نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تقرير بسيوني .. يتيح فرصة تاريخية

تاريخ النشر :28 نوفمبر  2011 طباعة 18

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

نبدأ مقالنا هذا بعبارة من خطاب جلالة الملك الذي يتساءل فيها “كيف سنتعامل مع التقرير لتحقيق الاستفادة القصوى منه” ونتساءل هل سننتهز الفرصة التاريخية التي يتيحها؟

مامر على البحرين من احداث كانت مؤلمة لنا جميعا وعلينا ان ننظر الى تقرير بسيوني على انه فرصة يجب الا تضيع من دون ان نتعلم منها ونصل الى علاج لمعاناة المجتمع وتعطيل حركة التنمية. والتخلص من الكثير من الممارسات الخاطئة التي ادت الى تلك الحالة.

البيانات التي اصدرتها بعض الجهات تظهر ان المزاج العام مازال يسير في طريق لن يوصل المجتمع الى حلول بقدر ما يعمق الانشقاق والصراع الوطنيين. فقبل احداث 14 فبراير كانت لدينا مشكلة سياسية والان اضيفت لها مشكلة طائفية وانشقاق المجتمع. والحالتان تحتاجان الى علاج. فالمشكلة الطائفية في جزء كبير منها يمكن علاجها من خلال الحلول السياسية، ولكن هذا لم يعد كافيا بل يحتاج الامر الى علاج الشرخ الطائفي الذي يهدد بالتصاعد اذا لم تحسن الدولة والجمعيات السياسية وقوى المجتمع الاخرى التعامل مع التقرير واستثماره لهذه الغاية.

نجد مثلا ان جهات مختلفة واعدة صحفية تتعامل بانتقائية في ابراز جوانب من التقرير تناسبها وتعزز قناعاتها وتوجهاتها. هذا السلوك سوف يزيد من استقطاب المجتمع وتصلب المواقف التي تجد ما يعززها وتتجاهل ما ينفي او يضعف هذه القناعة. 

ان اصرار جلالة الملك على الخروج من هذه الازمة بقولة “اننا عاقدوه العزم باذن الله تعالى على ضمان عدم تكرار الاحداث المؤلمة التي مر بها وطننا العزيز، بل سنتعلم منها الدورس والعبر بما يعيننا ويحفزنا للتغيير والتطوير الايجابي. نرى ان تسود هذه الروح وان يتزامن ذلك مع اجراءات واصلاحات وتكوين المؤسسات التي تمنع تكرا ر ما حدث. واعطاء هذه المؤسسات الاستقلالية الدستورية وتبعيتها البرلمانية التي تضمن الرقابة والمساءلة والمحاسبة. اذ يتفق الجميع على ان ما حدث كان جسيما وينبغي الا يتكرر، لكن المشكلة في استعداد الجهات المختلفة لدفع الثمن المطلوب لعدم تكراره.

التنازلات المطلوبة مؤلمة بقدر الالم الذي نتج عن التجاوزات والاستفزازات والتجاهل والسلبية لدى الكثير وعدم الاكتراث لدى البعض. وروح التقرير هي التي تستوجب ان تقود سلوكنا المستقبلي في مسيرة الاصلاح. فالتقرير في مجمله لم يبرئ احد، بل وزع اللوم على الجميع. العقلية التي تبحث في التقرير عما يبرئ الذات ويجرم الاخر يجب ان تتوقف وتمعن التفكير في مصير المجتمع والبلد، فان اخطاء وتجاوزات الجمعيات التي عمقت الشرخ الطائفي في المجتمع ببعض سلوكها وبعدم الاستجابة لحوار سمو ولي العهد لا تقلل من خطورة التجاوزات في التعامل مع المحجوزين والمتظاهرين، كما ان صمت الفئة الكبرى في المجتمع على مدى العقود الثلاثة الماضية عن الفساد والاستئثار لا يقل تاثيرا ومساهمة في الاضرار بالمجتمع. وسكوت شيوخ الدين طوال تلك الفترة واكتفاءهم بالحد الادنى من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يجعلانهم شركاء في الاضرار بالمجتمع.

وبالتالي فان التقرير في شموليته يقول : “من كان منكم بلا خطيئة فاليرمها بحجر”. التقرير في كليته يقول اننا جميعا اخطأنا وقصرنا في حق بعضننا البعض . قصر البعض في واجبه الاشرافي واخرون في احترام حقوق الانسان والبعض في التطاول على اخرين وتفويت فرص الحوار، ولا يجدي الانتقاء من التقرير ما يناسب ويعزز موقفا او طرحا معينا.

يقول جلالة الملك “اننا سوف نُنفذ الاصلاحات التي سترضي اطياف مجتمعنا كافة ضمن مجتمع تعددي تُحترم فيه حقوق الجميع”. فبالاضافة الى تنفيذ التوصيات واصلاح القوانين لتتماشى مع المعايير الدولية، فان خطوات هذه العزيمة وقلب صفحة جديدة في تاريخنا هي:

اولا توقف جيمع اعمال التخريب والتازيم في الشوارع وتخفيف اللهجة الحادة من قبل الجميع.

ثانيا قبول التقرير وفقراته المؤلمة واقرار جميع الاطراف باخطائهم الواردة فيه كجزء من النقد الذاتي. هذا النقد – ان كان صادقا وشاملا- سيؤدي الى اعادة اللحمة الوطنية اذا اقترن بجهود القيادات الدينية من الطرفين. وهذا النقد – ان كان صاديقا – سوف يسهم في البحث عن بدائل اخرى تحقق “بيئة لمجتمع تعددي متماسك ومزدهر يضمن سيادة القانون ويوفر الفرص لجميع ابنائه. ويشيع الطمأنينة في نفوسهم”.

ثالثا ان ننظر الى المستقبل ونتخلى عن حصر بدائلنا في ثنائية، وان نطور هذه الخيارات والبدائل لنتمكن من تكييف الديمقراطية والمشاركة السياسية الفاعلة لتناسب وضعنا.

رابعا ان نعمل جاهدين على انشاء اجهزة مستقلة تؤسس لحياة ديمقراطية وتهيئ المجتمع لقبول التحولات الديمقراطية المتدرجة بسرعة تتناسب والاحداث التي تموج بها المنطقة وتعالج الاسباب الجذربة لما حدث لضمان عدم تكراره.

ان هذه التحولات المتدرجة سوف تمنحنا الفرصة لبناء مؤسساتنا وهيئاتنا الدستورية المستقلة والخاضعة للرقابة والمساءلة وفي الوقت نفسه تتيح تنمية اقتصادية بفكر مغاير عما كان عليه. كما ان هذه المؤسسات الدستورية والتحولات الديمقراطية سوف تمهد لتنمية اقتصادية حديثة تمنح الامل والضمان والطمأنينة لمختلف فئات المجتمع وتحقق الامن والاستقرار المنشود. واخيرا علينا في هذا التدرج ان ندرك ان الوقت ليس في صالح اطالة امد هذا التدرج. فالسرعة مطلوبة كي لا نباغت بطوفان المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *