نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تساؤلات بشأن مقترح فرض الضرائب لتنويع مصادر الدخل!

  تاريخ النشر :٦ مارس ٢٠١٣ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع- فرض الضرائب ليست المشكلة ولكن كيف سنحاسب الحكومة على التصرف فيها وهل ستستثمر في تنويع مصادر الدخل ام تضيع كغيرها من الدخل؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12766/article/11375.html

 في جلسته بتاريخ 19 فبراير 2013 وافق مجلس النواب على مقترح يتضمن إعداد دراسة مستقبلية بفرض ضرائب على المؤسسات الاستثمارية ورؤوس الأموال من دون المساس بالمواطنين من محدودي الدخل. يتخوف البعض من أن هذه العبارة قد تعني أن الضرائب ممكن أن تفرض على المواطنين متوسطي الدخل والميسورين. جاء في المقترح فإن الغاية هي تنويع مصادر الدخل القومي للبلاد تحسبا لاحتمال نضوب المخزون الاستراتيجي من النفط وفي اطار بحث الدولة عن موارد جديدة وتخفيف الضغوط على الميزانية. الاهداف الاخرى الظاهرة هي اولا تلبية احتياجات المواطنين من تنمية وعدالة، ثانيا تخفيف الضغط على الميزانية العامة وثالثا تلبية احتياجات التنمية ورابعا تحقيق العدالة الاجتماعية (اخبار الخليج 25 فبراير 2013). أي ان الغاية الرئيسية هي زيادة الدخل القومي ونتساءل هل يمكن للضرائب ان تُعتبر زيادة في الدخل القومي؟ اذا علمنا ان احتساب الدخل القومي يمثل مجموع دخل جميع المواطنين والمقيمين والمؤسسات نتيجة لنشاطهم الاقتصادي قبل خصم الضرائب. ندرك ان الضرائب التي ستفرض هي جزء من الدخل القومي وليس اضافة إليه. لذلك فإن اعتبارها اضافة إلى الدخل القومي امر غير صحيح. اما فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل فإن الضرائب بموجب هذا التعريف لا يمكن ان تعتبر تنويع في مصادر الدخل وانما زيادة في ايرادات الحكومة فقط. 

 لكي تكون الضرائب عنصرا في تنويع مصادر الدخل لا بد ان تستخدم كاستثمارات في انشطة انتاجية تخلق فرص عمل وتزيد من ارباح الشركات فتؤدي إلى زيادة في الدخل القومي. لذلك يمكن القول ان المقترح هو فقط يهدف إلى وضع اموال اضافية تحت تصرف الحكومة لاستخدامها في تقديم خدمات افضل وبالتالي فإنها تؤدي إلى زيادة التضخم اذا لم يصاحبها زيادة في الانتاج. 

 ان تنويع مصادر الدخل لا يتم من خلال فرض ضرائب فقط بل ياتي من خلال رؤية تنموية شاملة لكيفية استخدام واستثمار اموال الضرائب والمال العام في انشطة اقتصادية استراتيجية كبيرة كما حدث في السبعينيات من القرن الماضي عندما تم انشاء عدد من الصناعات التي فتحت آفاق للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لكي تقدم لها خدمات وتخلق فرص عمل للمواطنين. كذلك تنويع مصادر الدخل يتم من خلال توظيف اموال الضرائب في رفع قدرات الابتكار والبحث والتطوير واقتناء تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين. 

 أوجه الاستثمار هذه كانت ومازالت متاحة للحكومة دون فرض الضرائب فلماذا لم يتم ذلك؟ المال العام كان ومازال متوافرا فلماذا انتظرنا إلى ان تتأزم الامور ونلجأ إلى حلول غير ملائمة لا تعالج جوهر المشكلة. لماذا مازلنا نعيش في اقتصاد ريعي غير انتاجي يعتمد على النفط؟ هذا القصور في التخطيط والنظرة الاقتصادية بعيدة النظر جعلت شخصيات غيورة على الوطن تتقدم باقتراحات تعالج نتائج تأخرنا في جهود التنمية.

 اختلفت اراء الاقتصاديين حول مقترح فرض الضرائب فمنهم من رحب ومنهم من رفض. المرحبون يرون ان البحرين ليست في معزل عن محيطها الخليجي وبالتالي فإن فرض ضرائب قد تكون له اثار سلبية على قدرة البحرين التنافسية في جلب الاستثمارات. ومع ان هذا الجانب مهم فإننا نرى ان طرحه يجانب المشكلة ولا يعالج جوهرها. المشكلة ليست في هروب الشركات بسبب الضرائب. المشكلة هي انه متى ما نضب النفط فلن تجد شركات تستطيع ان تفرض عليها ضرائب. جميع الانشطة الاقتصادية التي نراها والشركات العاملة في البحرين بما في ذلك الصناعات الكبيرة مثل البا والبتروكيماويات وبناغاز والتكرير يعتمد على النفط. وهناك اقتصاد مساند قائم على هذه الصناعات، اي انها جميعا تعيش على النفط. وبالتالي فإن فرض ضرائب في اقتصاد تهيمن عليه صناعة النفط بغرض التعويض عن النفط به الكثير من التناقض ومغالطة النفس وهو اشبة بالجري وراء سراب لن نجده عندما نصل إليه.

 اما الفريق الذي يرى اهمية فرض ضرائب فهو يدعو إلى ذلك ولكنه يتساءل هل سيكون المجتمع قادرا على المساءلة والمحاسبة ومراقبة كيفية التصرف في المال المستحصل والنتائج التي يتم تحقيقها.

 أما السؤال الاهم فهو لماذا توقف النمو لدينا واصبح معتمدا على النفط بنسبة 90% كما يرى مقدم المقترح؟ كثير من الدول تعرضت إلى مثل هذا الجمود الذي يطلق عليه الاقتصاديون «مصيدة متوسط الدخل». اي ان الدولة تقف عند حد معين من دخل الفرد ولا تتمكن من تجاوزه. بحسب تقرير البنك الدولي فإن 13 دولة فقط من 101 دولة بدأت التنمية في الستينيات استطاعت ان تجتاز عتبة الدخل المتوسط إلى المرتفع. ويورد التقرير سببين الاول عدم الاستثمار في رأس المال البشري والثاني هو عدم اتباع اسس الحوكمة واصلاح المؤسسات ودعم اقتصاد ابتكاري قادر على التاقلم مع المتغيرات. والمقصود في الاصلاح هو اصلاح المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. بعبارة اخرى فإن الدولة التي تريد ان تجتاز مصيدة الدخل المتوسط عليها في بداية المسيرة التنموية ان تقود وتدعم وتستثمر في التنمية الصناعية وفي جلب التقنيات وتكييفها مع متطلبات التنمية الصناعية المحلية وان تكون لاعبا اساسيا في تحريك العجلة. ومتى ما وصل الاقتصاد إلى مراحل متقدمة يمكنها التخلي تدريجيا عن هذا الدور وتلعب دور دعم وتطوير المعرفة البشرية وبناء قاعدة المهارات المطلوبة وادارة وتنظيم السوق بشفافية وانفتاح. 

 إن من أهم عناصر تجاوز المصيدة هو بناء القدرات من خلال تطوير التعليم ليكون تعليما محفزا للابداع وحرية النقد والتفكير بعيدا عن الاسلوب الحالي الذي يعتمد على التلقين. للاسف لم تنجح وزارة التربية في تحقيق مثل هذا النوع من التعليم وعليها البحث في الاسباب التي لن تكون بعيده عن الآفات الموجودة في المجتمع من محسوبية وضعف المحاسبة. الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط والتنمية المستدامة والاهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا يتم فقط بمجرد التمني والحديث عنه، بل يحتاج إلى مشروع تنموي واضح المعالم وبتمويل سخي من الدولة، وشفافية في التنفيذ ومحاسبة على النتائج وهذا ليس متوافرا الآن.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *