نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تقرير التنمية البشرية واستمرار التخلف

تاريخ النشر : 5 اغسطس  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

اوجد الله في الانسان ادوات تعمل على حمايته عندما يتعرض الى خطر. فهناك كريات الدم البيضاء التي تتكاثر عند حدوث اخطار لتقاتل الاجسام الغريبة. كذلك هناك الاحساس بالخطر الذي يدفع الانسان الى تجنب او تغيير سلوكه او اتخاذ مواقف دفاعية تعينه على التغلب على الاخطار. وهكذا المجتمعات والكائنات الاخرى اوجد الله فيها مكونات تستشعر الاخطار ووهبها القدرة على اتخاذ القرار والتنفيذ لانقاذ نفسها. والفناء لاي منظومة يتم عندما تفقد المنظومات القدرة على ادراك الاخطار او يتعطل جهازها التنفيذي في اتخاذ القرارات المناسبة لتدارك الامر. 

الذي اورد هذه الفكرة هو تقرير امن الانسان العربي بعنوان “تحديات أمن الانسان في البلدان العربية” الصادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي لعام 2009. وكذلك تقرير حال الأمة العربية 2008 ــ 2009 الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان “امة في خطر” والذي يبين كيف ان العالم العربي مهددا في جوانب عدة ما لم يُجري تغييرا جذريا في علاقاته مع مواطنيه وفيما بين الدول العربية لمواجهة التحديات الكثيرة التي تعصف به وافقدته الكثير من مكانته وفاعليته في معالجة قضاياه. اما التقرير الاول فيبين كيف ان الانسان العربي اصبح مهددا ليس فقط من الخارج ولكن كذلك من داخل الانظمة العربية نفسها التي من المفترض ان تعمل على حماية مصالحه. والتقريران في مجملهما يصفان ما وصلت اليه الامة العربية من تخلف دون وجود بارقة امل في التغيير والتعافي.

هذان التقريران يثيران في ذهن القارئ السؤال حول لماذا وصل الحال الى هذا المستوى من الضعف والتخلف والهوان في الوقت الذي تتوفر للامة مقومات كثيرة من شأنها ان تجعلها في المقدمة؟ هل هي طبيعة الانسان العربي وعقليته التي قد لا تقبل التقدم؟ ام ان الانسان العربي يختلف عن باقي الامم التي مشت في مسيرة التقدم واشتقت لنفسها طريق نحو المستقبل؟ وهل يكفي ان نضع اللوم على الانظمة العربية الحاكمة فقط؟ ام انه من المفيد ان نتهم الغرب في اصراره على ابقاء العالم العربي متخلفا لاسمترار سيطرته على موارده واسواقه؟

عندما نقارن الانسان العربي على المستوى الفردي مع باقي البشر نجد ان هناك نماذج كثيرة من العلماء والمفكرين والمهندسين والقياديين وصلوا الى نتائج متقدمه في دول اخرى عندما قرروا الهجرة. فجامعات العالم ومراكز ابحاثها تعج بالاساتذه والباحثين من اصول عربية في مختلف المجالات. كذلك نجد ان الشاب العربي عندما يسافر للدراسة اوالعمل في الخارج فانه لا يجد فرقا بينه وبين زملائه الغربييين في التحصيل والاجتهاد. لن نقفز الى اي استنتاج حول اسباب التخلف وسوف نترك القارئ يتمعن في طرح البدائل واتخاذ القرار بنفسه. لكننا سوف نركز على جانب واحد فقط وهو احتمال وجود انفصام بين مكونات المنظومة السياسية العربية. وسوف نستعين بعلم الادارة في اسناد ذلك. 

في الاصلاح الاداري هناك مفهوم يسمى التناغم (Alignment)، وهذا يعني ان جميع مكونات المنظومة تعمل لتحقيق غاية محددة، وتستخدم عدة اليات لضمان تحقيق هذا التناغم منها وجود رؤية شارك في وضعها الجميع تُحفز العمل وتحدد الاهداف، ووجود استراتيجية يفهمها الجميع ويشارك في تنفيذها، ووجود نظام قياس يحدد النتائج المطلوب تحقيقها لبلوغ الهدف او الغاية وفق معايير معلومة، ووجود نظام سيطرة وقيادة يراقب ويتابع النتائج ويتخذ القرارات المناسبة لتصحيح المسار وفق آلية تشاورية حوارية تَخلص الى حلول مدروسة. واخيرا (وليس اخرا) وجود نظام تحفيز يكافئ المجد في تحقيق النتائج ويعاقب المسيئ ايا كان ويؤسس لثقافة الجد والاجتهاد. هذه الانظمة المتكاملة من الاليات الادارية تحاول في مجملها جعل مختلف مكونات المنظومة تعمل معا لتحقيق الغاية. فالفرد يعمل لتحقيق اهداف متصلة بالهدف والرؤية العامة للمؤسسة ومحفَزا بنظام مكافآت يضمن للفرد تحقيق اهدافه الذاتية من تدريب وترقيات وتعويض مالي وتقدير معنوي. والادارة تعمل على تحقيق اهدافها المستمدة من اهداف المؤسسة. والمحصلة النهائية لهذه المنظومة المتناغمة ان يتم تحقيق الكثير من الاهداف وبلوغ الغايات والرؤى.

هذا التناغم مطلوب كذلك في المجتمع واهم المكونات على الاطلاق في تحقيق هذا التناعم هي القيادة والسيطرة واسلوب عملها. فاذا كانت اولويات واهداف القيادة متسقة مع اولويات واهداف المنظومة ووسائل تنفيذها وتخضع للتقييم والتحليل الجماعي الحواري، فانها تعمل على توحيد جهود المجتمع في اتجاه واحد لتحقيق الغاية تماما كما تفعل قطعة المغناطيس عندما تمرر على قطعة من الحديد فتقوم بتوحيد اتجاه جزيئآت الحديد لتجعلها ممغنطة. يبدوا ان الدول العربية تعاني من انفصام بين مكونات الدولة ومؤسساتها. فالقيادات لها اهداف تختلف تماما عن اهداف المجتمع. فهي، اي القيادات، تسعى الى الاستقرار والامن والسيطرة على الحكم وهذا يجعلها تنتهج سياسات وتتخذ اجراءات تصطدم مع اهداف التنمية البشرية وتجعل المجتمع غير قادر على التركيز على التقدم والعمل الانتاجي والعلمي. وقد يكون هذا الانفصام هو من اهم معوقات التقدم في العالم العربي. فالاصلاح يحتاج الى اولا الاقرار بوجود مشكلة تحتاج الى علاج. ومالم يشعر القادة بذلك فان الوضع المتردي سوف يستمر وسيصدر التقرير القادم اسوء من الحالي الذي اتهمه القادة العربي على لسان الجامعة العربية بالقصور والتركيز على السلبيات وعدم تقديم بدائل. وهذه العقلية لن تجدي نفعا في تصحيح الاوضاع وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *