نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تحية الى الأمين العام لمجلس التعاون 

تاريخ النشر :22 ابريل  2011  تاريخ مكرر

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يصعب في هذه الايام التفكير في قضايا الاصطفاف الطائفي الذي يشطر المجتمع وفي ما ستؤول اليه الاوضاع بعد انقشاع الغمة. في ظل هذه الاحداث هناك مناسبة هامة وسارة تستحق التطرق لها الا وهي استلام الاخ سعادة الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني منصب الأمين العام لمجلس التعاون. اولا أريد ان اتقدم بأحر التهاني والتبريكات لهذا الرجل الذي عرفته عن قرب وعملنا معا في العديد من المشاريع التطويرية في قوة دفاع البحرين. هذه المعرفة القريبة بكفاءته وقدرته على قراءة ما يمر به العالم العربي والخليجي من تحولات تجعلنا متفائلين في حدوث تغيير في مسيرة مجلس التعاون نحو الأفضل. 

بدأت دلائل التحول في الدعم الذي أقره الاجتماع الوزاري بتاريخ 17 فبراير على اثر اندلاع الاحداث في البحرين. هذا الموقف في حد ذاته هو إدراك بأهمية العمل الجماعي الذي نتمنى ان يكون أكثر تأثيرا في المستقبل. أقر المجلس الوزاري مساعدات للبحرين وعُمان بواقع مليار دولار سنويا لكل منهما ولمدة عشر سنوات. يهدف ذلك الى “إصلاح الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وتحسين مستوى الخدمات وإيجاد فرص عمل للشباب”، وأطلق على هذا المشروع خطة “مارشال الخليج” اسوة بمشروع مارشال لدعم اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.  

مشروع مارشال الاوروبي كان يهدف الى إعادة بناء الاقتصاد الاوروبي خوفا من التحاقها بالمعسكر الشيوعي بسبب الفقر واليأس الذي نتج عن الحرب. هذه الخطة لم توجه الى إعادة إعمار اوروبا بقدر ما ركزت على تحديث القدرات الانتاجية الصناعية والممارسات الادارية وتقليل الحواجز التجارية بين الدول الاوروبية واعادة الأمل والثقة الى الناس في اقتصادهم. استغرق العمل بالخطة اربع سنوات وعندما انتهت في 1952 كانت اقتصادات اوروبا أكبر مما كانت عليه قبل الحرب. اننا اليوم نتمنى خطة مارشال شبيهة في أهدافها بتلك الاوروبية وتركز على تحديث اقتصادياتنا الخليجية وتحريرها من الاعتماد على النفط من خلال بناء القدرات الانتاجية والعلمية. 

ورد في القرار الوزاري ان احد اهداف خطة المساعدة الخليجية هي خلق فرص عمل، والسؤال كيف سيتحقق ذلك على المدى البعيد؟ قد نتمكن من استيعاب عدد من الخريجين في بعض الوزارات والشركات الكبيرة ولكن هل يمكن لذلك ان يستمر؟ وهل استيعاب البطالة بهذا الشكل يعد استثمارا للمستقبل ام انه مجرد اخفاء ظواهر المرض اليوم لتبرز في الغد أكثر فداحة. ان المبالغ المخصصة لهذا المشروع قد تكون مطلوبة اليوم لتحسين مستوى المعيشة لكننا نقترح ان تخصص مبالغ لبناء مؤسسات صناعية ومنشآت بحثية قادرة على خلق فرص عمل على المدى المتوسط والطويل. اي ان هناك حاجة ماسة الى اعادة هيكلة الاقتصاد بعيدا عن النفط والعقار من خلال خطة مارشال خليجية تنموية. وهنا ياتي دور مجلس التعاون في حلته الجديدة بعد الهزات التي اصابت العالم العربي، ونأمل ان يتمكن الامين العام الجديد، في توجيه العمل الخليجي الى بناء اقتصاد معرفي يستوعب الشباب القادم الى سوق العمل والمتعطش الى حياة افضل. 

هذا من ناحية، اما الناحية الثانية فهي قضية الأمن القومي الخليجي. ماحدث في العالم العربي يتطلب إعادة تعريف الامن القومي الخليجي ووضع استراتيجية تأخذ في الاعتبار التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة العربية بما في ذلك منطقة الخليج. كما يتطلب وضوحا أكبر في تحديد العلاقة بين الامن القومي وبين التنمية البشرية المستدامة وزيادة القدرات العلمية والصناعية وتطوير الحياة السياسية. هناك العديد من الجهود التي بُذلت لتطوير التكامل وقد صدرت استراتيجية التنمية الشاملة البعيدة المدى 2000-2025 وكذلك الاستراتيجة الموحدة للتنمية الصناعية وقانون التنظيم الصناعي الموحد والاستراتيجية الزراعية المشتركة والسياسة التجارية الموحدة واخيرا في الدوحة 2007 اطلاق السوق الخلجية المشتركة. هذه جهود تحتاج الى مشروع نهضة خليجية تقوم على العلم والمعرفة والصناعة تجمعها منظومة تنموية واحدة تسعى لزيادة القدرات التنافسية للمنتجات الخليجية من خلال زيادة مكونها العلمي المنتج محليا. بمعنى آخر نتأمل ان يتم ترجمة هذه الاتفاقيات الى واقع عملي تعطي معنى للسوق الخليجية. ان السوق الخليجة والاقليمية سوق واعد لكنه يحتاج الى انتاج سلع وخدمات ابتكارية قادرة على المنافسة. في الوقت الحاضر معظم دول الخليج يتركز انتاجها في النفط ومن الصعب تبادل مثل هذه السلعة فيما بين دول الخليج وهذا ما يفسر تدني التجارة البينية الى حد الآن.

هذه مرحلة جديدة وتحتاج الى فكر مختلف يربط الامن القومي بالقدرة الانتاجية العلمية الابتكارية والاثنان مرتبطان بالمشاركة السياسية والعدالة. ونحن على ثقة بان الامين العام الجديد قادرا- متى ما توفرت الارادة السياسية- على بعث مثل هذا الفكر والتغيير في نهج دول الخليج ليكون أدائها يتناسب وتحديات المرحلة القادمة. ان الشعوب الخليجية في تطور مستمر وفي التصاق بما يحدث في العالم وهي تتطلع الى أن تكون في هذا الركب ولا تتخلف عنه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كما انها ترى ان الامكانيات المالية الهائلة في صناديق الدول السيادية يجب ان توظف في بناء مستقبل أفضل لهذا الشباب المتأهب لخدمة بلاده ورفعتها وعزتها قبل ان يتفاقم شعوره بالياس والاحباط!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *