نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 تحديات التنمية الاقتصادية العربية وقمة القدس؟

في بيان قمة القدس تطرق القادة العرب الى قضية التنمية الاقتصادية، وقد اثنوا في الفقرة 28 على ما يبذله المجلس الاقتصادي والاجتماعي من جهود في تطوير التعاون الاقتصادي العربي وزيادة التبادر التجاري وتعزيز الاستثمارات العربية بما يحقق التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص للشباب. وتثمن القمة ما تحقق من إنجازات في مجال التنمية المستدامة.

هذه فقرة مفرطة في التفاؤل، وتتحدث عن خلق فرص عمل للشباب. البيانات التي تصدر عن الأمم المتحدة وهيئاتها تقول ان نسبة البطالة بين الشباب في الوطن العربي مرتفعة تصل 30% وان دخل الفرد، اذا استثنينا تأثير النفط، لا يتجاوز معدلات الدول منخفضة الدخل، فمثلا تونس التي تعتبر من الدول المتقدمة عربيا كان متوسط دخل الفرد عام 2009 لا يتجاوز أربعة آلاف دولار، مثله مثل ناميبيا او جاميكا، وهذا قبل تأثير الربيع العربي وما صاحبه من تعطيل السياحة في تونس. في حين دولة صغيرة مثل هونج كونج وصل ثلاثين الف دولار. 

اما مؤتمر العمل العربي في دورته 45 الذي أقيم في منتصف ابريل الحالي فيقول السيد  سمير ناس في كلمته في المؤتمر بان سقف التحديات ترتفع ويزداد تأثيرها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. ويطالب بتأهيل علمي حديث وتدريب واستنهاض طاقات الشباب. ويرى ان اهم التحديات هي تلك المتعلقة بسوق العمل وانه اصبح من الضروري الاهتمام بمخرجات التعليم والتركيز على تدريب الشباب لإنتاج يد عاملة مؤهلة. ويختم كلمته بان ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت 29% لعام 2017 حسب احصائيات صندوق النقد العربي سوف يؤثر على النمو الاقتصادي، ويؤثر على الظروف السياسية المضطربة أصلا. لذلك يطالب بان توضع السياسات الاقتصادية بناء على هدف تخفيض البطالة وليس بناء على زيادة الناتج المحلي الإجمالي اذي لا يعني الكثير. فهل سيكون لهذا المؤتمر أي تأثير بعد عودة الوفود الى بلدانهم ومنهم السيد سمير ناس؟

في ضوء هذه التحديات الجمة والأرقام عن الأداء الاقتصادي العربي نتساءل كيف للقمة العربية ان تثني على المجلس الاقتصادي او تتطلع الى زيادة التبادل التجاري. كان الاجدى بها ان تطالب بتقليل التبادل في الاتهامات وتقليل التدخل في الحروب الاهلية الدائرة في الوطن العربي وانهائها والإسراع في زرع بذور الديمقراطية والعدالة والمساواة التي سيكون فيها امل الاستقرار والسلم ومن ثم التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

التحديات الجمة التي نتحدث عنها وردت في تقرير “التحديات والمخاطر في الشرق الأوسط وشمال افريقيا” الصادر عن (Brookings Centre, 2018) يتحدث عن الالام المصاحبة لأحداث الربيع العربي في تونس بوجه الخصوص لكن في دول أخرى كذلك. فليبيا تعاني من التشرذم والصراع المناطقي. وحتى الدول المستقرة مثل الخليج فانه يعاني من تأثير الضغوط الديمغرافية، وتأثير الاصلاحات الاقتصادية الجذرية الضرورية، والصراعات السياسية الداخلية والخارجية. هذه الصراعات لها نتائج سلبية على الاستثمار بشكل عام. غير ان التحدي الأكبر الذي تواجهه اكثر الدول العربية هو خلق فرص عمل وتعميم المردود الاقتصادي ليشمل الجميع وتخفيف المصروفات الأمنية والعسكرية وتوجيهها نحو الاستثمار والتنمية. 

في ضوء هذا التفاؤل الحذر عقدت المنظمة العربية للصناعة والتعدين مؤتمرها في الكويت قبل أيام (24 -26 ابريل 2018) تبحث كيفية تعزيز جهود المنظمة في تحفيز التنمية العربية من خلال الاستثمارات في الصناعة. بالرغم من مضي ثلاثين سنة على انشاء هذه المؤسسة (منذ عام 1988) لتحسين نوعية وانتاجية الصناعة العربية ورفع مستوى الابداع والابتكار والمعرفة فيها، الا ان النشاط الصناعي العربي مازال متواضعا. تعمل المنظمة مع وزارات الصناعة والتنمية العربية وبعض المنظمات العربية والاسيوية والدولية. وهذا المؤتمر يحاول ضخ روح الحياة فيها وزيادة الاستثمار لمعالجة قضية البطالة بين الشباب العربي. لكن للأسف فان هذه الحديث ينتهي بانتهاء وقت المؤتمر وتعود الحياة كما كانت، تهيمن عليها الخلافات السياسية وتمنع أي تعاون او تقدم تنموي.

يشترك في التفاؤل لعام 2018 معهد المحاسبين القانونين (إنجلترا وويلز) الذي اصدر توقعاته في تقرير نشر في اخبار الخليج (18 مارس 2018)، يقول ان “الشرق الأوسط سوف ينمو بواقع 2.8%  مقارنة ب 1.1% في 2017. لكن هذا التفاؤل يشوبه الحذر بسبب البيئة السياسية المضطربة”. غير ان هذه التوقعات لا تعتمد على زيادة إنتاجية في الصناعة او الأداء الاقتصادي بقدر ما هي نتيجة توقع ارتفاع أسعار النفط فضلا عن السياسات المالية التوسعية (زيادة السيولة) وزيادة الانفاق الحكومي وتحسن الأوضاع الامنية.

يشترط هذا التفاؤل إصلاحات الضرورية لتحقق هذا التحسن اول هذه الاشتراطات هي الحد من البطالة المرتفعة وهذا يحتاج الى سياسة موجهة عمالية واحلال المواطن محل الأجانب وزيادة الاستثمار في المشاريع التي تتناسب مع طموحات المواطنين الوظيفية. ثانيا تعزيز المنافسة النزيهة في تكافؤ الفرص وفي التوظيف في الكوادر الإدارية والفنية. ثالثا تحسين التشريعات الاستثمارية وترسيخ الحقوق القانونية وحقوق الملكية وحفظ المال العام. رابعا الاستثمار في التعليمية وتدريبية المواهب الشبابية. خامسا -بالنسبة للخليجل- التعامل مع تاثير ارتفاع مستوى المعيشة بسبب فرض ضريبة القيمة المضافة ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء وزيادة الرسوم على الشركات والعمالة الوافدة، وارتفاع كلفة الانتاج واحتمال ارتفاع سعر الفائدة الامريكية وآثار التضخم الذي قد يصل الى 4% بعدما كان 0.3% عام 2017. كل هذه التحولات والتحديات تتطلب إصلاحات عميقة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وليس فقط الجانب العسكري والأمني فهل نحن مستعدون؟ 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *