمع نعود الى طبيعة الحركة التي اوجدته لنقول انها كانت حركة سياسية انطلقت من روح وطنية لتعزيز ثوابت الوطن وهي شرعية الملك في آل خليفة والتأكيد على عروبة البحرين من ناحية، ومن ناحية ثانية فهي تطالب باستكمال عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من أجل حياة حرة كريمة تسود فيها قيم المواطنة والعدالة واقامة المجتمع المدني. فماهي اولويات الاصلاح المطلوبة وكيف سيستعد ويؤسس لها والمجتمع على ابواب حوار مصيري؟ 

في اجتماع اللجنة التاسيسية شرح رئيس التجمع الشيخ عبداللطيف الاسباب التي رجحت خيار تكوين جمعية سياسية وتطرق الى جملة من الحسنات اهمها انها تجعل التجمع فاعلا قادرا على قيادة المجتمع واستنهاضة؛ والمحافظة على هوية وطنية مستقلة مع وضع مسافة بينه وبين السلطة. كما تتيح الجمعية السياسية امكانية تبني الفكر الديمقراطي والدولة المدنية ومفهوم المواطنة. 

يتفق ذلك مع ماجاء في خطابه الاول في مسجد الفاتح حين طالب ان يكون التجمع جزء من اي حوار وحذر من “إن الفتنة إذا وقعت لن ينجو منها احد”، واكمل بان “جميع أبناء البحرين طلاب حقوق، وفي مقدمتها ان تكون السلطات للشعب بشكل فعلي، فلا يكفي ان يقرر الدستور حقوقا وتُعطِّل عن التنفيذ أو يتم التحايل عليها. ونطالب القيادة بأن ترفع جميع مظاهر التمييز، وأن توكل المهمات الى ذوي الكفاءة والأمانة”. وطالب بأن “يتم حل المشاكل المعيشية للمواطنين من رواتب وإسكان في المدى القريب”. واكد في نفس الخطاب رسالته الثانية على وحدة الشعب البحريني فقال “نحن شعب واحد وان اختلفت رؤانا وآراؤنا ومذاهبنا، همومنا واحدة مشاكلنا واحدة، مصائبنا واحدة، معاناتنا واحدة، يجب ان نشترك جميعا في إيصال كل خير إلى هذا الوطن ونشارك فيه، ويجب ان ندفع عنه جميعا كل شر” (اخبار الخليج العدد 12023) اضاف في الخطاب الثاني مايزيد على 24 مطلب في أربعة عناوين هي دستورية وسياسية وتنظيمية واقتصادية.  

من الخطابين الاول والثاني، ومن عرض حسنات التحول الى جمعية سياسية يمكن تلخيص توجه الوحدة الوطنية في (1) المطالبة بالمشاركة السياسية الفعلية؛ (2) محاربة الفساد والمحسوبة والتمييز؛ (3) معالجة القضايا المعيشية لتحقق حياة حرة كريمة؛ (4) تأكيد اهمية الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية؛ (5) ضرورة اشاعة العدالة والحرية والمساواة والتوزيع العادل للثروة. 

ان معالجة هذه المشاكل لا يتم بالتمني او بمجرد الاقرار بها، فهذه الخطوة الاولى في الاصلاح يجب ان تتبعها خطوات عملية اخرى. أي أن معالجة الفساد مثلا لا يكون من خلال استبدال فرد بفرد آخر أو تعديل قانون هنا او هناك او زيادة الرقابة وانشاء مجالس. الاصلاح في هذا المجال يحتاج الى تعديلات دستورية منها المساءلة والمحاسبة على اعلى المستويات. وقس على ذلك معالجة باقي المشاكل. اي ان هناك استحقاقات واثمان باهضة وقرارات صعبة وتنازلات من جميع الاطراف. ان هذا مخاض صعب وطويل سوف يضع التجمع أمام مسئولية كبيرة في معالجة القضايا التي يعاني منها المجتمع ككل. ومعالجة ذلك في الحوار الوطني المرتقب يستدعي من التجمع وضع تصور مسبق للنتائج التي يريد تحقيقها من الحوار للمواطن والمجتمع والدولة. 

ان الهدف من الحوار لا بد وان يكون معالجة المشاكل التي يعاني منها المجتمع، وعلى التجمع تحديد مواقفه من هذه المشاكل وغيرها ورؤيته في معالجتها، وان يتبنى قضية الحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد التي نادى بها في لقائه الاول وذلك ضمن مشروع سياسي وطني. ونجاحه في ذلك هو الذي سيجعل منه رقما صعبا، ونتمنى له التوفيق وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *