نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

تحديات عدة تواجه تنويع الاقتصاد اهمها الاصلاح السياسي ووضع رؤية تنموية تقود القطاع الصناعي.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14201/article/61805.html

أخيرا تم توقيع اتفاقية إطارية لضريبة القيمة المضافة بين دول مجلس التعاون، والتي سوف يبدأ تطبيقها في منتصف 2018، وتمثل 5% على المشتريات مع بعض الاستثناءات للسلع والخدمات التي لم تحدد بعد والمتوقع أن تكون السلع الغذائية الشعبية. المحصلة هي أن الضريبة سوف تؤثر في مستوى معيشة المواطن ذي الدخل المحدود وهو الذي سيتأثر بدفعها في المطاف الأخير، أما المستويات العليا فلن تشعر بها.
الاستعداد لمثل هذا الوضع لم يبدأ بجهود تنموية بالرغم من المناداة المجتمعية المتكررة على مدار العقود الأربعة الماضية. أما الآن وقد بلغ الأمر مرحلة الاضطرار وبدأت الشركات في التخلص من بعض العمالة البحرينية لتزيد من نسبة البطالة، فإن تنويع الاقتصاد أصبح الآن حتمية وضرورة لا بدَ منها. فوفق تقرير صادر من إحدى شركات التوظيف (بيت دوت كوم) تقول إن التصنيع والرعاية الصحية يقودان حركة الانتعاش، وتقرير آخر للـ(الا يكونومست) يقول إن الاتصالات هي التي تقود، وخبير آخر بمؤسسة (مينا للاستثمار) يقول إن الاستثمار في الغذاء هو الأساس لتحقيق التنمية. لذلك فإن نجاح الدول في تنويع الاقتصاد وبناء قاعدة إنتاجية تفتح فرص عمل للشباب دونه الكثير من التحديات.
أول هذه التحديات هو أن تقوم الدولة بوضع تصور ورؤية تشمل الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية معا ليكون الحل شاملا. في الجانب الاقتصادي، تحتاج الدولة إلى أخذ زمام المبادرة في اختيار النشاط أو القطاع وليكن الاتصالات أو التصنيع أو السلع الغذائية مثلا أو أي قطاع آخر وان تبدأ الدولة بإقامة أسس هذه الصناعة لتكون القاطرة التي تنتشل الاقتصاد من حالة الاعتماد على النفط. في تجارب الدول نجد أن إحدى الصناعات شكلت المنطلق للتنمية. فمثلا الثورة الصناعية في بريطانيا اعتمدت صناعة النسيج كقاطرة، وفي أمريكا كانت صناعة المواصلات والسيارات، وفي ألمانيا كانت صناعة الحديد والصلب وفي اليابان كانت صناعة السيارات والإلكترونيات. هذا يعني ان تأخذ الدولة زمام المبادرة في اقتصاد مختلط (تكاتف القطاع الخاص والعام بقيادة الدولة) هو الخيار كما يرى بعض الاقتصاديين في البحرين. الدولة هي القادرة على اختيار القطاع الذي يمكن التركيز عليه وتوجيه الاستثمار إليه وبناء البنية الأساسية والتشريعية وتهيئة البيئة من تعليم وتدريب.
ثانيا: قد لا يكون من السهل على البحرين ان تختط لنفسها طريقا مستقلا عن دول الخليج، لذلك من الضروري أن تكون السياسة التنموية في الخليج موحدة وتتركز على صناعة معينة تتوزع على باقي دول المنطقة تأخذ كل دولة جانبا تتخصص فيه، فمثلا صناعة الطاقة قد تكون من المجالات الواعدة أو صناعة تحلية المياه. ومرة أخرى، فإن الدولة هي الاقدر على وضع الدراسات وتحديد القدرات ضمن جهد مشترك بين دول المجلس.
ثالثا: بالنسبة إلى دول الخليج عامة والبحرين خاصة، هناك حاجة ماسة إلى وضع استراتيجية لكيفية مخاطبة المجتمع وإقناع المواطن بالضرائب وتفادي التأثير السلبي واحتمالات عدم الرضا كما رأينا قبل أسبوعين عندما قررت الدولة إيقاف الزيادة السنوية، وذلك من اجل تفادي ردات الفعل السلبية، وهذا يتطلب اعتماد الدولة خطابا يؤمن بالحق في المعرفة لايرادات الدولة من النفط ومن المصادر الأخرى. كذلك يتطلب الأمر توضيح جميع اوجه صرف إيرادات الدولة، فمازال هناك عدم معرفة كافية بهذه الايرادات وكيفية توظيفها. على دول الخليج إقناع المواطنين لماذا تم اتخاذ خيار ضريبة القيمة المضافة من دون ان تشرح دولنا لماذا لم تبدأ بفرض ضريبة على أرباح المؤسسات قبل المواطنين، أو ضرائب العقارات مثلا؟
رابعا: تنويع الاقتصاد يحتاج إلى مراجعة كيفية التمويل. إذ يرى مجلس التنمية الاقتصادية ان المشكلة تكمن في قلة الاستثمار الاجنبي، لذلك تم فتح مكاتب في سبع دول في جميع القارات تقريبا لجذب الاستثمار الأجنبي. صحيح ان الاستثمار الأجنبي له فوائد أخرى وقد تكون أكثر أهمية من المال نفسه، وهو نقل التكنولوجيا والخبرة الإدارية والمساهمة في فتح أسواق خارجية، لكن هل يجوز الاعتماد على هذا التمويل لتأسيس القاطرة الصناعية وبناء القاعدة الإنتاجية؟ وهل ننتظر عقودا أخرى معتمدين على هذا الاستثمار في الوقت الذي تُستثمر أموال عدد من رجال الأعمال البحرينيين في الخارج؟ لذلك إن المبادرة في خلق القاعدة ينبغي أن تكون محلية مبنية على اعتبارات وطنية وخليجية، وقد عبر عن ذلك رئيس جمعية الاقتصاديين السابق الدكتور جعفر الصائغ بطرح خيار الاقتصاد المختلط الذي تلعب فيه الدولة دورا أساسيا.
خامسا: يمثل تحدي خلق فرص عمل للشباب قضية وطنية تهم الجميع، ومع ذلك فإنه من الصعب الحصول على أرقام موثوقة عن حجم التشغيل بين فئات الشباب المؤهل في البحرين، لكن نستشف من الصحافة ان هناك نسبة لا بد من توظيفها أو استثمار قدراتها. حتى خريجو الجامعات والمعاهد الفنية المحلية والخارجية يعاني بعضهم من قلة فرص العمل المناسبة. ولا يمكن الاعتماد على رأس المال الأجنبي في معالجة ذلك. ولهذا، فالدول الخليجية تتحمل مسؤولية هؤلاء وعليها المبادرة.
سادسا: شح المعلومات يمثل تحديا وعائقا في سبيل التنمية. فمثلا في تقرير مجلة الا يكونومست البريطانية حول الاتصالات في البحرين تقول: «هل يمكن للدولة ان تخلق الحافز الاقتصادي والإطار التنظيمي للاستفادة من قطاع الاتصالات بينما توجد صعوبة في الحصول على بعض المعلومات»، لذلك فإن جهود التنمية لا يمكن أن تنجح مع شح المعلومات للمجتمع ليشارك في التقييم وتقديم المقترحات.
وأخيرا سوف يعتمد نجاحنا في تنويع الاقتصاد على مدى قدرتنا على تهيئة البيئة والمنظومة الابتكارية والإبداعية التي تعتمد على التعليم والبحث العلمي من جهة، ومن جهة أخرى على المعالجة والتوجه نحو إصلاح متكامل يزيد مجال الحريات للتفكير الإبداعي النقدي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *