نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. جهادا وليس تهورا

تاريخ النشر : 10 يوليو  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

اعتدت منظمة صهيونية تسمى رابطة الدفاع اليهودية على مكتبة في باريس تدعم القضية الفلسطينية وبعثرت ما بها من اثاث واتلفت الكتب التي توضح حقيقة القضية الفلسطية. هذه المكتبة هي ملك احدى المناضلات الفرنسيات اللواتي يناصرن القضية الفلسطينية ويقمن بتنظيم المظاهرات والاعتصامات دون خوف من ان يتهمهم احد “بالقاء النفس الى التهلكة”. وطالبت جمعيات عربية وفرنسية مؤيدة للشعب الفلسطيني السلطات بحل هذه المنظمة دون مراعاة لما ستقول امريكا كما يفعل قادتنا ومناصري الانهزام والاستكانة. يقول احد المعتصمين الاجانب “انهم لن يتمكنوا من اسكاتنا وثنينا عن مناصرة القضية الفلسطينية”، هؤلا هم أجانب لا تربطهم بالفلسطينيين غير الرابطة الانسانية ومعيار العدالة والحق.

اما نحن في البحرين فهناك من يستخدم القرأن الكريم لشجب مناصرة القضية الفلسطينية ويتهم من شارك في سفينة كسر الحصار بالتهور والقاء النفس الى التهلكة مستشهدين زورا بالاية الكريمة “ولا تلقوا بانفسكم الى التهلكة”. فكتب البعض على ان الخمسة الذين حاولوا مع مجموعة من مناصري القضية الفلسطينية الغربيين والعرب بانهم ارتكبوا مجازفة غير محسوبة العواقب مع علمهم بما يحف هذه الرحلة من خطورة واحتمال الاعتقال او التصفية. لم نسمع اصواتا تندد بتجنيد الشباب للقتال في افغانستان ومحاربة الاتحاد السوفييتي هناك، واعتبرته جهادا، وقد يكون ذلك لانه تم بمباركة امريكية واقليمية. 

نلوم الغرب عندما يتلاعب بالكلمات والتسميات ويصف المقاومة بالارهاب ويصف التصلف والعدوان الاسرائيلي بالدفاع عن النفس، لنجد انه ظهر بيننا من يتلاعب بالايات القرآنية ويستخدمها لشجب مساندة القضية الفلسطينية والجهاد ويصفه بالتهور. ان محاولات كسر الحصار على غزة قد تكرر من عدة جهات وكم كانت محاولات مشرفة وشكلت احراجا للعدو الاسرائيلي وسمحت للبعض ومنع اخرين. غير ان احدا لم يتهمهم بالتهور او بانهم يقومون بذلك لمصالح انتخابية او انهم احرجوا دولهم. 

عندما اعتدت اسرائيل على عزة واستمر القتال 22 يوما كان العالم يدين هذه الاعتداءات – باستثناء بعض الانظمة العربية واسرائيل وامريكا، وحصلت القضية الفلسطينية على دعم وتعاطف دولي. وحذرنا حينها من تآكل هذا التعاطف والدعم في الغرب وناشدنا المؤسسات المدنية والجمعيات السياسية والدول العربية على استثمار هذا الزخم، ليس فقط لصالح القضية الفلسطينية بل لصالح نصرة قضايا الحرية والديموقراطية في العالم العربي بشكل عام وانتشاله من التبعية للغرب. حيث ان غياب الديموقراطية الفعالة هو سبب هام في ما يتعرض له الفلسطينيين من المآسي ويُمَكن الصهاينة والغرب من التلاعب بمصائر الامة من خلال التآمر مع الانظمة العربية. غير اننا لم نتوقع انه سياتي اليوم الذي توصف هذه المساندة واستغلال التعاطف الدولي بالتهور من كتاب وناشطين سياسيين واجتماعيين بحرينيين. لم نتوقع ان يوصف اي انسان ارتضى التضحية والجهاد وتحمل المشاق لاظهار نصرته لقضية العرب الاولى بالتهور. ان مثل هذا التفكير يجعل كل انواع الجهاد محرم وان ماقام به قادة المسلمين والصحابة رضوان الله عليهم عندما واجهوا جيوشا تفوقهم عددا وعدة ضرب من الجنون في قاموس المتخاذلين الذين ارتضوا ان يسقطوا استخدام القوة من حساباتهم في الدفاع عن قضاياهم، ورفعوا راية الاستسلام لعدو لا يعرف غير لغة القوة.

القرآن الكريم يحث الناس على الجهاد ليس حبا في القتال ولكن لانه السبيل الوحيد لطلب السلام مع العزة والكرامة. يقول المولي عز وجل ” كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ، البقرة 216 “. ان عزة الاسلام والامة العربية لم تتم الا من خلال منهجي الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. غير ان الانظمة العربية المتخاذلة حولت هتين القيمتين الى نقيصة وتهور وتدخل في شئون الاخرين. وترديد اتهامات اطلقتها هذه القيادات العربية المتخاذلة في وصف المقاومة يعتبر مشاركة في التخاذل والدعة. 

ان دعوة الانظمة العربية الى التعقل والواقعية كلمات في ظاهرها حكمة وباطنها استسلام وخضوع للغرب من اجل مصالح ذاتية تخدم الانظمة التي تنادي بذلك على حساب مصالح شعوبها وقضاياها. واشاعة هذه الروح الانهزامية في الوقت الذي يقوم الشرفاء حول العالم بالمخاطرة بانفسهم في كسر الحصار هو بمثابة وجود طابور خامس بين ظهرانينا يثبط الهمم. واتهام المناضلين بانهم يروجون لانفسهم او لجمعياتهم لاغراض انتخابية هو حكم على النوايا الذي يتفنن البعض فيه. وحتى لو صح ذلك فانه افضل من الاستلام والجري خلف الاطراء والمديح الغربي وفقدان البوصلة الوطنية وقلب الاولويات التي تفرضها علينا حقيقة صراع الوجود مع العدو الصهيوني. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *