نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 تحديات التحول نحو الدولة المنتجة 

نشكر ونقدر وقفة الجارة الكبرى المملكة العربية السعودية ودولة الكويت والامارات العربية المتحدة على توفير الدعم اللازم لتعزيز الأوضاع المالية بالبلاد. الحكومة من جانبها وعلى لسان سمو رئيس الوزراء تدعو الى تحقيق التوازن بين الانفاق والايرادات على المدى القصير والمتوسط والبعيد. هذه معادلة ليست بالسهلة وخصوصا في ظل ما تمر به دول المجلس من تحديات. هناك التحديات الأمنية والمائية والغذائية والبيئية وجميعها يتطلب تعامل بنظرة بعيدة المدى لتحقيق التوازن فيها. اضف الى ذلك التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي قد تتعارض في بعض جوانبها مع تلك التحديات. هذا يجعل تحقيق التوازن المالي والتوفيق بين كل هذه المتغيرات والمؤثرات يعتمد على مدى تماسك المجتمع وحيويته في كل من دول المجلس وصلابة العلاقة بين المجتمع والدولة المبنية على الثقة المتبادلة. 

بالنسبة لنا في البحرين نحتاج الى تعزيز هذا التماسك والحيوية المجتمعية وتوطيد العلاقة بين الدولة والمجتمع المبنية على الثقة المتبادلة، وليكن جزء من منظومة عمل متكاملة تطال مختلف التحديات. لو نظرنا الى ما حدث في قانون التقاعد نجد ان هذا القانون اظهر الكثير من الإيجابيات في المجتمع وفي العلاقة بين الدولة والمجتمع التي نحتاج ان نبني عليها. أثار القانون  قضايا ونقاشات جادة، واظهر بذلك حيوية وتماسك في المجتمع ظننا اننا فقدناها في فوضى الاحداث التي المت بالبحرين. اظهر تعديل القانون ارهاصات التحول من الدولة الريعية الى الدولة المنتجة وضرورة اعتمادها على الضرائب وما تفرضه من تباين المصالح وكيف يتم تحديدها وبلورتها، ومن الذي يحددها وهل هي ثابت ام متغير يخضع للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المصاحبة للتحول. 

اول هذه القضايا مبادرة جلالة الملك التي لم تكن إجراءا روتينيا تمر به التشريعات، بل استجابة ملكية لمواقف المجتمع التي برزت من خلال الصحافة والتواصل الاجتماعي الذي اثبت فعاليته. هذه البادرة الملكية يمكن البناء عليها لتعزيز الثقة المطلوبة بين القيادة والمجتمع. سوف تتعزز هذه الثقة بما ينتج من قرارات عن اللجنة المشتركة التي شكلها سمو رئيس الوزراء بتمثيل حكومي ونيابي وشوري، وكنا نامل ان يكون هناك تمثيل شعبي أكبر.

البادرة الملكية الاخرى هي تأكيد جلالته على أهمية خلق فرص عمل للشباب وان المواطن هو هدف التنمية الأول؛ وان توفير الحياة الكريمة واستدامة توفير الخدمات والتوظيف الأمثل للموارد هو الهدف الاخر. وفي ذلك دعوة ليس فقط لهيئة التقاعد وصندوق الأجيال القادمة والجهات الرسمية الأخرى في اعتبار خلق فرص عمل أولوية هامة لحفظ الامن والاستقرار في البلد. لكنها دعوة لعمل مشترك بين الحكومة والقطاع الخاص في تغيير طبيعة الشراكة القائمة. لا يكفي ان تكون الدولة هي المنظم بل يجب ان تدخل شريك فعلي بمبادرات استثمارية أساسية كما فعلت في السبعينات. مثل هذه الشراكة سيكون لها تأثير كبير على البطالة والمستوى المعيشي وبالتالي على الوضع الأمني مما يمنح الدولة قدرة على تخفيف الانفاق الأمني.

مبادرة جلالة الملك الثالثة هي دعوته اثناء اللقاء مع الحكومة ومجلسي النواب والشورى الى ترسيخ قواعد الدولة المدنية القائمة على العدالة والمساواة وحماية الحقوق والحريات واحترام القانون ونشر قيم الوسطية والتسامح. هذه دعوة الى ضرورة استجابة السلطات التنفيذية والتشريعية الى ما يمليه التحول ومطالب المجتمع لما لها من تأثير مباشر على الامن والسلم الأهلي وعلى الاستقرار. كما ان هذه الاستجابة هي قدوة للمسئولين على مختلف المستويات. التحول الذي ينتظرنا كدول خليجية تفرضه ظروف خارجة عن ارادتنا. فالمصدر الذي نعتمد عليه وهو النفط بدأ في العد التنازلي في عدد من دول المنطقة. وللأسف لم نستطع بناء اقتصاد مستقل عن النفط خلال المرحلة السابقة. 

اليوم التحدي هو إدارة التحول نحو دول منتجة قادرة على المنافسة في السوق العالمية بمنتجات نوعية وابتكارية مع كل ما يعنيه ذلك من اصلاح منظومات التعليم. ومن ناحية ثانية بناء منظومة ادارية على أسس جديدة تقوم على مؤسسات تحفز على حسن الأداء وتدار بكفاءات وطنية بعيدا عن المحسوبية، ومطالبتها بنتائج ملموسة سواء كانت في مجال الاستثمار او في المجالات الإدارية المختلفة. ومثال على ذلك ما حققه صندوق الأجيال القادمة من عائد استثماري (7.5%).  

إدارة التحول نحو الدولة المنتجة سوف تثير قضية هامة أخرى وهي كيف ينظر المجتمع الى المصالح وكيف يتم تعريف هذه المصالح وكيف تصان، وماهي القوى المؤثرة في حمايتها. فمثلا من خلال النقاش الذي دار فيما يتعلق بقانون التقاعد ظهر تباين بين مصالح المواطن ومصلحة الأجهزة العاملة والقوى المجتمعية. ظهر ذلك حتى في مداولات مجلس الشورى، فقد رأى البعض في تمرير القانون مصلحة وطنية في حين اعتبره اخرون ضد المصلحة الوطنية. الاختلاف في تعريف المصلحة الوطنية ليس بالأمر الغريب، فالدول المتقدمة تخضع لهذا التفاوت والاختلاف في النظر الى المصالح. نجاح التحول سوف يعتمد على نوعية هذا النقاش والتسامح والتقبل الذي يظهره الأطراف لمختلف وجهات النظر في بيئة ديمقراطية تفسح المجال لمختلف الآراء. وتبقى حيوية المجتمع وتنظيمه وحرية الصحافة هي التي تحدد كيفية التوفيق بينها حسب مبادئ ديمقراطية يتفق عليها المجتمع في ظل دولة القانون والمؤسسات والمساءلة؟

وأخيرا سلطت التعديلات الضوء على العلاقة بين مجلس النواب والشورى وآليات سن التشريعات. تبين ان النص الدستوري لا يعكس بالضرورة كيفية عمل الدستور على ارض الواقع. ان التأثيرات المصاحبة من ردت فعل المجتمع والحكومة ومبادرات جلالة الملك تعتبر آليات مساعدة تسهل وتساعد آليات عمل الدستور وعمل مجلس النواب، وتحول دون صدام بين المؤسسات بعيدا عما تقوله النصوص. هذا يمنح المرونة في التطبيق خلافا لجمود النصوص. كما يمنح فرصة لتقييم العلاقة وتطويرها لكي تتعامل مثل هذه الحالات في المستقبل وتستجيب للتحولات في المجتمع التي سيفرضها التحول نحو الدولة المنتجة، وهكذا تتطور التجربة الديمقراطية في المجتمعات الحية المتحركة وتتعدل النصوص تباعا وفق متطلبات الواقع وتطلعات المستقبل. 

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *