نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. جامعة الملك عبد الله نقلة نوعية تفاؤلية

تاريخ النشر : 25 سبتمبر  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

لحظة تفاؤل بمستقبل الامة انتابتنا ونحن نتابع افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا. ما يدعو الى التفاؤل بمستقبل هذه الامة هو ما نشاهده من اهتمام بالعلم والمعرفة، ففي قطر هناك المدينة العلمية وهناك مركز الشيخ محمد بن مكتوم الذي يهتم بالعلوم والبحث والتطوير. وفي البحرين نرى المبادرات التي تهدف الى اصلاح التعليم.  وينتابنا في نفس الوقت تساؤل هل هذه بداية حقيقية لنهضة عربية علمية انتاجية في الخليج وما تأثيرها على المجتمع السعودي والخليجي والعربي؟

تقوم الجامعة في الغرب بعدة أدوار، فبالاضافة الى البحث العلمي والتدريس، فانها تعمل على المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء القدرات. في المؤتمر الخامس لاتحاد الهيئات العلمية الاوروبية الذي انعقد في أغسطس 2005 ناقش المؤتمر هذا الدور والذي سمي بالمهمة الثالثة (بعد البحث العلمي والتعليم) فيقول بان الجامعة هي العامل الرئيس في التنمية وبناء القدرات والمهارات التنافسية وقيادة المسيرة نحو بناء قدرات الابداع والابتكار والذين اصبحا شرطا أساسيا في نجاح اي سياسة انمائية. كما يقول الن قرينسبان (رئيس الاحتياطي الفدرالي الامريكي) “في عالم اليوم يعتمد النمو الاقتصادي على قدرة الدولة على تطوير وتطبيق تقنيات جديدة لذا فان على جامعاتنا الاستمرار في انتاج الابتكارات العلمية والتكنولوجية وتهيئة القوى العاملة لمتطلبات السوق المتغيرة”. اما جامعة كلفورنيا فترى ان دور الجامعات يشمل “خلق المعرفة العلمية واكتشاف وبلورة افكار جديدة، وتعزيز الابداع، وزرع واستنبات شركات جديدة وخلق فرص عمل”. وبعد كل ذلك فان الجامعات تقود الفكر المجتمعي داخل حرم الجامعة وخارجه من خلال مناقشة القضايا الهامة في المجتمع فتساهم مساهمة كبيرة في تشكيل الرأي العام والتأثير عليه, وبذلك فهي تشكل رأس الحربة في تقدم المجتمع وتحولاته التنموية والفكرية والثقافية كما اوردته التجربة الفنلندية في تقرير المؤتمر المشار اليه اعلاه.

عودة الى جامعة الملك عبدالله فانها تعتمد استراتيجية لتطوير المعرفة في 4 مجالات وهي اولا الطاقة والبيئة والموارد، ثانيا العلوم البيولوجية والبيو هندسية، ثالثا علوم وهندسة المواد، رابعا الرياضيات وعلوم الحاسب. وتركز على حزمة من البرامج تشمل فروع العلوم والرياضيات وعلوم الحاسوب، والعلوم البيولوجية، وعدد من تخصصات الهندسة مثل الميكانيكية والكهربائية والبيئية والكيميائية والبيولوجية، وهندسة وعلم البحار وعلم المواد. كما تشمل على 13 مركز ابحاث متخصصة في تقنيات تحلية المياه والطاقة الشمسية وعلوم البحار. تهدف الجامعة من خلال هذه البرامج الى ثلاثة اهداف هي تلبية الحاجات الانسانية، وتلبية متطلبات تنمية المجتمع، وثالثا المساهمة في التنمية الاقتصادية. وبذلك فانها لا تختلف عن الجامعات العريقة في مجالاتها واهدافها وادوارها.

غير ان أهم مافي هذه الجامعة ليس ماتقدم ذكره او مساحتها التي بلغت 36 كيلومتر مربع، او طاقمها الاكاديمي الذي شمل علماء وباحثين من مختلف انحاء العالم، او تجهيزاتها من الحواسب والمختبرات الاكثر حداثة وتفوق على الافضل في العالم بل ان الاهم هو بادرت به القيادة السعودية من توضيح العلاقة بين الحرية وبين العلم والمعرفة والبحث ومعالجة القضايا بشكل عام. لقد بينت القيادة ان المناخ العلمي يحتاج الى انفتاح فسمحت للمرأة بالاختلاط وقيادة السيارات، ومنعت جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الدخول في حرم الجامعة مما يعطي الطلبة والاساتذه الحرية في التفكير والبحث والنقاش العلني. فالحرية في البحث والتشخيص والتحري هي أساس العمل العلمي البحثي. 

هذا الادراك بان العلم والبحث يحتاج الى الحرية والاقرار الذي سبقه بان التنمية بجميع اشكالها تعتمد على العلم، وان العلم هو العنصر الذي يربط بين التنمية والحرية بشكل لا يفسح المجال للفصل بينهم في مجالات اخرى. وفي مجتمع محافظ كالمملكة السعودية فان هذا التطور قد يكون له ابعاد كبيرة نامل ان تعم منطقة الخليج والعالم العربي. لقد بحت اصوات العالم والعديد من الطاقات العربية والخليجية في توضيح هذه العلاقة السببية والشرطية بين ثالوث العلم والتنمية والحرية، وان هذه العلاقة لا يمكن القفز عليها او تغافلها في برامج التنمية الاقتصادية او الاجتماعية او السياسية. فالبحث العلمي هو تشريح للوصول الى ما يدحض فرضية او نظرية معينة او يساندها ولا يثبتها. وبالتالي فان وضع اي تحديد على هذا التحري والتمحيص يعيق العملية البحثية. فمثلا لو اردنا دراسة العلاقة نفسها بين العلم والمعرفة وانتشارهما وبين التنمية والحرية، فسوف نحتاج الى طرح العديد من الاسئلة والتشكيك في كثير من المسلمات الاجتماعية والسياسية. فالبحث في هذا المجال يحتاج الى طرح اسئلة حول المسار الذي ننتهجه والهدف الذي نسعى اليه والوسائل المستخدمة ونجاعتها، كما نحتاج الى توفر معلومات للدراسة والتحليل والتقييم. يقول تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2003 بان التنمية البشرية “تعتمد على التعليم وخلق المعرفة وهذه بدورها تحتاج الى قدر من الحرية وحقوق الانسان لكي تتطور وتزدهر وتنتج معرفة”. 

نعم ان ماحدث في المملكة العربية السعودية حدث هام نأمل ان تكون نقطة تحول مفصلية في تاريخ التنمية في الخليج ونتمنى لها كل نجاح وللملكة التقدم والازدهار. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *