نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

تحديات وخيارات التنمية بعد فرض الضرائب

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٨ فبراير ٢٠١٧ 

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1057376

اخيرا تم التوقيع على اتفاقية اطارية لضريبة القيمة المضافة بين دول مجلس التعاون والتي سوف يبدأ تطبيقها في منتصف 2108 وتمثل 5% على المشتريات مع بعض الاستثناءات للسلع والخدمات التي لم تحدد بعد والمتوقع ان تكون السلع الغذائية الشعبية. المحصلة هي ان الضريبة سوف تؤثر في مستوى معيشة المواطن ذو الدخل المحدود وهو الذي سيتاثر بدفعها في المطاف الاخير، اما المستويات العليا فلن تشعر بها.

الاستعداد لمثل هذا الوضع لم يبدأ بجهود تنموية بالرغم من المناداة المجتمعية المتكررة على مدار الاربعة عقود الماضية. اما الان وقد بلغ الامر مرحلة الاضطرار وبدأت الشركات في التخلص من عمالة بحرينية تزيد من نسبة البطالة، فان تنويع الاقتصاد اصبح الان حتمية وضرورة لا بد منها. فوفق تقرير صادر من احدى شركات التوظيف (بيت دوت كوم) تقول بان التصنيع والرعاية الصحية يقودان حركة الانتعاش، وتقرير اخر (الايكونومست) يقول بان الاتصالات هي التي تقود وخبير اخر (مينا للاستثمار) يقول بان الاستثمار في الغذاء هو الاساس لتحقيق التنمية. لذك فان نجاح الدول في تنويع الاقتصاد وبناء قاعدة انتاجية تفتح فرص عمل للشباب دونه الكثير من التحديات. 

اول هذه التحديات هو ان تقوم الحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية بوضع تصور ورؤية تشمل الاوجه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية معا ليكون الحل شاملا. في الجانب الاقتصادي، تحتاج الحكومة الى اخذ زمام المبادرة في اختيار النشاط او القطاع وليكن الاتصالات او التصنيع او السلع الغذائية مثلا او اي قطاع اخر وان تبدأ الحكومة باقامة اسس هذه الصناعة لتكون القاطرة التي تنتشل الاقتصاد من حالة الاعتماد على النفط. في تجارب الدول نجد ان احدى الصناعات شكلت المنطلق للتنمية. فمثلا الثورة الصناعية في بريطانيا اعتمدت صناعة النسيج كقاطرة، وفي امريكا كانت صناعة المواصلات والسيارات، وفي المانيا كانت صناعة الحديد والصلب وفي اليابان كانت صناعة السيارات والالكترونات. هذا يعني ان تاخذ الحكومة زمام المبادرة في اقتصاد مختلط (تكاتف القطاع الخاص والعام بقيادة حكومية) هو الخيار كما يرى بعض الاقتصاديين في البحرين. الحكومة هي القادرة على اختيار القطاع الذي يمكن التركيز عليه وتوجيه الاستثمار له وبناء البنية الاساسية والتشريعية وتهيئة البيئة من تعليم وتدريب. 

ثانيا: قد لا يكون من السهل على البحرين ان تختط لنفسها طريق مستقل عن دول الخليج، لذلك من الضروري ان تكون السياسة التنموية في الخليج موحدة وتتركز على صناعة معينة تتوزع على باقي دول المنطقة تاخذ كل دولة جانب تتخصص فيه. فمثلا صناعة الطاقة قد يكون من المجالات الواعدة او صناعة تحلية المياه. ومرة اخرى فان الحكومة هي اقدر على وضع الدراسات وتحديد القدرات ضمن جهد مشترك بين دول المجلس.  

ثالثا: بالنسبة لدول الخليج عامة والبحرين خاصة هناك حاجة ماسة لوضع استراتيجية لكيفية مخاطبة المجتمع واقناع المواطن بالضرائب وتفادي التاثير السلبي واحتمال الاضطرابات والاحتجاجات كما رأينا قبل اسبوعين عندما قررت الدولة ايقاف الزيادة السنوية. تفادي مثل ردات الفعل هذه يتطلب اعتماد الدولة لخطاب يؤمن بحق المواطن في المعرفة الدقيقة والتفصيلية لجميع ايرادات الدولة من النفط ومن المصادر الاخرى التي لا تدخل في الميزانية. كذلك يتطلب الامر توضيح جميع اوجه صرف الايرادات للولة، فمازال المواطن ونوابه يجهلون هذه الايرادات وكيفية توزيعها. على الدولة اقناع المواطن لماذا تم اتخاذ خيار ضريبة القيمة المضافة دون ان تشرح دولنا لماذا لم تبدأ بفرض ضريبة على ارباح المؤسسات قبل المواطن، او ضرائب العقارات مثلا؟ 

رابعا تنويع الاقتصاد يحتاج الى مراجعة كيفية التمويل. يرى مجلس التنمية الاقتصادية ان المشكلة تكمن في قلة الاستثمار الاجنبي، لذلك تم فتح مكاتب في سبع دول في جميع القارات تقريبا لجذب الاستثمار الاجنبي. صحيح ان الاستثمار الاجنبي له فوائد اخرى وقد تكون اكثر اهمية من المال نفسه وهو نقل التكنولوجيا والخبرة الادارية والمساهمة في فتح اسواق خارجية، لكن هل يجوز الاعتماد على هذا التمويل لتاسيس القاطرة الصناعية وبناء القاعدة الانتاجية؟ وهل ننتظر عقود اخرى معتمدين على هذا الاستثمار في الوقت الذي تُستثمر اموال علية القوم من البحرينيين في الخارج؟ لذلك فان المبادرة في خلق القاعدة ينبغي ان تكون محلية مبنية على اعتبارات وطنية وخليجية. وقد عبر عن ذلك رئيس جميعة الاقتصاديين السابق الدكتور جعفر الصائغ بطرح خيار الاقتصاد المختلط والذي تلعب فيه الحكومة دورا اساسيا.

خامسا: يمثل تحدي خلق فرص عمل للشباب قضية وطنية تهم الجميع ومع ذلك فانه من الصعب الحصول على ارقام موثوقة عن حجم البطالة بين فئات الشباب المؤهل في البحرين، لكن نستشف من الصحافة ان هناك عاطل في كل عائلة وكل بيت تقريبا. وحتى خريجي الجامعات والمعاهد الفنية المحلية والخارجية يعانون من البطالة طويلة الامد التي تزيد على ثلاث سنوات. لا يمكن الاعتماد على رأس المال الاجنبي في معالجة ذلك. الحكومة تتحمل مسئولية هؤلاء وعليها المبادرة.

سادسا: شح المعلومات يمثل تحدي وعائق في سبيل التنمية. فمثلا في تقرير مجلة الايكونومست البريطانية حول الاتصالاات في البحرين تقول “هل يمكن للدولة ان تخلق الحافز الاقتصادي والاطار التنظيمي للاستفادة من قطاع الاتصالات بينما شعبها يفتقر الى المعلومات”. لذلك فان جهود التنمية لا يمكن ان تنجح مع شح المعلومات للمجتمع ليشارك في التقييم والتوجيه والنقد.

واخير سوف يعتمد نجاحنا في تنويع الاقتصاد على مدى قدرتنا على تهيئة البيئة والمنظومة الابتكارية والابداعية التي تعتمد على التعليم والبحث العلمي من جهة وعلى معالجة وضع الانقسام في المجتمع والتوجه نحو اصلاح سياسي يزيد مجال الحريات للتفكير الابداعي النقدي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *