نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

ثقافة الحوار في مركز الجزيرة الثقافي

 تاريخ النشر :١٢ فبراير ٢٠١٤ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي  

مقال الأسبوع- ثقافة الحوار في الفكر الإسلام في مركز الجزيرة الثقافي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13109/article/6779.html

أين نلتقي لتجاوز ألم الوطن وشعبه؟ سؤال طرحه أحد الحضور في الندوة التينظمها مركز الجزيرة الثقافي بعنوان «الفكر السياسي عند رسول الله (صلىالله عليه وسلم ) – ثقافة الحوار» بتاريخ 2 فبراير 2014. شارك في الندوةفضيلة الشيخ عبداللطيف آل محمود، وسماحة الشيخ محمد آل مكباس،وفضيلة الشيخ فريد هادي. تطرقت الندوة إلى عدد من المحاور أهمها ركائزالحوار عند الرسول في حواراته مع المشركين قبل الهجرة وبعدها، وحواراته فيصلح الحديبية، وفي نشر الدعوة خارج الجزيرة العربية. كما تطرقت إلى ثقافةالاصغاء والاستماع عند الرسول (صلى الله عليه وسلم). حاول المتحاورونوالحضور اسقاط ذلك على واقعنا المعاصر في البحرين؟

عرَّف المتحدثون السياسة على انها إدارة أمور الناس بجوانبها المختلفة وتعتمدعلى السائس (الحاكم) والمسوس (المواطن) وإدارة العلاقة بالمحيط الخارجي. والفكر السياسي هو قضية محورية في الإسلام وتنقسم إلى وحي واجتهاد. اعتمد الرسول صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد على الثقة بالله وبقدرته علىإيصال الرسالة، والايمان بالقضية وصلاح الفكرة والمشروع الذي يحمله. هذهكانت اهم ركائز سياسته في نشر الدعوة وبناء الدولة وقيام الحضارة، وتحققذلك من خلال إشاعة العدل والتسامح والمساواة. الثقة بالله وبالرسالة منحتهوضوح الرؤية والمرونة في الحوار وجعلته يركز على الغايات والكليات وليس علىشكليات او صغائر الأمور العابرة. سقطت الحضارة عندما ضعفت الفكرة فيالنفوس فانفرط عقد الامة. 

بناء الامة الإسلامية قام على عدد من المفاهيم والقيم أولها مفهوم وثقافة الاخوةالتي غرسها وكرسها النبي في المهاجرين والانصار وتمكن من تحقيق الاخاءبين فريقين كان من الممكن ان يحدث شقاق بينهم، وخصوصا أن أحد الفريقينوافد على الآخر ليشاركه فيما يملك. والمفهوم الاخر هو المواطنة المتساوية فيالحقوق والواجبات، بهذه المواطنة اصبح لليهودي والمشرك حق في الحماية. والمفهوم الثالث هو الحرية الدينية واحترام حق التعبد للجميع مع الاحتفاظبالمسؤولية الاجتماعية والواجب المشترك تجاه كل طرف. هذه من اكبر الإنجازاتالتي مكنت من صنع مجتمع متلاحم، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا ما أبداه الرسول(صلى الله عليه وسلم) من معاملة عادلة ورحيمة وفهم عميق لحقوق الانسانوكرامته. 

وضع المتحاورون شروطا لنجاح الامة تمثلت في التزام الحاكم بتقوى الله،واتباع ما امر في كتابه بقلبه ولسانه ويده، وحسن التعامل مع المواطنينبالرحمة وكبح النفس عن الشهوات كما فعل الرسول والخلفاء الراشدون منبعده. اما بالنسبة إلى المواطنين فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظيرلك في الخلق، ويجب عليه القيام بواجباته وحفظ مكانة الحاكم واحترامه. اماالمحيط والمجتمع الإقليمي والدولي فقد كانت علاقة الرسول بالملوك تقوم علىدعوتهم إلى الإسلام مع حفظ مكانتهم وما لديهم من ملك. 

أما من حيث ثقافة الحوار فإن فكر الرسول السياسي يدور حول التعامل معالخصم على قدم المساواة ويستدل على ذلك بالآية الكريمة «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىهُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ» (سبأ/ 24). كما يستدل بالرواية مع عتبة ابن ربيع(أبا الوليد) الذي ارسلته قريش إلى الرسول، فعامله بكل احترام مخاطبا لهبأبي الوليد واصغى إليه حتى نهاية حديثه قبل ان يبدأ الرسول بالحديث. وفيذلك مساواة مع الطرف الاخر وإظهار الاحترام وعدم الانتقاص من قدره او حقهفي الحديث. المحاور الذي يحاول ان يحصل على كل ما يريد ويُخرج الآخرصفر اليدين، او محاولة التوصل إلى اتفاق تام هو محاور فاشل. بينما الرسولحاول اظهار احسن ما في الاخر معتمدا على ان الاصل في الانسان هوالخير، اما الشر فهو طارئ تُخرجه المعاملة السيئة. لذلك كان من آدابه صلواتالله عليه تجنب الخطاب الاستفزازي الظاهر او المبطن. أي ان لغة الخطاب تؤثرفي المتحاور وتمنح الحوار فرصا أكبر في النجاح. 

ومن الأمثلة التي ساقها المتحاورون تلك القصة التي تبرز أهمية الحالة النفسيةللمتحاور وعدم اخضاعه إلى ضغط نفسي يجعله يرفض خشية وصمه بالخوفاو الجبن. ويُستدل على ذلك بقصة زُمامه ابن ثقال الذي يأتي لقتل الرسول، ولماقبض عليه عرض عليه الرسول الإسلام وهو مكبل فرفض ان يُسلم، وعندما عفاعنه الرسول واطلق سراحه عاد إلى الرسول وقال «خشيت ان يقال اننياسلمت خوفا من القتل، اما وقد أصبحتُ حرا فأشهد ان لا اله إلا الله وانمحمدا رسول الله». 

هذه قدرة على كسب الاخر وتحويله إلى صديق بعد ان كان عدوا. أما متحاورواليوم فلديهم قدرة على تحويل الصديق إلى عدو. القدرة على احترام الخصموعدم تعريضه للازدراء مع الاستعداد للاستماع والاصغاء وجعله يشعر بقيمتهكفيلة بأن تغير جو الحوار وتعزز الوئام بين المتحاورين. 

خلصت الندوة إلى انه لا يمكن لأي مجتمع ان يرتقي إذا أمعن طرف في إلغاءالطرف الآخر وانتهك حريته وقلل من أهميته او انتقص من حقوقه. من المهم اننعمل على تأصيل هذا الجانب من حياة الرسول الكريم ذلك في حياتنا وفيسلوكنا السياسي والاجتماعي وأن نتعلم منه كيف نتحاور. يتفق المتحاورونعلى أن ما نعاني منه اليوم هو ما دخل على الإسلام من تراث في مرحلةالانحطاط، أدى إلى الخلاف والفرقة وجعل كل طرف يستند في فكره إلى تراثوتناسي الأصل الذي نزل في القرآن والسنة. كيف يمكن نقد هذا التراثوتخليصه من شوائبه هذا هو التحدي الكبير. 

mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *