نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

44 خطوات تمهيدية تنموية تنتظر المجلس النيابي القادم

في المقال السابق تحدثنا عن مرحلة التحول الذي نمر فيها من الاعتماد على النفط الى الاعتماد على إنتاجية المواطن وابداعه وابتكاره وريادته في خلق اقتصاد منتج. هذا التحول يحتاج الى أولا اجراءات تمهيدية لكي يتجاوب مع التغيير الذي بدأ فعلا في المنطقة بحكم التغيير الذي حدث للثروة النفطية سواء من حيث قدرتها على الصمود امام المستجدات التكنولوجية او بسبب ضغط قوى السوق وتقلباته. وثانيا يحتاج الى خطوات عملية لتكريسه في المجتمعات الخليجية بشكل عام وفي مجتمعنا بشكل خاص.

ما تحتاجه المنطقة من خطوات تمهيدية لا تقف عند المشاركة السياسية في اتخاذ القرار الذي لا بد ان يتم بكل حرية ولكنها تتطلب حزمة من الإصلاحات العملية طويلة المدى تنتج عن حوار مجتمعي تشارك فيه الحكومة ومجلس النواب ومنظمات المجتمع المدني مدعوم بإرادة سياسية وقناعة بحتمية التحول نحو الدولة المنتجة.

التحول نحو الدولة المنتجة يحتاج الى جملة من الإصلاحات المترابطة تتفاعل لتخلق الشروط المواتية لإنجاح عملية التحول تبدأ بخلق بيئة (ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية) صالحة تعزز حكم القانون، وتحترم الاجتهاد والكفاءة وتكافؤها، وتحارب الفساد وتحاسب المفسدين، وترفض الوساطات والمحسوبية في التوظيف والتعيينات. بذلك تتعزز ثقة المجتمع في مؤسسات الدولة ومنها الحكومة ومجلس النواب. ثانيا يحتاج المواطن الى توفير فرص عمل مجزية وتقليل معدلات البطالة من خلال إصلاح سوق العمل بحيث يتمكن المواطن من المنافسة على الوظائف وتحفيز أصحاب الاعمال لتوظيف المواطنين وتخصيص مهن محددة لهم تتزايد تدريجيا مع نمو القدرة على تدريب اعداد كافية لاستفادة من الفرص المتاحة.

ثالثا هذا يحتاج الى اصلاح التعليم من خلال إعادة النظر في فلسفة واهداف التعليم وتطوير المناهج، وجعل التعليم يتواءم مع متطلبات سوق العمل من خلال تنمية شخصية الطالب وتطوير قدراته الابتكارية والنقدية والابداعية والقيادية وتنمية قدراته في اتخاذ القرار وحل المشكلات. كذلك من خلال زيادة الاستثمار في تدريب المدرسين وتطوير قدراتهم المهنية، ورفع مكانتهم الاقتصادية والاجتماعية. ولا يقل أهمية تطوير المناهج وطرق التدريس والبيئة المدرسية. والاهم من كل ذلك وضع معايير وطنية لتقييم مخرجات التعليم ومحاسبة الوزارة على نتائجها. وأخيرا زيادة الاستثمار في البحث العلمي وربطه بالشركات الصناعية ووضع اهداف تنموية محددة متصلة بتنويع الاقتصاد. 

اصلاح المنظومة الاقتصادية والاستثمارية هي الخطوة التمهيدية الرابعة وذلك من خلال سياسات اقتصادية وتنموية وصناعية واستثمارية موجهة نحو قطاع الصناعة والاستثمار في التكنولوجيا للمساهمة في تنويع الاقتصاد ورفع الإنتاجية وزيادة الصادرات من السلع والخدمات لرفع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. اما الخطوة التمهيدية الخامسة فهي العمل على تظافر جهود الشركات الكبيرة لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل متنوعة للشباب، وخلق بيئة عمل تحفز النشاط التجاري والخدمي.

تطوير هذه البيئة المحفزة تكون الخطوة الخامسة وتتم وفق منظومة ابتكار وطنية مبنية على تعاون وثيق وتشابك بين الصناعة والبحث العلمي ومنظومة التعليم بمختلف مستوياتها، تدعمها سياسات سوق العمل المفضلة للبحريني وليس الاقتصاد المفتوح الذي ينادي به مجلس التنمية الاقتصادي. اما اخر هذه الخطوات فهي تعزيز مناخ التعاون بين الحكومة وغرفة تجارة وصناعة البحرين والمجلس التشريعي لدعم وتحفيز التدريب المهني في الشركات الصناعية الكبيرة، والزامها ان تطلب الامر بتوفير التدريب لأبناء البلد واحياء نظام التدريب المهني (الابرنتس) في شركة نفط البحرين وتعميمه على الشركات الكبرى الأخرى.

تنفيذ مثل هذا الحزمة من الإصلاحات سوف تعتمد على تشكيل تكتل نيابي يتبنى هذا المسار الإصلاحي ويركز جهوده في خطوات منها العمل على اقناع مجلس النواب ومجلس الشورى والحكومة بضرورة البدء في عملية إصلاح تنموي اقتصادي شاملة وتحديد مسئولية إدارة عملية الإصلاح وتنفيذها. ثانيا العمل مع الحكومة على وضع اهداف واستراتيجيات الإصلاح بما في ذلك إصلاح منظومة التعليم وسوق العمل والبيئة الاستثمارية وما تحتاجه من اصلاح في الصحة والإسكان وخدمات البنى التحتية وكذلك القيام بأي إصلاحات سياسية واجتماعية ضرورية لتحسين البيئة الاستثمارية لجذب الاستثمار المحلي والاجنبي ونقل التكنولوجيا المتقدمة. ثالثا وضع سياسة التنمية الاقتصادية والصناعية لتحديد مجالات الاستثمار في الصناعة والتعليم والتدريب والبحث العلمي وربطها مع بعض لتكُوِّن قاعدة لـ”منظومة الابتكار الوطنية” التي تؤسس لمسار التنمية في المنطقة وليس فقط للبحرين، وتخلق البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المناسبة للابتكار والابداع والريادة. 

رابعا يتطلب الامر بذل جهد خاص لدراسة وضع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والوقوف على متطلبات تنميتها وتدعيم علاقتها بالمؤسسات الكبيرة والصناعات الأساسية وتمكينها من الاستفادة من الفرص المتاحة من هذه الصناعات لخلق صناعات سلعية وخدمات إدارية وفنية ومالية، مشتقة من الصناعات الكبيرة.

خامسا ضرورة التعامل الجدي مع قضية الفساد والهدر في المال العام فهي من اهم معوقات خلق البيئة المناسبة للاستثمار واهم الخطوات التمهيدية للتنمية المستدامة الشاملة والعادلة. هذا يحتم علينا إيجاد المؤسسات الكفيلة بمحاربة الفساد ووضع التشريعات والإجراءات التي تمنحها صلاحية واسعة في التحري وطلب الوثائق والمعلومات وكل ما يلزم للكشف عن الفساد وتقديمهم للنيابة.

وأخيرا فان هذه الخطوات تحتاج الى تَدارس خيارات التمويل على ان تبدأ بتقليص بعض بنود الميزانية وتشديد المحاسبة على الهدر والمشاريع غير الاستثمارية، وفرض الضرائب على الثروات وارباح الشركات وفق جدول تصاعدي يشترط توفر الشفافية والمعلومات والمشاركة في القرار وتطبيق القانون على الجميع. كما تحتاج توفير المعلومات الإحصائية ليتمكن المجتمع ومؤسساته مساعدة الدولة في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بعملية الإصلاحات المطلوبة ومراقبة التنفيذ بصرامة وشفافية. 

الخيار امامنا وامام دول مجلس التعاون هو أما التحول الناجح من الدولة الريعية الى الدولة المنتجة او البقاء ننتظر مصير النفط ومصيرنا يحدده غيرنا. وفي حالة اخترنا التغيير والتحول المنظم توجب اجراء الحوارات والدراسات لوضع رؤية مستفيدة من بعض ما تقدم بشرط المشاركة المجتمعية والنيابية ومشاركة المؤسسات التجارية والاقتصادية وذوي الاختصاص من البحرينيين في وضعها. على ان لا تغفل مرحلة التمهيد والخطوات المذكورة بان اهم اهداف التنمية هي رفاهية الانسان والمجتمع وتحسين مستواه المعيشي من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *