نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٠ مايو ٢٠٢٣

مقال الاسبوع – حرية الصحافة عنصر مهم في مؤشر اقتصاد المعرفة وفي مؤشر الابتكار. تقوم الصحافة بدور هام في بيان مواطن الخلل والقصور وبذلك فهي اداة تنموية ناهيك عن انها مرتكز لحقوق الانسان وحكم القانون ومحاربة الفساد، وبذلك تساهم في الحفاظ على الامن والاستقرار. التدخل في حرية الصحافة دليل ضعف وسمة من سمات الاستبداد بالرأي ورفض الاختلاف.

https://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1330408

المرسل في الجريدة

حرية الصحافة وبناء القدرة التنموية

خلق الله الانسان، وباقي الكائنات، ومنحه من الحواس ما يمكنه من استشعار الاخطار ليميز بين الصحيح والسقيم والغث والسمين في بيئته والتعرف على المصالح فيما يواجهه من مواقف وفرص وتحديات ويتخذ ما يناسب من قرارات. في الحياة الحديثة اصبحت الصحافة جزء من جهاز الاستشعار في المجتمع والدولة، تقوم بهذا الدور وتحمي الدولة والمجتمع من المفاجآت وتبرز مواطن الخلل والاخفاق وتدعو الى الاصلاح والتقويم. والصحافة الحرة هي اهم جزء في منظومة الاستشعار هذه التي تطورت مع حاجة الانسان والمجتمعات للرأي والرأي الاخر وثراء الحوار وما يمثله من نقد وتصويب لمسيرتها نحو رؤيتها وتقدمها.

بذلك تكون حرية الصحافة رئة الدولة وروح الاصلاح ومصدر احترام الحقوق وسيادة القانون، وهي المرشد في التقدم وتجاوز الاخطاء والاخطار وتفادي الصراعات وتصحيح المسار في اي نظام ديمقراطي، وتوفر النور الذي يهتدي به المجتمع في مسيرته. بدون حرية الصحافة ينطفئ النور وتتعثر الامة وتسقط الدولة اخلاقيا وتنمويا، كما سقطت امبراطوريات ودول عبر التاريخ. وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة نقدم التحية والتقدير لكل من يتصدى لضمان حرية الصحافة والحق في الكلمة الصادقة والمعلومة الموثوقة.

في 3 من مايو من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، لم يختلف هذا العام ولكنه جاء وسط صراع مدمر في السوادن وغيره من الدول العربية. يقول الامين العام للامم المتحدة “لاحرية في العالم بدون حرية الصحافة”. ونضيف لا امن واستقرار ولا تقدم وازدهار بدون حرية الصحافة. السؤال الى اي حد هناك علاقة بين حرية الصحافة والصراعات الدامية في الدول النامة ومنها دول عربية كثر؟

بالرغم من ذلك فان حرية الصحافة تعاني في معظم دول العالم. فخلال 2022 تم قتل 86 صحفي اثناء العمل. يضيق صدر السلطات بما تطرحه الصحافة عن الاوضاع الداخلية وعلاقاتها الخارجية ومناقشة القرارات السياسية والاداء الاقتصادي والاجتماعي ومناشقة معدلات الفساد. لا يقتصر التضييق على الدول النامية بل ان بعض الدول المتقدمة تُخضع الصحافة وحرية الرأي فيها للمضايقات. عبر عن ذلك الامين العامل للامم المتحدة اذ يقول “لا حرية في العالم بدون حرية الصحافة وهي شريان الحياة لحقوق الانسان”. في كلمته بهذه المناسبة بين الامين العام للامم المتحدة طبيعة الهجوم على حرية الصحافة وندد بحكومات ومؤسسات اهلية وشركات كبرى تفرض رؤيتها وتحمي مصالحها بالضغط على الصحافة وتطمس الحقائق وتحتكر مصادر المعلومات وتمنعه عن مجتمعاتها. حتى وسائل التواصل الاجتماعي تم اخضاعه للرقابة والتضييق، ترتفع وتيرة التضييق مع نشوب الحروب والاضطرابات. التضييق على حرية الصحافة وحق الحصول على المعلومات له اضرار ليس فقط في القدرة على المحاسبة والرقابة وتصحيح المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنه كذلك يضر بالقدرة على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالمجتمع الذي يعجز عن معالجة مشاكلة من خلال ابحاث حرة تستند على معلومات موثوقة وحرية البحث والنشر، لن يتمكن من تحقيق اهدافه والارتقاء بجودة الحياة فيه. والدولة التي لا تستطيع ان تناقش قضاياها بحرية وبناء على معلومات صحيحة تتفاقم فيها المشاكل الى ان تصبح غير قابلة للعلاج. هذا كان سببا في انهيار الكثير من الامبراطوريات والدول على مر التاريخ.

تبرز اهمية حرية الصحافة في مؤشر اقتصاد المعرفة، يتكون المؤشر من سبعة عناصر من بينهم “البيئة التمكينية”. يشمل هذا العنصر بالاضافة الى “حرية الصحافة” استقلالية القضاء، جودة الاطار والتنظيمي، فعالية الحكومة، والاهم، الاستقرار السياسي وغياب العنف والارهاب. هذه جوانب هامة ومؤثرة في اكتساب المعرفة ونشرها وتوطينها وتوظيفها. وهي التي تُوجِد البيئة المؤسسية المناسبة للبحث والتطوير والابتكار، وخصوصا في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية والاقتصادية. اي ان حرية الصحافة عنصر مهم في بناء القدرات الاقتصادية والابتكارية والابداعية والريادية، وهي مؤشر اساسي في التحول نحو اقتصاد المعرفة والتنمية الاقتصادية. حرية الصحافة اذا، تعبر عن حيوية المجتمع كعنصر اساسي في مسيرة التقدم والازدهار، بالاضافة الى مساهمتها في تكوين الرأي العام الداعم للانفتاح والشفافية ونشر مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تعبر عن فعالية الحكومات في ادارة الاقتصاد والحياة العامة ورفع مستوى المعيشة وتحسين جودة الحياة.

كما تبرز اهمية حرية الصحافة في مؤشر الابتكار العالمي حيث يقول بان الاداء الوطني في الابتكار لكل دولة يتطلب تشجيع قيم الانفتاح السياسي وحرية الصحافة لتحفيز الابتكار، بالاضافة الى التزام بيسر المشاركة الفاعلة في مؤسساتها ومنظماتها واستثمارها في التعليم.

الخلاصة ان الدول والمجتمعات، كمنظومات انسانية مفتوحة، بحاجة ماسة الى نظام استشعار تهتدي به في رؤيتها التنموية. الصحافة الحرة وتفاعل الحكومات والمجتمعات معها ودعمها يُمكِّنها من القيام بدورها في التقصي والبحث لتكون عنصرا فعالا في حماية المجتمع والدولة والمساهمة في تحقيق رؤيتها. بدون حرية الصحافة تتراجع الحقوق والحريات العامة وتدخل الدولة والمجتمع في منحدر التخلف الاقتصادي والفكري والسياسي.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *