نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 جذور الإرهاب.. هل هي دينية فقط؟ 

تاريخ النشر :٢٥ فبراير ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- الإرهابيين يشتركون مع الأنظمة العربية في ان الاثنين يرفضون الحرية ويرفضون الرأي الاخر وحقه في الاختلاف والمشاركة. وهذا احد أسباب التطرف والتعصب والارهاب

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13487/article/8807.html

 جريمة بشعة هزت مشاعر العالم راح ضحيتها واحد وعشرون شابا مصريا، كل جريمتهم أنهم أقباط. وقبل ذلك الطيار الأردني الكساسبة واحتلال مساحات من العراق وسوريا وارتكاب جرائم بشعة فيهما وتهديد الأردن والآن ليبيا ومصر. دخل العالم في جدل عن أصل الإرهاب وجذوره وما زالت التكهنات والتحليلات تبحث في تحديد أسبابه الجذرية من دون أن تصل إلى توافق على أسبابه وكيفية معالجته. الغرب أصبح وعلى لسان كبار الساسة الأمريكيين يتهم بعض حلفائه من الدول العربية وتركيا بتمويل الإرهاب وبالذات في سوريا وما نتج عنها من جبهة النصرة والقاعدة وأخيرا الدولة الإسلامية «داعش» الأكثر عنفا وتطرفا.

 في نهاية المطاف فإن عمل الجماعات الإرهابية ينتمي الى فكر متطرف يرفض حق الآخر في الحرية وحقه في الاختلاف، ويرفض حرية التعبير بجميع اشكالها سوى ما يقره هو، ويرفض أسلوب الحوار الحضاري في التعامل مع المختلف ومع من يخالفه الرأي او ينازعه امتلاك الحقيقة. انها الحرية الفردية التي يرفضونها، وليسوا هم وحدهم من يرفض ذلك. والسؤال: لماذا في دولنا العربية؟

 تاريخ الدول العربية منذ الحقبة الاستعمارية وما تبعته من ثورات عربية «تحررية» أدت الى تولي قيادات أيديولوجية شمولية قامت أساسا على رفض الحرية الفردية وحرية التعبير. الحقبة الاستعمارية وما صاحبها من ثورات عربية تحررية، خلفت قيادات وحكومات ومجتمعات ترفض حرية الفكر والتعبير وحرية الاعتقاد وحرية التجمع. دخلت دول أخرى في صراع مع هذه القيادات الشمولية خوفا من فكرها وليس دفاعا عن الحرية الفردية، أنتج الصراع جماعات إسلامية متشددة. تفاقم الوضع واستقطب مع الثورة الإيرانية وحرب أفغانستان فاشتعلت حربا طائفية تستعر في المنطقة. عملت فضائيات ممولة من عدة حكومات على تأجيج الاوضاع وبث الكراهية والحقد وتبرير القمع. أي ان هؤلاء الجماعات المتشددة والارهابية هي نتاج صراع بين أنظمة عربية أولا، ثانيا صراع عقائدي بين دول المنطقة، ثالثا والاهم صراع سياسي بين الأنظمة والمجتمعات التي اخضعتها هذه الأنظمة وصادرت حرياتها. والضحية في هذه الصراعات هي الحرية التي قُمعت من قِبل الجماعات الإرهابية ومن قِبل بعض الأنظمة. الانسان بالنسبة إلى هؤلاء يجب ان ينقاد اما الى رجال دين، وإما الى رجال سياسة، ويفقد ذاته ويتخلى عن انسانيته. 

 القيادات التي افرزتها حروب التحرر ومن يصارعها من القيادات المحافظة لا تعترف بحق المشاركة في السلطة. معظم القيادات التي فرضت نفسها وهلل لها المجتمع بجميع طوائفه احتكرت السلطة ووزعتها وفق القرابة والولاء المطلق وتم تصفية او عزل او سجن او تهجير من يُظهر أي نوع من الطموح او الرغبة في المشاركة في السلطة. أصبحت السمة الغالبة هي الخوف والنفاق والتملق، فتلاشت الحرية وفقدت الامة حيويتها وروحها. لم يقتصر الخوف على المجتمع بل شمل القيادات نفسها وجعلها تخاف من شعوبها، فوظفت المخابرات لتحصي عليه أنفاسها او ضربت التنوع المجتمعي بعضه ببعض. قتل هذا السلوك الابداع والابتكار في الامة وثقافة الحوار والنقد الحر وتداول السلطة وانتفت سنة الكون في التدافع وعاشت الامة على اجترار الماضي العتيد. بعد كل ذلك هل يحق لنا ان نستغرب لماذا تولد بعض مجتمعاتنا الإرهاب او ان نلقي اللوم على الغير الذي يستغل ذلك لمصالحه؟

 النتيجة ان الامة أصبحت بين تطرف في السلوك السياسي الإقصائي الذي لا يعترف بالآخر ولا يقر بحقه في المشاركة السياسية في السلطة وحقه في الثروة. يقابل ذلك ويتناغم معه تطرف في السلوك الديني الذي يرفض الاختلاف ويعيش على اجترار الاحكام الشرعية والمفاهيم التي ترفض أي تقدم في المجتمع وترفض فكرة التعددية في الفهم كما رفض الساسة تداول السلطة. هل هناك اختلاف بين الخلفية الفكرية للرفض في المشاركة السياسية وزج المخالفين في السجون وتكميم أفواه النقد، وتجيير الأنظمة والقوانين والمؤسسات الإعلامية لتلميع شخص القائد وتحويل المجتمع ومؤسساته المدنية الى أداة للطاعة والخنوع باسم الامن وباسم الاستقرار وباسم الوحدة الوطنية والقومية العربية او تحت أي مسمى كان، هل يختلف هذا الفكر عن فكر التطرف الديني الذي يرفض الاختلاف ويمنع التنوع ويرتكب الجرائم باسم الدين وباسم التوحيد وباسم محاربة الشرك والأسماء تطول. السؤال: من المسئول عن هذه الأوضاع هل هي القيادات السياسية أم القيادات الدينية أم المجتمع؟

 بعض القيادات العربية أخذت تصحو من هذا الوهم الذي تفرضه على الناس في القبول والخنوع، وعدم الاعتراف بحقهم في المشاركة فقامت بإصلاحات كبيرة في بلدانها جنبتها كثيرا مما تتعرض له دول عربية أخرى. والبعض الآخر ما زال يقاوم حركة التاريخ التي ترفض الجمود وترفض الإقصاء والتهميش وتؤمن بالتداول والتدافع والتغيير على انها سنة كونية. 

 نعم، هناك قادة عرب متنورون يطرحون قضايا المجتمع للتساؤل والحوار، فهل سيقبلون نتائج هذه الحوارات التي في كثير منها توصل الى نتيجة ان بعض أسباب الإرهاب هو الانسداد في الأفق السياسي وتخلف الديمقراطية وكبت الحريات الفردية، أي غياب الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على المواطنة المتساوية. هؤلاء القادة هم امل المستقبل إذا ما طرحوا الأسئلة في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية ورفضوا مسار الاقصاء وقبلوا مبدأ المشاركة السياسية الفاعلة واحترموا حقوق الانسان والحق في التعبير والرأي والتعبد والاختلاف. هؤلاء القادة هم امل المستقبل أذا أقروا بحق الشعوب في المعرفة والمعلومة واعتمدوا الانفتاح والشفافية وأعلنوها حربا على الفساد والاستبداد والظلم الاجتماعي. عندها فقط سوف نتمكن من مواجهة الارهاب والتغلب عليه وحصره في نطاق ضيق لا يهدد كيان المجتمعات وأمنها واستقرارها، وكذلك سنتغلب على كل ما يعزز الولاءات الفرعية. بذلك نخلق مجتمعات متجانسة تقوم على مصالح مهنية وطبقية وليس على مصالح الطوائف والإثنيات والأعراق.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *