نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

حماية الثروة السمكية والتنمية الشاملة

أعلنت إدارة الثروة السمكية ان صيد الروبيان بالكراف (الجرف القاعي) دمر الثروة البحرية. كان ذلك في 28 أكتوبر الماضي. حيث يحتوي الصيد ما نسبته 70% من صغار السمك التي يتم بيعها بالرغم من ان ذلك ممنوعا. وفي مطلع الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي نشرت دراسة تقول ان مخزون السمك في البحرين انخفض بنسبة 90% وان النسبة الباقة هي 10% فقط وهي قابلة للانخفاض بشكل اسرع اذا لم تُتخد إجراءات عاجلة وفورية لحماية الثروة البحرية. السبب في هذا التدني وفق الدراسة هو كثرة الصيادين الوافدين (6400 عامل) واستخدامهم لطرق صيد جائرة وخاطئة وارتفاع عدد الرخص وعوامل أخرى لم تذكرها الدراسة.

وفي عام 2010 أقيمت ندوة حول الثروة السمكية، ووفق هذه الندوة فان مدير الثروة السمكية السيد جاسم القصير بيَّن ان 15 من مناطق الصيد قد تم تدميرها بفعل الدفان والصيد الجائر، وذكر المنتدين ان المناطق المدمرة هي خور فشت ولثامة وهير شتية ومجليليد والمعترض وفشت العظم. هذه الفشوت والهيرات هي جزء من تراثنا البحريني. أي ان التدمير لم يطل غذاء الناس ومعيشتهم فقط بل طال كذلك تراثهم وذاكرتهم.

ذُكر آنذاك ان التدمير قلص الإنتاج السمكي من 14 الف طن سنويا الى 8 طن فقط. أي فقدان ما يقارب 57% من الثروة السمكية. اليوم ارتفعت هذه النسبة الى 90% (هل من 14 الف او من 8 آلاف) وفي الحالتين فهي هدر وتفريط في مسئولية كبيرة وهامة وتعتمد عليها حياة نسبة كبيرة من المواطنين. بدأ التدمير منذ بداية التسعينات عندما بدأت شركة يونانية بالدفان وتدمير الموائل البحرية والفشوت. لم تضع الهيئة معالجات في ذلك الوقت بالرغم من التقارير المتواترة التي تنذر بخطر تناقص المخزون السمكي وتشير الى أسباب التناقص. 

الثروة السمكية هي مصدر رزق للكثيرين من أبناء البحرين، وبالتالي فان اعلان الثروة السمكية عن تدمير البيئة والثروة السمكية والموائل البحرية اليوم غير مفهوم. اذا كان الخطر بدأ في 1995، وفي 2010 تم التحذير بان هناك ازمة ومشكلة في الثروة السمكية، لماذا نكرر نشر التدمير اليوم ونقول انه ارتفع الى 90% بعد ان كان 57%. السؤال الذي نريد له جواب من الجهة المختصة هو ماهي الإجراءات التي قامت بها هذه الجهة منذ 1995 وبعدها منذ 2010 الى اليوم لحماية الثروة السمكية؟ ولماذا استمر الصيد الجائر 23 سنة، ولماذا تزايد عدد العاملين في هذه المهنة من الوافدين ليصل 6400 عامل؟ وهل هناك جهات تقف وراء هؤلاء الوافدين وتحمي عبثهم بالبيئة وبمعيشة الناس وقوت يومهم؟ ومن هي الجهات المسئولة عن إدارة الثروة السمكية والحياة البيئية ووضع الحلول لمعالجة التدمير البيئي؟ 

كذلك كانت هناك لجنة برلمانية في 2006 تناولت هذا الملف وقدمت تقريرا يوضح الخطر وقدمت توصيات للمعالجة، فماذا تم حيال هذه التوصيات؟ ويذكر ان اللجنة الوزارية المعنية بالتعامل مع التقرير توافقت مع ما جاء فيه، ومع ذلك وبالرغم، من ان جميع الأطراف اقرت بوجود أخطاء وتقصير في الرقابة والمحاسبة لكن مازال الحديث يجري عن تناقص الثروة السمكية والخطر المحدق بها وكأنها قضية جديدة.

تم سن قانون تنظيم صيد واستغلال وحماية الثروة البحرية لعام 2002، لكن هذا القانون لم يتمكن من وقف التجاوزات، وهناك اقوال بان القانون لا يطبق بشكل فعال وهناك تساهل في تطبيقه، فمنذ 2002 الى 2014 تم تحويل قضية واحدة فقط. اليوم الحل يكمن في عملية اصلاح شاملة تدعو الى إعادة التفكير في سياسات كثيرة منها تقنين الدفان ورخص الصيد وطرق الصيد وتقوية المحاسبة والرقابة وتطبيق القانون على الجميع حسب توصيات اللجنة البرلمانية التي تقول بان القوانين لحماية الحياة البيئة والثروة البحرية، والحاجة لتشريعات بيئية جديدة. كذلك من ضمن توصيات اللجنة تدريب الصيادين ومساعدتهم على انشاء مشاريع على مستوى تجاري اكبر.

احد هذه السياسات هي تشجيع الاستزراع السمكي والتركيز على الأسماك المهددة بالانقراض والنوعيات المفضلة في المجتمع، على ان يتم دعم الصيادين انفسهم لإنشاء مثل هذه الشركات. ساهم مستثمرون في انشاء شركة استزراع عام 2008. لكن هذه الشركة أوقفت أنشطتها لأسباب كثيرة منها إدارية، (استغرقت عملية استخراج الرخصة وتخصيص ارض للاستزراع ما يقارب السنتين او اكثر وطُلب منهم مبالغ باهضه للإيجار تتجاوز سبعين الف دينار في السنة) وأسباب فنية (الحصول على الاصبعيات امر متعب ولا يتوفر لدى إدارة الثروة السمكية مع العلم بان زراعة السمك من الاصبعيات الى النضوج يحتاج الى سنة ونصف) وأسباب قانونية (الحاجة الى تشريعات لحماية مثل هذه الاستثمارات والعقود المبرمة بين الأطراف المتعاقدة). كما تحتاج الصناعة هذه الى دراسات علمية حديثة ترشد المستثمرين والعاملين في القطاع الى افضل السبل وكيفية التعامل مع المخاطر، فمثلا أظهرت تجارب “شركة اسماك” ان الأسماك المحلية لديها قدرة اكبر في تحمل البيئة والتقلبات الجوية من الأسماك المستوردة والغير معتادة على البيئة المحلية. 

خلاصة القول هو ان الحديث عن الثروة السمكية هو في الواقع حديث عن ازمة في الامن الغذائي وعن تهديد لمستوى معيشة المواطنين، وهو أيضا حديث عن فرص عمل للكثير من أبناء البحرين، بالإضافة الى كونه حديث عن البيئة البحرية بشكل عام وتأثيرها على مختلف جوانب الحياة. ان الثروة السمكية هي ثروة وطنية وقطاع واعد يمكن ان يسهم في الناتج المحلي ويوجه للتصدير اذا ما وجدت الاستثمارات المناسبة وتم انشاء شركات تتولى عملية الصيد والمعالجة والتعليب والتصدير ومدعومة بدراسات وابحاث محلية تسهم في تحويل الصناعة الى قطاع يستخدم التكنولوجيا المتقدمة. وبذلك يوفر فرص عمل مجزية لشباب البحرين. فهل لدينا الرغبة والإرادة والمعرفة لاقتناص هذه الفرصة الثمينة قبل ان تدمر العشرة في الماءة الباقية؟

mkmuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *