نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

جمعية المحامين وحيوية المجتمع المدني

http://media.akhbar-alkhaleej.com/source/15048/images/Untitled-11.jpg

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٥ يونيو ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع- حقوق الانسان في ندوة المحامين ركزت على ادارة ملف حقوق الانسان بشكل اكبر من الممارسة العملية. وفي ندوة التشريعات النقابية تطرقت الى انشاء نقابات مهنية تحي المجتمع المدني وتجعله شريكا فعليا في اتخاذ القرار. الحالتان تظهران اهمية حيوية المجتمع للتنمية والتقدم والازدهار والمسؤولية على مجلس النواب ان يتبنى تقوية المجتمع ورفع مستوى مشاركته في اتخاذ القرار. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1169722

تحدثنا في المقال السابق عن الثورة الصناعية وكيف أن المجتمع المدني والقطاع الخاص، ومن خلال الأخلاق والقيم والتعامل الرشيد مع المال ومع الناس، كان فاعلا في خلق الثقة التي مكنت التنمية وروجت للتجارة، وأسست للصناعة والابتكار والإبداع والسبق في تحقيق الثورة الصناعية. يضاف إلى ذلك ما قامت به الجمعيات الأهلية والخيرية من دور في خلق اقتصاد مدني وصل إلى حد بناء الشوارع وفتح القنوات المائية وتوفير خدمات أمنية وتعليمية وصحية وحتى قضائية، وكذلك تأسيس جمعية لرعاية الفقراء والتحري عن أوضاعهم والإسهام في إسعادهم». أي أن حيوية المجتمع البريطاني هذه كانت سببا في التحول الاقتصادي السلس والسريع مقارنة بجيرانه. 

يمكن للمجتمع المدني الخليجي والبحريني بشكل خاص ان يلعب دورا اكبر في التنمية والتطوير إذا أتيحت له الفرصة بشكل اكبر وإذا وُجدت الثقة المتبادلة بين فئات المجتمع وبين المجتمع والدولة في صناعة الوعي بأهمية دور المجتمع كرافد ورديف لدور الدولة في حركة تبادلية من التعاون والدعم. فكيف نخلق هذه الثقة في المجتمع وفي التعامل على المستوى الاقتصادي والسياسي والحقوقي والاجتماعي؟

قد يكون للجمعيات المهنية الموجودة اليوم دور في خلق مثل هذه البيئة المحفزة للتنمية لكن تحتاج إلى مجال أوسع وإطار قانوني ينظم عملها ويمنحها حق تنظيم المهن التي تمثلها لتتحول بذلك إلى كيانات أكثر فاعلية مثل النقابات. هذه الروح التواقة للمشاركة والمساعدة في جهود التنمية وجدتُها في جمعية المحامين من خلال ندوتين في شهر رمضان الفضيل.

كان موضوع الندوة الأولى «حقوق الإنسان في البحرين في ظل القانون الدولي» قدمها سعادة السيد عبدالله بن فيصل الدوسري مساعد وزير الخارجية. والندوة الثانية كانت حول «أهمية إصدار التشريعات النقابية للمهن الحرة» قدمها النائب عبدالنبي سلمان النائب الأول لرئيس مجلس النواب. الندوتان تشتركان في كيفية تنشيط المجتمع وجعله أكثر فاعلية ضمن القانون المنظم للحقوق المدنية؟

تطرقت الندوة الأولى إلى تجارب البحرين في حقوق الانسان وفوزها بعضوية مجلس حقوق الإنسان للفترة من 2019-2021. وما حققته من تقدم في مؤشرات حقوق الإنسان والتقارير التي قدمتها ونوقشت وما نتج عن المناقشة من إشادة كبيرة. تحققت هذه النتيجة من خلال حسن إدارة ملف حقوق الإنسان في المحافل الدولية. ارتكزت ادارة الملف على وثائق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وما حققه من تقدم كبير في حقوق الإنسان وتحويل البحرين إلى دولة حديثة تحترم حقوق الانسان وحرية التعبير وفق الميثاق الوطني والدستور. وكيف أن القوانين الموجودة هي لتنظيم هذه الحرية وليس لتحديدها. 

كما تطرق المتحدث إلى الحاجة إلى تنظيم مواقع التواصل الاجتماعي لتجنيبها الدخول في الأعراض والشتائم. وواصل أن البحرين مازالت في طريقها نحو التقدم في حقوق الإنسان وإشراك المجتمع المدني في هذا التقدم من منطلق مفهوم المواطنة الكاملة وحماية الحقوق واحترام الموارد الطبيعية والبيئة والتنوع البيولوجي. وأن تحقيق ذلك يتم بالتعرف على متطلبات المجتمع المدني للارتقاء بدوره من خلال تشريعات للجمعيات الأهلية تهيئها للقيام بدورها وتعزز بذلك الشراكة بين الدولة والمجتمع بما يتوافق مع المعايير الدولية.

في حين تطرقت الندوة الثانية إلى وضع متطلبات المجتمع المدني ليتمكن من المشاركة وهي تقوية التنظيمات المهنية المختلفة (مثل المهندسين والمحامين والأطباء والمهن الأخرى والعمال) لتسهم في جهود التنمية كل في تخصصه، وأن تطلع التنظيمات المهنية بتنظيم المهنة بما يخفف الأعباء عن الدولة وتقليل التكاليف المترتبة على ذلك. وهنا يطرح المتحدث تساؤلات حول أين تتموضع مثل هذه الجمعيات في العمل الاجتماعي؟ وأين هي من واقع المهنة وهموم العاملين بها؟ وأين هي الجمعيات وأصحاب المهن من الهم الوطني والدستوري؟. 

فمثلا عندما تغيب غرفة تجارة وصناعة البحرين عن القرار الاقتصادي فهذا يؤثر على مصالح أعضائها كتجار وصناع،… إلخ. وعندما تغيب جمعية الاطباء عن قانون الضمان الصحي فإن ذلك يفقد المجتمع فرصة التعرف على مميزات القانون ونواقصه، وكذلك الحال بالنسبة إلى باقي التنظيمات المهنية. في حين نرى عمليا عندما طرحت قضايا مثل مناقشة قوانين تمكين وسوق العمل ودور الجمعيات في المناقشة، اثر وجودهم بشكل ايجابي في صياغة القوانين. يطرح المتحدث مثلا للمشاركة فيما يتعلق بقانون سوق العمل الذي اشترك في وضعه الجميع من خلال ورش عمل ضمت مختلف المصالح؟

يتساءل المتحدث لماذا لا يكون هذا منهج عمل يجسد المشاركة المجتمعية ويطبق على القوانين المهمة التي تؤثر في مصالح الناس؟ لماذا لا تؤخذ الجمعيات والنقابات كشريك في صناعة القرار؟ أين الخلل؟ هل هو واقع البلد الذي لا يسمح بمثل هذا الدور للجمعيات والنقابات؟ أم هو خلل في الجمعيات نفسها وفي الثقافة المجتمعية التي تركن إلى اتخاذ المناصب للوجاهات؟ ويختم تساؤلاته هل يمكن البدء  في تأسيس قناعة مشتركة على مستوى البحرين حول دفع الجمعيات المهنية في الاتجاه الايجابي الفاعل ومن ثم صياغة رؤى مشتركة لقانون أو تشريع ينظم عمل الجمعيات والنقابات؟

خلاصة مداخلات الحضور هي؛ أولا: ان حيوية المجتمع وقدرته على المشاركة الفاعلة في الحياة العامة وفي المساءلة في امور ادارة مؤسسات الدولة تقتضي وجود قوانين مهمة تنظم هذه المشاركة مثل قانون تنظيم مهنة المحاماة وقانون النقابات وقانون الصحافة العصري وقانون حق الحصول على المعلومات وقانون حماية البيئة والثروات الطبيعية للحد من الاسراف في الاستهلاك غير المرشد، وتعديل القانون الجنائي في عدم سجن المدين لما فيه من إضرار بسمعة الشخص وإجحاف في حقه. ثانيا: سبق ان تقدمت جمعية المحامين بثلاثة مشاريع بقوانين حول قانون المحاماة والنقابات يمنحها صلاحيات تعزز بها حقوق المجتمع المدني. ثالثا: عدم امكانية فصل العمل السياسي عن اهتمامات المجتمع ومنظماته كون هذا العمل هو تعبير عن مختلف المصالح. رابعا: انشاء نقابات تمثل شرائح مهمة في المجتمع مثل المحامين والاطباء والمهندسين والعمال بمختلف تخصصاتهم وأن تجمع هذه الجمعيات اتحادات ترفع من قدرتها على الإسهام في بناء المجتمع ورفع مستوى مشاركته في القرار والتشريع وإدارة المهن. إنشاء مثل هذه النقابات والاتحادات من شأنه أن يمكن المجتمع المدني من بناء رأس المال الاجتماعي والإسهام في الاقتصاد المدني.

أي أن هناك حاجة ملحة إلى إدماج الجسم المهني في الحياة العامة بمختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وهذه الجوانب من العمل المهني نقابات كانت أم جمعيات لا يمكن فصلها عن بعضها. هذه الجوانب في مجملها تمثل مصالح فئات من المجتمع، وأن الحوار والتداول بين مختلف الفئات وما تمثله من مصالح هو الوسيلة الوحيدة الصحية التي من شأنها أن تعالج اختلاف المصالح وإحداث توافق يراعي هذه المصالح. أما القول بأن ذلك يزج بالجمعيات في عمل سياسي فهو قول يفترض ان العمل السياسي مضر للمجتمع والدولة بالضرورة، في حين ان العمل السياسي هو حق من حقوق المواطن التي اقرها الميثاق والدستور، وجزء من الحياة العامة وهو نشاط صحي إذا تم تأطيره ضمن دستور متفق عليه ينظم العلاقات بين المؤسسات السياسية كما هو معمول به في الدول الديمقراطية وفي دول الخليج. 

جزء من المسؤولية في إدماج المجتمع المدني يقع على مجلس النواب الذي يتعامل مع التشريعات والمساءلة بشكل مباشر، ومصلحته تقتضي تنشيط حيوية المجتمع ومنظماته ومؤسساته وخلق أعراف وتقاليد تؤصل لمشاركة المجتمع في التشريع والمساءلة. هذا يتطلب عقد مؤتمرات ومنتديات يتبناها المجلس كما فعل مؤخرا في المنتدى الاقتصادي الذي أشرك فيه غرفة التجارة والصناعة ومبادرة مجلس الشورى الأخيرة حول «التطلعات التشريعية». 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *