نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تطلعات الشباب والتنمية في الوطن العربي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٧ سبتمبر ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- معرفة مطالب الشباب يحتاج الى بحث في بيئة حرة تخلو من التسييس والاتهام بالخيانة والتاثير الايديولوجي سواء من الموالين أو المعارضين.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/14047/article/39155.html 


تحدثنا في مقال سابق عن مشكلة البطالة بين الشباب وتوفير فرص عمل له وما يمثله ذلك من تحدّ كبير للدول العربية والخليجية بشكل خاص. عملت الحكومات على معالجة هذه القضية من دون تحقيق تقدم ملموس يمنح الشباب فرصا مجزية ويرفع الأداء الاقتصادي والتنموي. طرحنا في المقال أهمية التعاطي مع الشباب بشكل مباشر لمعرفة تطلعاتهم الحقيقية وما يرون من حلول في سبيل الاستثمار الايجابي في مستقبلهم، من خلال مشاركتهم الفعالة وليس من مواقف متعالية. 
قد توجد لدى الدول الخليجية والعربية دراسات رسمية تحدد تطلعات الشباب وكيفية تحقيقها، لكن ما مدى مصداقية هذه الدراسات؟ وهل تمت في أجواء من الانفتاح والصراحة بحيث تعكس نتائجها حقيقة الواقع وتصل الى عمق المشاكل. وإذا كان الجواب نعم فلماذا إذن تستمر مشكلة البطالة بين الشباب وتدني مستوى التنمية؟ هل هو عجز في إدارة التنمية من قبل الحكومات أم ان النتائج التي توصلت إليها الدراسات غير مرتبطة بالواقع أو ان لدى بعض الحكومات أولويات أخرى؟ للأسف في غياب مثل هذه الدراسات المحايدة فان الباحثين يعتمدون على دراسات أجنبية في تحديد المشاكل وطرح الحلول التي قد لا تكون دقيقة أو مناسبة. 
في دراسة نشرت في النصف الأول من هذا العام عن مؤسسة «بي بي إس»، (منظمة أمريكية متخصصة في دراسات الرأي العام) شملت استقراء آراء 3500 من الشباب العربي من 16 دولة عربية منها دول مجلس التعاون، توصلت الدراسة الى ان هناك عشر قضايا تهم الشباب العربي بشكل خاص. أهم هذه القضايا هي ان شباب اليوم يرى ان أهم عامل يدفع بعض الشباب في أحضان «داعش» ويسهم في رواج أفكارهم هو شح فرص العمل للشباب، وان اقل من نصف الشباب يعتقد بأن له مستقبلا في سوق العمل العربي. 
أظهر التقرير أن هذه الظاهرة كانت من أهم العوامل في ثورات «الربيع العربي». يتضاعف تأثير ذلك بعد الانتكاسة التي منيت بها دول «الربيع العربي» وتراجع الحريات في كثير من الدول العربية. من سلبيات هذه الدراسة انها طرحت خيارا على الشباب بين الديمقراطية او الفوضى والعنف والإرهاب. هناك خيارات أخرى ممكنة لو ان السلطات في العالم العربي أرادت التدرج نحو الانفتاح والمشاركة السياسية وإشراك الشباب في القرارات. 
الدليل على ذلك ان نفس التقرير توصل الى ان احد متطلبات الشباب العشر هو مطالبة القيادات بتحسين وضع الحريات الشخصية وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة. هذه النتيجة تعكس الشعور بالتهميش والإبعاد عن مراكز صنع القرار، والشعور لدى الشباب بأن قرارات تؤثر في مستقبلهم لا يتم تشريكهم في مناقشتها ولا في اتخاذها. وبالتالي فان المشاركة السياسية هي مطلب مهم وأساسي للشباب بناء على هذه الدراسة. فكيف يتم ذلك؟
يؤكد هذه النتيجة تقرير آخر تم إطلاقه من مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية يؤكد ان ضمان حقوق الشباب وتلبية حاجاته الأساسية من شأنهما أن يسهما في تحقيق عدة أهداف تنموية استراتيجية حالية ومستقبلية. لكن هل يمكن لأي دراسة عربية ان تتوصل الى المشاكل الحقيقية ووضع العلاجات الموضوعية التي تتطلب المشاركة السياسية في ظل الأجواء الحالية من الرقابة على النشر والفكر وتقييد الحريات؟ هذا يجعلنا في دائرة مغلقة من الصعب الخروج منها.
المشكلة الأخرى التي تواجه التنمية هي طبيعة القدرات الإدارية في العالم العربي ومدى كفاءتها في إدارة التنمية، وهل تتمتع بالسمات اللازمة لإدارة التنمية. في حال افترضنا ان التقدم في التنمية ممكن في الأجواء الحالية, كما حدث في دول مثل كوريا الجنوبية وغيرها فإننا نواجه معضلة القدرات الإدارية والحد من الفساد، الأمر الذي نجح فيه الكوريون والسنغافوريون، وإلا فسوف يؤخر تنفيذ الحلول لدينا.
إحدى النتائج الأخرى والمهمة في التقرير هي ان الشباب يرى ان الدين يلعب دورا اكبر من اللازم في الحياة العامة وان الخلاف السني الشيعي أصبح يؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويأخذ بعدا خطيرا للغاية يدفع المنطقة الى مزيد من الصراع السياسي ويؤخر جهود التنمية. 
وعلى خلاف ذلك التقرير فإن دراسة أخرى عن بيت دوت كوم تقول ان نسبة الشباب العربي دون 25 سنة تبلغ نحو70 في المائة من مجمل سكان المنطقة وهم الأكثر تعليما ولديهم خبرات ومهارات لم تتح للأجيال السابقة وخاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وهم الأكثر تفاعلا مع ثقافات العالم، والأكثر قدرة على الابتكار والإبداع، والأكثر طموحا وتطلعا للمستقبل. 
هذا التناقض بين الدراسات الاجنبية والدراسات العربية يوضح ان عامل المصداقية في الدراسات بشكل عام يؤثر في وضع الرؤى والحلول والاستراتيجيات التي تعالج قضايا الشباب وقضايا المجتمعات وقضايا الأمة العربية. 
السؤال الآن بعد ما يقرب من نصف قرن على استقلال الدول العربية وعلى الطفرة النفطية منذ السبعينيات: ماذا قدمنا للمواطن من حياة كريمة، وللمجتمع من رخاء وتقدم، وللدولة من منعة وأمن واستقرار؟
قليلة هي مراكز الأبحاث في المنطقة التي تتمتع بمصداقية ونزاهة كافية، وخضوع النتائج للمصالح السياسية يعتبر من أهم معوقات التقدم في العالم العربي. ولا يمكن تحقيق النزاهة في الدراسات ما لم تتوافر بيئة بحثية حرة تسمي الأمور بمسمياتها وتتفق على تعريفات للمفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة. لذلك فإن تنظيم مثل هذه المسوحات البحثية مسألة صعبة وإن وجدت فإن عرض هذه النتائج لن يخلو من التسييس والانحياز لطرف على حساب آخر، وان تمكنا من هذا وذاك فإن قراءة وترجمة هذه النتائج والاستفادة منها لن تخلوا من التأثيرات الأيديولوجية سواء الموالية للحكومات أو المعارضة لها.
mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *