نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تقرير الرقابة المالية .. مسئولية من؟

تاريخ النشر :7 يناير  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

صدر في الشهر الماضي تقرير الرقابة المالية السابع وشكل صدمة كبيرة للمجتمع بما احتواه من تجاوزات ومخالفات مالية وادراية. ومع ذلك فان هناك من يرى بانه لا يوجد جديد في هذا التقرير لم تتحدث عنه الصحافة من قبل وان النسق العام في التجاوزات هو نفسه الذي اظهرته التقارير السابقة وان الفرق هو في زيادة حجم وكمية التجاوزات.

هذا التقرير بغض النظر عن ما احتواه من تجاوزات فان قيمته تكمن في نوعية القرارات التي ستتخذ استنادا على ماورد فيه من معلومات، فاذا وضع هذا التقرير جانبا الى ان يتفرغ النواب من جدول اعمالهم المكتظ، سيكون مصير مثل ما سبقه من تقارير. المسئولية الاولى في تفعيل هذا التقرير، تقع على عاتق البرلمان ويجب اعطاؤه اولوية قصوى، كذلك تقع المسئولية على الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في استمرار طرح ما ورد فيه من قضايا وطرحه للحوار على اوسع نطاق في المجتمع وبيان مضار مثل هذه الممارسات. لكي نستطيع اقناع القيادات بالتعاطي الجدي مع هذه التجاوزات. 

طالت هذه التجاوزات العديد من الجهات مثل اموال القاصرين وتمكين وحلبة البحرين والسياحة وطيران الخليج، وغابت عنه بعض الوزارات والجهات الكبرى. ومع ذلك، وبحسب بعض التقديرات فان كلفة التجاوزات الواردة في التقرير تجاوزت المائة مليون دينار. واذا علمنا ان خطة الرقابة التي يضعها ديوان الرقابة لا تشمل جميع جوانب العمل والنشاط الحكومي، فهي بالضرورة انتقائية توفيرا للوقت والجهد وظروف اخرى. واذا فرضنا ان هذه العينة لا تتجاوز 20% من حجم النشاط الحكومي، يمكن القول بان مجمل التجاوزات قد يصل الى نصف مليار دينار.

بالاضافة الى ذلك نجد ان هناك تجاوزات اخرى لم يتعرض لها التقرير مثل املاك الدولة واثار التجريف والدفان وتاثيره على الثروة السمكية وصعوبة معيشة الصيادين وتدمير البيئة التي تقوم الان هيئة البيئة والحياة الفطرية بوضع المبادرات لعلاج ما تم اتلافه وبكلفة اضافية تقدر بالملايين. اذا اضفنا كل ذلك تصل التجاوزات الى مليارات الدنانير. اما الخسائر من عدم تحقيق اهداف بعض الوزارات والهيئات فيصعب تقدير تاثيرها السلبي على الحياة وعلى التنمية مثل مشاريع التعليم التي لم يتجاوز ما تحقق منها اكثر من 20%، والصحة، وادارة الدين العام، فهذا هدر مستقبلي ستتاثر به الميزانيات والاجيال اللاحقة ويشكل خطرا على الامن والاستقرار التي يسعى الجميع جاين الحفاظ عليه. 

طرحت الصحافة اسئلة كثيرة حول اسباب الزيادة في التجاوزات ولماذا لم يتم محاسبة اي جهة في السابق باستثناء بعض صغار الموظفين. وتثار التساؤلات حول الى اي حد يمكن اعتبار ماحدث إضرار بالامن الوطني وتعدٍ على جهود التنمية ومساوٍ في جسامته للتخريب والهدر. ويرى البعض “وجود خلل في ادارة الحكومة” ويصف اخرون الوضع بانه “خطراً على مستقبل المشروع الإصلاحي، وان البلاد تتجه نحو الخلف وتخسر مقوماتها الحضارية والتنموية، وان ما حدث يعد طعنة في اجهزة الدولة والنظام الاداري وانه ينم عن تشتت في السياسات وتصارع ارادات وتضارب في الاهداف” (اخبار الخليج 01 يناير 2011 ). 

هذا يقود الى التساؤل ان كان ذلك قصور فردي يختص بوزارات معينة ام انه قصور في منظومة الحكومة الادارية. وفي هذه الحالة ماهي الجدوى من تكليف لجنة وزارية بالبحث في هذه التجاوزات؟ والى اي حد يمكن لمثل هذه اللجنة الوصول الى اسبابها الجذرية؟. لذلك نرى ان العلاج يجب ان يكون منظومي شامل. فالشجرة التي تظهر اعراض المرض على اوراقها لا يتم معالجة كل ورقة على حدة بل يبدأ العلاج من التربة والجذور. فبالاضافة الى معالجة هذا القصور بالتصدي لكل حالة على حدة، يحتاج الامر كذلك الى علاج مؤسسي يُصلح المنظومة الحكومية والاخلاقيات المجتمعية والقيم السائدة التي تكرسها الحدود الضيقة في حرية التعبير والديموقراطية المنقوصة والحجر على نشر المعلومات. هذا يذكرنا بما قاله الشيخ يوسف القرضاوي حين اجاب على سؤال حول تطبيق الحدود الشرعية، فقال ان ذلك “مرتبط بتطبيق الدين الاسلامي في مجمله، فيجب قبل تطبيق الحدود ان تطبق العدالة وتحفظ الامانة وتعم المساواة بين الناس في القصاص – الشريف قبل الضعيف، عندها يمكن تطبيق الحدود”، وهكذا تطبيق الديموقراطية لا يكون انتقائيا.

هذا يطرح السؤال كيف ستتحمل الحكومة مسؤوليتها عن هذه المخالفات التي رصدها التقرير؟ وكيف ستعالجها؟ وهل محاسبة المخالفين كافية لاحداث التغيير في النهج والفكر والقناعات والفرضيات التي تقف خلف هذه التجاوزات وتحميه وتبرر بعضه. لم يعد الحل في زيادة الرقابة وتعقيد الاجراءات التي من شانها ان تشل الحركة وتضيف الى البيروقراطية المكلفة؟ نتفق مع ما ورد في الصحافة “ان الرقابة لن تكون فعالة ما لم ترافقها ادوات اخرى تعزز قيمتها وفعاليتها، وعلى رأسها الشفافية. والشفافية لا تتعلق بالافصاح فحسب، بل ان الافصاح تترتب عليه مسؤوليات وخطوات يتعين القيام بها دون ابطاء”(اخبار الخليج 01 يناير 2011). اذا الحل يكمن في انتهاج الشفافية والحرية لزيادة الاضواء على المال العام، ويكمن في مزيد من الانفتاح  الذي يتيح للمجتمع استخدام الادوات التي تجعل الديمقراطية فاعلة في المساءلة والمحاسبة، اما لجان التتحقيق المقترحة فلن تجدي نفعا وقد تنتهي كما انتهت غيرها، لذلك فالمجتمع يناشد جلالة الملك للتدخل لما عهد عنه من اهتمام بمعيشة الناس وسمعة البحرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *