نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

هل يمكن أن تنحصر الحلول في الجانب الاقتصادي أم أننا بحاجة إلى معالجة شمولية للوضع تطال الجانب السياسي والاجتماعي والثقافي والمعرفي؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14222/article/65030.html

بعد انخفاض أسعار النفط في منطقة الخليج يأخذ الوضع الاقتصادي المساحة الأكبر في الصحف وفي تصاريح الحكومات وفي مناشدتها الشعوب لتقبل التقشف والسياسات الضريبية المختلفة وزيادة الرسوم، واستدعاء الوطنية والصبر والتضحية بالمصالح الفردية لصالح المصلحة العامة. مع أن هذه المناشدة موجهة كما يبدو إلى المواطن العادي الذي يرى أن هذه المناشدات لا تطال الكثير من السلك الإداري أو المسؤولين. بالإضافة إلى ذلك فإن المناشدة للتقشف تطالب من هم على حد الكفاف تقريبا بمزيد من التقشف والتضحية.
فمثلا في تصريح وزير العمل جميل الحميدان، يقول إن هناك 45 ألف عائلة دخلها أقل من 300 دينار وهناك 15 ألف يتسلمون معونات غلاء المعيشة. هذا يعني أن ما يزيد على 30% من البحرينيين يعيشون على أقل من 300 دينار. وضعت الرؤية الاقتصادية خط الفقر النسبي في البحرين بواقع 374 دينارا. مقارنة هذه الأرقام تدعو إلى التفكير في حلول لتنشيط الاقتصاد وفتح فرص عمل مجزية للبحرينيين. وإذا وضعنا في الاعتبار التنازل عن البحرنة مقابل مبلغ (300 دينار) سنويا يدفعها صاحب العمل عن كل موظف إضافي غير بحريني، ندرك أن المنافسة تشتد على البحريني. ومع ذلك فإن وزارة العمل تبدو متفائلة في قدرتها على فتح فرص عمل.
الصورة لا تبدو قاتمة فهناك ما يدعو إلى التفاؤل. من المؤشرات التي تدعو إلى التفاؤل هو الإعلان عن أرباح الشركات التي قد تشير إلى أن وضع السوق مازال بخير. من الأخبار التي تدعو إلى نوع من التفاؤل أيضا هو استقطاب استثمارات في 2016 قدرها 106 ملايين دينار ستخلق 1600 فرصة عمل على مدى ثلاث سنوات (معدل 550 فرصة عمل سنويا)، نأمل أن يستفيد منها البحرينيون. إن أي مساهمة في جلب الاستثمار هي إضافة إلى الاقتصاد ولكن في ضوء الخطط المستهدفة لدينا في تحريك الاستثمارات نرى أن هذه المساهمة على مدى عام كامل تعتبر محدودة ونحتاج إلى جهد أكبر. فخلق 550 فرصة عمل في السنة، في حين أن الطلب للبحرينيين فقط يزيد على 6000 فرصة عمل سنويا- هي مساهمة متواضعة.
بين حين وأخر تعلن وزارة العمل عن فتح فرص عمل وتوظيف أعداد من العاطلين، فمثلا في الأسبوع الماضي أعلنت الوزارة عن توظيف ما يقارب ألفي مواطن في القطاع الخاص من خلال معارض التوظيف. ولكننا نعلم أن وزارة لا تستطيع معالجة كل هذه المشاكل منفردة، ويحتاج الأمر إلى جهود شاملة لرفع مستوى الرواتب وتقليل أعداد من هم في مستوى الفقر خصوصا بعد زيادة الأعباء التي سوف يتحملها المواطن من فرض الرسوم والضرائب. الجواب الذي ينتظره الجميع لمعالجة البطالة وتدني الرواتب واجتياز مرحلة تدني أسعار النفط هو تنويع الاقتصاد وهذا إلى الآن لم يحدث.
التقرير الصادر في أغسطس 2016 من UBS البنك السويسري يرى أن المجال فسيح لدول الخليج لتحقيق نجاح في التنويع الاقتصادي في مجالات الطاقة والسياحة والمال والرعاية الصحية. يواصل التقرير أن الإصلاحات لن تكون سهلة لتحقيق تقدم في هذه المجالات وتحتاج إلى واقعية ومزيد من الجهد في التعليم وتحقيق قدر من المساواة في الدخل، وأن يتم تبني سياسات تدعم نقل التكنولوجيا والابتكار وسياسات تدعم التوظيف والاستدامة الاقتصادية. يوصي التقرير بمزيد من الاستثمارات في التعليم والتدريب واكتساب العلوم الأجنبية لتسريع التنمية في اقتصاد المعرفة وتحويل توفير فرص العمل إلى القطاع الخاص بدلا من تركيز التوظيف في القطاع العام.
تأكيدا على هذا التحليل قد يكون من المفيد استعراض ما جاء على لسان رئيس مجلس الشورى السيد علي صالح الصالح في الندوة التي عقدتها جمعية الصحفيين، يقول معاليه إن المواطن يتحمل مسؤولية في ترشيد السلوك الاستهلاكي غير الضروري للإسهام في تجاوز الأزمة التي تمر بها البحرين، ويرى أن التكالب على الاقتراض الشخصي هو حالة مرضية اجتماعية تحتاج إلى معالجة. والمسؤولية في نظره تتوزع على السلطات في الدولة ووسائل الإعلام من حيث الدفاع عن حقوق المواطنين محدودي الدخل. ويرى أن يتحمل المواطن مسؤولية الدفاع عن نفسه ومستوى معيشته من خلال محاربة السلوك الاستهلاكي ورفض الاقتراض الاستهلاكي. ويضيف بأهمية بناء مواطن منتج، وضرورة ومواجهة معدلات البطالة، وتعزيز كفاءة الجهاز الإداري. يحدد كذلك معاليه عددا من التحديات منها محدودية الموارد، ضيق مساحة الأراضي، نقص المياه، وارتفاع الدين العام الذي يستخدم في تسديد تكاليف متكررة، العجز الاكتواري في صندوق التقاعد، ووجود نسبة بطالة بين الشباب، التحدي السكاني الذي يتزايد بمستويات غير طبيعية وأخيرا تزايد الإرهاب الذي يهدد قدوم الاستثمارات.
تحت هذا الكلام يكمن عدد من الدلالات أولا: إن هناك مستوى من البطالة غير مقبول ويحتاج إلى مواجهة ومعالجة، ثانيا: لدينا أداء بعض أجهزة الدولة من دون المستوى المقبول من الكفاءة لا يمكن تحمله في الوقت الراهن من الضائقة المالية. وثالثا: إن الكلام يوحي بوجود فرضية هي أن هذه الأزمة مؤقتة وأن أسعار النفط سوف تتعافي وتعود الحياة إلى حالتها السابقة.
السؤال بعد كل ذلك هو هل يمكن أن تنحصر الحلول في الجانب الاقتصادي أم أننا بحاجة إلى معالجة شمولية للوضع تطال الجانب السياسي والاجتماعي والثقافي والمعرفي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *