نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

المجتمعات التي تشيع فيها الخلافات والانقسامات والاضطرابات عليها ان تراجع سياستها تجاه قضيتين الاولى حرية التعبير والثانية سيادة القانون.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14292/article/75100.html

في الثالث من مايو من كل عام، ومنذ 1993، يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، إقرارا منه بأهميتها في تعزيز وتكريس حرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات لسعادة الانسان ورخائه وازدهاره وتحقيق ذاته. وفي مؤتمر ريو +20 عام 2012 تم اعتبار حرية الصحافة على انها عامل اساسي في تحقيق التنمية المستدامة، وتم ربطها بالهدف رقم 16 من أهداف التنمية المستدامة. هذا الهدف رقم 16 هو عبارة عن مساهمة الدولة والمجتمع في «تحقيق السلام والعدل وبناء مؤسسات قوية» فاعلة وخاضعة للمساءلة تتيح للجميع الاحتكام لقانون وقضاء عادلين يؤديان إلى خلق مجتمعات سلمية شاملة الجميع، رافضة لتهميش اي جهة، تقر بحقوق المواطنة.
في هذا العام تبنى المجتمع الدولي شعار «عقول متبصرة في أوقات حرجة»، كما طالب الامين العام للامم المتحدة بوضع حد لجميع اعمال القمع التي يتعرض لها الصحفيون. واعتبر ان ضمان تطبيق القانون على الجميع من دون انتقائية أو محاباة لا يتم الا في وجود حرية صحافة بعيدة عن القمع أو الرقابة الذاتية أو الخطوط الحمراء التي تفرضها السلطات بأساليب متعددة.
طرحت منظمة اليونسكو هذا العام عديدا من الاسئلة تستحق التوقف عندها، منها اولا: كيف تضمن حماية الحريات السياسية عندما لا تُحترم سيادة القانون؟ ثانيا: ما هي العقبات في طريق حماية الحريات وتحقيق العدالة للجميع؟ ثالثا: كيف نضمن التطبيق الفعلي للدساتير والقوانين التي تؤكد في كل مناسبة انها تكفل حرية التعبير وحق الحصول على المعلومات وحماية الحريات الشخصية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ رابعا: كيف يمكن تحقيق تعاون بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات القضائية والمؤسسات العالمية من اجل حماية وسلامة الصحفيين ووقف الافلات من العقاب؟ خامسا: كيف يمكن تجنب مخاطر قيام وسائل الإعلام بدور تأجيج النزاعات وتشويه الحقائق وتقسيم المجتمعات؟ ونضيف سؤالا حول كيف يمكن لوسائل الاعلام خلق حوار مجتمعي يناقش قضايا المجتمع الخلافية بروح من الموضوعية ورغبة في ايجاد حلول تدفع بعجلة التنمية إلى الامام.
شعار هذا العام ليس فقط التبصر ولكن ترجمة الشعار (critical minds for critical time) تعني كذلك عقول ناقدة في اوقات حرجة، هذا فعلا ما هو مطلوب. الصحافة التي لا تقوم بالنقد والتمحيص لجميع ما يصدر من سياسات وقرارات هي صحافة مضرة ومدمرة. لن نبالغ إذا قلنا ان ما يحدث في الوطن العربي من نزاعات وصراعات مسلحة هو في جزء كبير منه نتيجة غياب الاعلام الحر الاستقصائي والنقدي. بل ان الاعلام أسهم في تأجيج الخلافات والصراعات وتستر على الفساد وسوء استخدام السلطة والثروة إلى ان بلغ الامر إلى الانفجار.
ينبغي ان يتم التعامل مع حرية الاعلام من خلال ادراك أن نجاح الدولة في تحقيق أهدافها وغايات المجتمع تعتمد على سلامة جميع عناصر الدولة ومكوناتها ومؤسساتها. ومؤسسة الاعلام (بما فيها الصحافة) هي احدى هذه المؤسسات التي تتضامن مع ما تقدمه المؤسسات الاخرى لكي تصل السلطات إلى الغاية والاهداف العليا للمجتمع. ان اي تقصير من اي مؤسسة في الدولة وبالذات الاعلام سوف يؤثر على الاداء العام في جميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي ينعكس على تدني التنمية ومستوى المعيشة.
ان مؤسسة الاعلام هي بمثابة جهاز الاستشعار والمرآة التي ينظر من خلالها القائمون على الدولة وقيادات المجتمع إلى أداء مؤسساتهم والى سلوكهم. وبها يتحقق عنصر مهم في حسن الاداء وهو تحمل المسؤولية الكاملة عن الاخطاء. ان تعطل جهاز الاستشعار في اي كائن حي يهدد وجود هذا الكائن وليس فقط يجره نحو التخلف والتبعية. الدور الاساسي للاعلام في التنمية يكمن في خلق حوار مجتمعي حول القضايا المهمة والمحورية وبذلك فهو يقوم بتنبيه الدولة وسلطاتها والمجتمع وقياداته بسلامة سير العمل في المؤسسات الرسمية التنفيذية والقضائية والتشريعية. لذلك فإن سيطرة اي جهاز من اجهزة الدولة على الاعلام يؤدي إلى اخلال بهذا الدور وإخلال بحرية الصحافة وتعطيل لنظام الاستشعار في المجتمع وتوهان عن تحقيق اي تقدم تنموي حقيقي وبداية للانحطاط.
ان تعطيل نظام الاستشعار (الاعلام) في المجتمع يصيب أول ما يصيب مؤسسات العدالة واحترام الحقوق التي تعتمد على عدالة القانون في تشريعه وفي تنفيذه وفي سلامة إجراءات التقاضي فيه. ثانيا تتعطل قدرة المجتمع على المساءلة والمحاسبة وبذلك تُخلق بيئة مواتية وصالحة لنمو الفساد وما يصاحبه من رواج النفاق والتملق وتدني معايير القيم ما يجعل مكافحته أمرا في غاية الصعوبة. وثالثا يحرم المجتمع من المعلومات الموثوقة التي تتيح له التقييم الموضوعي والمشاركة في الحوار وفي صنع القرار.
من التحديات التي تواجهها الشعوب العربية هي كيفية جعل الاعلام اداة إصلاح، هذا سوف يعتمد على عدة عوامل اولها إصلاح نظرة السلطات إلى دور الاعلام. ثانيا يجب أن يتوقف دور الاعلام التبجيلي والدفاعي عن كل ما تتخذه الدولة من قرارات ومواقف. وأن تدرك ان الإصلاح لا يتم الا بتعريض كل قرار وكل تصرف للمساءلة والتمحيص والتدقيق وألا يكون احد فوق النقد. فقد بلغ الامر بالاعلام احيانا إلى ان يمجد قرارات ومواقف متضاربة من دون قدرة على تحليل أو اعتراض. ثالثا: ان تقتنع السلطات بأهمية الافصاح عن المعلومات وإتاحتها للصحافة والباحثين وألا تعتبر المجتمعات خطرا على الدولة بل هي الغاية من وجود الدولة.
يبقى في نهاية المطاف ان نذكر ان الصحافة الملتزمة بقيم النزاهة والشفافية لها دور كبير في تعزيز الديمقراطية ونشر التسامح وتكريس الامن والاستقرار، وأن المجتمعات التي تشيع فيها الخلافات والانقسامات والاضطرابات عليها ان تراجع سياستها تجاه قضيتين الاولى قضية حرية التعبير والثانية قضية سيادة القانون. إذا سلمت هاتان القضيتان من تأثير السلطات واحتكارها وحظيت بفهم المجتمع لهذا الدور واستعداده للدفاع عنهما صلح بذلك الحكم وسلم المجتمع وازدهرت التنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *