نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

حرية الصحافة والأمن القومي

 تاريخ النشر :١٥ مايو ٢٠١٣ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- الامن القومي يرتكز على القدرة الانتاجية وعلى المشاركة السياسية وفي الحالتين فان حرية الكلمة وحرية الصحافة هي الصيانة لهما. حرية الصحافة عنصر من عناصر الامن القومي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12836/article/23988.html

تمر هذه المناسبة كل عام والعالم العربي غارق في تأثير عقود منالتجني على الصحافة وتحجيم أو إفساد قادتها والتحكم في كُتابهاوقوانينها والتضييق على مصادر اخبارها ومعلوماتها. بهذا الأسلوبتمكنت الأنظمة العربية من الهيمنة على الفكر الجمعي وبناء ثقافة تَقَبلالمعلومة والرأي دون نقد أو تدقيق في مصداقيتها. 

انشغال السلطات بهوس السيطرة على الصحافة وعلى الكلمة،انساها ممهمتها الأساسية وهي توفير العيش الكريم للمواطن وحفظآمنه وتنمية قدراته وتقديم الخدمات لتنظيم معيشته وعلاقاته. على اثرذلك تراجع الانتاج وتراجع الاقتصاد والتعليم والصحة. اعتمدت الدولفي معيشتها اما على هبة السماء من النفط او على مساعدات اوصادرات خيرات الارض. وحتى المردود من ذلك جيروه لبناء ترسانةسلاح اثبتت تجارب الربيع العربي انه يُعد لمواجهة وقمع الشعب وليسلحمايته.  

أثبتت التجارب ان الامن القومي مرتبط بقضيتين الاولى هي العلموالمعرفة والقدرة على الانتاج بما في ذلك انتاج الوسائل الدفاعيةوالمعيشية لتحصين البيت من الخارج، والامر الثاني هو مدى شعورالمجتمع ككل بالأمن على حياته وعلى اسلوب معيشته ومستوى دخلهوقدرته على مواجهة متطلبات الحياة، ومدى شعوره بمشاركته فيصنع القرارات التي تتعلق بحياته ومستقبل ابنائه ومدى مشاركتها فيثروة بلاده، اي تحصين البيت من الداخل. يقول روبرت مكنمارا (وزيرالدفاع الامريكي السابق) ان الامن القومي يعتمد على العلم والمعرفة،فهو يبدأ عندها وينتهي عندها). وهذا ما لم يدركه العرب عندما حجرواعلى الكلمة وعلى الفكر وعلى حرية تداولها وانتاجها.  

ان التقدم، سواء كان في الجانب العلمي او في الجانب المجتمعي،يتطلب حرية اعلام وحرية صحافة تُوصل الرأي وتُوصل النقد وتُوصلالتوجس وتوصل ما يشعر به الانسان من دواعي التذمر والسخطوالاحساس بالغبن. وهذه القنوات القادرة على ايصال هذه الاحاسيسوالمشاعر هي الصحافة والاعلام. وهي الباعث على التغيير والمحفزةللاصلاح والابداع والابتكار، وهي صمام الامان الذي يحفظ كيانالمجتمع ويحمي امنه القومي. حرية الكلمة تقوم بمهمتين الاولى بيانمواطن الخلل في النظام ككل، والثانية الاصلاح من خلال توصيلالكلمة الحرة الصادقة إلى صاحب القرار والمشاركة الفاعلة فيصياغته واقراره.  

بدلا من ذلك تعرضت الشعوب العربية إلى تشويه هذه الكلمة الصادقةوكبت المشاعر والاحاسيس خشية العقاب. وسواء كان هذا العقابظاهرا، كما في بعض الدول، او خفيا تحت كثير من الركام الثقافي،فان نتيجته واحدة وهي كبت الفكر وقتل الابداع وتخلف التنمية. 

وهذا ما حدث في الدول العربية بشكل عام، حيث تتحدد فيها القوانينلحماية الطبقات الحاكمة. 

وهذا هو مصدر الاحتقان الذي انفجر في الربيع العربي ومازالتالأمة العربية تعاني من تبعاته. باختصار فان ما يتعرض له العالمالعربي اليوم هو نتيجة مباشرة لكبت الكلمة وتعطيل الاصلاح الذيينتج عنها. 

من ذلك نقول إن مسئولية ما يحدث في العالم العربي من صراعواحتراب واقتتال بين الطوائف وبين مكونات المجتمع كما هو الحال فيسوريا وما حدث في ليبيا وبدرجات اقل في دول اخرى، هو نتجيةالحجر على الكلمة. لذلك فان حرية الصحافة هي المدخل للامن القوميوالاستقرار السياسي والتنمية.  

لا شك ان هناك حاجة إلى الموازنة بين الحاجة إلى حرية الكلمةوضرورة حماية حقوق الآخرين، لكن ذلك يجب ان يكون مسئوليةالمجتمع ومؤسساته الدستورية المستقلة وليس النظام الحاكم. ومادامالمجتمع لا يملك قراره وحريته، ومؤسساته الدستورية غير مستقلة، فانهذا التوازن غالبا يكون في مصلحة الكبت. ان الايمان بالمسئوليةوالمساءلة لا ينحصر في الصحافة بل يجب ان يشمل السلطات التييجب ان تكون مساءلة على جميع جوانب ادائها وسلوكها ومنهجها. 

ان التناقض الموجود بين تقييد حرية الصحافة بحجج حماية الاعرافوالتقاليد وبين التنمية والتقدم والانتاج العلمي المعرفي هو تناقضعضوي موضوعي. يقول الدكتور سمير ابوزيد في كتابه حول العلموالنظرة العربية إلى العالم) ان عدم الاتساق بين المفاهيم السائدة فيالمجتمع وبين العلم هو الذي اخرج العرب من سباق الانتاج العلميومن الحضارة العلمية الحديثة. 

والدليل على ذلك ان الدول التي تتربع في المراكز الاُولى في حريةالصحافة هي دول لم يعد الصراع الطبقي او الطائفي او القبلي لهوجود ظاهر وقوي في المجتمع بل تحول إلى صراع مصالح مفتوح وفقارض وساحة سياسية مستوية، ودستور يساوي بين الجميع، وقواعدلعب استقرت على مدى عقود، كما انها قابلة للتعديل والتطوير وفقنظام برلماني يمثل الارادة المجتمعية ويمثل القوى السياسية المختلفة. اي انها لا تجد مبررا لفرض رؤية محددة على المجتمع غير الرغبة فيالحفاظ على حقوق الجميع ومصالح الجميع ومشاعر الجميع وبتوافقالجميع. والتحديد في ذلك هو الطبيعة البشرية الناقصة التي تخطئوتصيب ولا تصل إلى الكمال والتجرد المطلق. 

في المقابل فان الدول العربية ترفض النقد، وتتعلل بالنقد البناء فقط- من يحدد ان هذا النقد بناء او لا؟ حان الوقت الذي يجب على الدولالعربية، ان أرادت الخروج من ازماتها الحالية، ان تتخلى عن حالةالانكار والتبرير، بل عليها النظر الموضوعي إلى واقعنا وتحليله ومعرفةاوجه القصور وتقديم الحلول التي تحفظ للانسان كرامته وتوفر لهمعيشته وتحقق له حرية كلمته ليتحقق أمنه القومي. 

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *