نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٥ مايو ٢٠٢١

مقال الاسبوع – كانت توصيات الغرفة شاملة ونرى ان لا تضيع فرصة وضع رؤية واستراتيجية شاملة تكون هذه التوصيات مدخلات ضمن مدخلات اخرى لتحقيق دور غرفة التجارة ليس فقط في خدمة اعضائها على المدى القصير ولكن خدمة الاقتصاد على المدى البعيد واعادة تعريف دور الغرفة لمواجهة الواقع الاقتصادي الجديد.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1248778

قرار سمو ولي العهد رئيس الوزراء  بتشكيل فريق عمل برئاسة وزير الصناعة والتجارة والسياحة لمتابعة وتنفيذ توصيات غرفة التجارة كان قرارا مهما يعطي غرفة التجارة المكانة التي تستحقها في المجال الاقتصادي والتجاري البحريني لتقوم بدورها في التعبير عن صوت مجتمع الاعمال كشريك مؤثر في صنع القرار الاقتصادي. 

تقدمت الغرفة بعدد من التوصيات تسعى من خلالها إلى تعميق رسالتها في تمثيل مجتمع الاعمال. تتطرق التوصيات إلى عدد من المجالات نختار منها في هذا المقال اولا القطاع المالي وتيسير التمويل لمجتمع الاعمال، ثانيا التعليم والتدريب، ثالثا الصحة ورابعا القدرة التصديرية والتنويع الاقتصادي.

من أهم ما جاء في التوصيات هو قضية تمويل المشاريع الناشئة (start ups حيث يكمن بها الكثير من الابتكار والريادة) للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بضمان الشركة وليس الضمانات الشخصية. يعتبر التمويل احد العقبات في انشاء الشركات، وكثير من الافكار الخلاقة تتأخر أو تندثر بسبب التمويل. وجود مثل هذا التمويل سوف يكون حافزا مهمًّا لرفع مستوى الاقبال على انشاء المشاريع الخلاقة. غير ان هذا له مخاطر، اذ كيف يكون تقييم المشروع من قبل مؤسسة التمويل وما هو قدرتها وامكاناتها في تقديم الدعم الاداري للشركة الناشئة لمساعدتها في حسن ادارة المشروع؟ معادلة صعبة يبقى على غرفة التجارة تقديم رؤية اكثر تكاملا في هذا الشأن لاقناع البنوك بتقديم التمويل بضمان الشركة. الجانب الاخر من هذا المحور هو قضية الضمان الاجتماعي. ريادة الاعمال خصوصا للشباب فيها الكثير من المخاطرة، وما لم يكن هناك شبكة جيدة من الضمان الاجتماعي تحفظ للشاب دخلا يمكنه من النهوض ثانية، فإن اقدامه على المخاطرة سيكون محدودا. نرى ان الغرفة (والحكومة كذلك) تحتاج إلى الاجابة على السؤال ما مصير الشاب الذي يخاطر ويفشل؟

بالنسبة للتعليم فقد اهتمت التوصيات بقضية تطوير المناهج الدراسية لتلائم التطورات التكنولوجية وكذلك بقضية البحث العلمي وربطها بالواقع العملي والفرص المتوافرة واحتياجات سوق العمل. في ضوء سعي البحرين نحو الاقتصاد المعرفي والرقمي فإن البحث العلمي يعتبر قضية اساسية لا بد من ربطها بسلسلة الانتاج. واهتمام الغرفة بهذا الجانب على مستوى التوصيات يحتاج إلى مبادرة عملية من قبل الغرفة بتقديم تصور لكيفية تمويل هذه الابحاث والدفع برفع نسبة ميزانية البحث العلمي في الميزانية العامة. في الوقت الحالي تمويل الابحاث متواضع وميزانية الجامعات محدودة جدا بحاجة إلى رفد من قطاع الاعمال انفسهم مثل تأسيس صندوق تمويل يساهم فيه التجار لتمويل الابحاث التطبيقية. اما من حيث تطوير المناهج فهذه قضية كُتب فيها الكثير ومازالت المطالبات تتعاظم وإلى الان المناهج لا تتناسب مع متطلبات القرن الواحد والعشرين ومتطلبات الابتكار والابداع. هذا يعني انه على الغرفة الدفع بشكل اكبر في هذا الاتجاه والعمل مع اللجنة المشكلة من قبل سمو ولي العهد للتأثير في تطوير المناهج. 

القضية الثانية المرتبطة بالتعليم هي التدريب، وهو جانب مهم جدا لخلق كوادر فنية ومهنية تخصصية في مجالات يحتلها اليوم عمالة اجنبية. الاعتماد على التعليم اثبت انه غير ممكن في ضوء سياسة التعليم التي تركز على التلقين والحفظ. الحاجة اليوم إلى تخريج فنيين قادرين على الانخراط في سوق العمل. تخفيف الاشتراطات المفروضة على قطاع التدريب حاليا قد تكون حلا على المدى القصير ابان جائحة كورونا، لكن نرى ان هناك حاجة إلى نظرة استراتيجية طويلة المدى تجعل من التدريب حلقة وصل بين المدرسة والجامعة وبين مجتمع الاعمال يمر خلالها الخريج لتكون بوابة له إلى فرص العمل المجزية في القطاع الخاص.

قطاع الصحة من القطاعات الواعدة من حيث توفير خدمة صحية باسعار مناسبة للمواطن البحريني من ناحية، ومن ناحية اخرى فإنها توفر فرصا صناعية في مجال الخدمات الصحية في تصنيع الادوية والمعدات الطبية ذات المحتوى التكنولوجي الذي يتناسب مع قدرات السوق البحريني التقنية. توصية الغرفة في وضع استراتيجية لهذه الصناعة يستحق التفكير والبحث في امكانية تطبيقه. ونأمل من فريق العمل الحكومي ان ينظر إلى هذه التوصية بالاهتمام الذي تستحقه.

من القضايا المهمة التي وردت كذلك في توصيات الغرفة ما يتعلق بتطوير ودعم صادرات البحرين. هذا التوجه نحو التصدير هو من أهم ركائز رفع القدرة الانتاجية وتقليل العجز في الميزان التجاري (بدون صادرات النفط). كانت التوصيات شاملة لتكون بداية وضع استراتيجية اقتصادية تركز على القطاعات التي وردت فيها التوصيات. تقودنا هذه التوصية إلى التفكير الجدي في قضية التنوع الاقتصادي وزيادة الصادرات غير النفطية. وفي هذا الصدد لا بد من النظر باهتمام بالغ بما يحدث في السعودية والامارات، وكيف نضع استراتيجية تستفيد من الفرص المتاحة هناك لتعزيز القدرات الانتاجية والتصديرية. نتمنى من الفريق الحكومي التوسع في هذا المحور والا يكتفي بتقديم الدعم للمصدرين فقط بل يتجاوزه إلى تحقيق مستوى اعلى من التنوع الاقتصادي. التعامل الاستراتيجي مع هذه التوصيات يتطلب تشكيل فريق عمل خاص لكل قطاع لوضع تصور واستراتيجية تربطنا بالسوق الخليجي، وبالذات السعودي والاماراتي.

ما ينطبق على التعليم والصحة كذلك ينطبق على القطاعات الاخرى مثل السياحة والطاقة والابتكار والزراعة الافقية والبيئة البحرية. كل من هذه القطاعات يحتاج إلى وضع رؤية لما ينبغي ان يكون عليه القطاع ضمن استراتيجية ينتج عنها مبادرات تحقق الاهداف، وأن تكون ضمن رؤية اشمل لتنويع الاقتصاد. هذا يعني ان تقوم الغرفة نفسها بصياغة خارطة استراتيجية تستفيد من التوصيات (ولا تقتصر عليها) توفر لها نظرة اكثر شمولية وتماسكا ووضوحا للتحول الاقتصادي نحو التنويع والارتباط بالسوق الخليجية واكثر تحديدا لأهم أهداف التنمية الاقتصادية التي تقود إلى التنوع ورفع مستوى التصنيع والصادرات. 

drmekuwaiti@gmail.com  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *