نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. دعوات ضد الطائفية- هل تكفي؟

  تاريخ النشر :٢٣ أكتوبر ٢٠١٣ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع مذا تعني الدعوة الى الفهم الحضاري لحرية الاديان والتحذير من الفتنة الطائفية ولماذا انفجر الوضع بعد الثورات العربية؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12997/article/52989.html

في لقائه رؤساء دول وكبارالشخصيات المشاركة في الحج دعا العاهل السعودي الامة الاسلامية إلى «تحمل مسؤوليتها التاريخية.. والتعامل مع الغير بإنسانية متسامحة لا غلو فيها ولا تَجَبُّر ولا رفض للآخر لمجرد اختلاف الدين»، ودعا إلى الفهم الحضاري لحرية الاديان والثقافات والقناعات وعدم الاكراه، وطالب باتباع مبدأ «لكم دينكم ولي دين». 

 وقبل ايام صدرت تصريحات من المرشد الإيراني علي خامنئي وتصريحات مماثلة لمفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حذرا فيها من الفتنة المذهبية، يدعو خامنئي المسلمين إلى الاتحاد ويحذر من العناصر التكفيرية والتطرف والتعصب ومن كل من ينفخ في نار الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة، اما آل الشيخ فيحذر من تقسيم الامة. ويتفق الاثنان على ان الفتنة سببها القوى المعادية للاسلام والبيئة الخصبة الموجودة في بعض الدول التي تسمح لمثل هذه المخططات بالنجاح. الجميع يدرك الخطر الذي يهدد الامة فهل يتفقون على حل؟

 التعصب ليس سمة اسلامية وليس له هوية محددة بل يمكن ان يصاب به أي فكر أو دين أو مذهب، فقد ابتليت ثقافات عديدة بالتعصب وكان اكثرها دموية ما حدث في اوروبا في العصور الوسطى وحتى إلى ما بعد عصر النهضة ولم يتوقف إلا بعصر التنوير وكان اخر معاقله في 1965 عندما تخلت الكنيسة الكاثوليكية تماما عن فرض رؤيتها للعالم على الديانة المسيحية. 

 ابرزت الثورات العربية ظاهرة التعصب بشكل اوضح وبينت ان هذه الخلافات والصراعات لم تنته، بل انها كانت مكبوته يمكن ان تستدعيها السياسة في اي وقت لخدمة مصالح واهداف سياسية ليس لها علاقة بالمذهب او الدين كما يحدث مثلا في العراق وسوريا. وحتى الحركات الاسلامية الحديثة نسبيا دخلت هذا الصراع المذهبي. ان ما يحدث في مصر من انقسام في المجتمع هو في نهاية المطاف نوع من الصراع المفاهيمي الايديولوجي الديني والمدني. 

 يتساءل المفكر هاشم صالح هل التفجيرات المتبادلة في كثير من الاماكن والدول هي بداية حرب المائة عام؟ هل هي بداية المصارحة التاريخية لتبدأ المصالحة التي ينتظرها كل من يريد لهذه الامة خيرا؟ هل سنجرؤ على تسمية الاشياء بمسمياتها ونتصدى إلى كل ما تسبب في تفرقنا واقتتالنا؟ هل يمكن ان نكشف خبايا وفرضيات الفهم المتعصب للدين من كل طرف؟ 

 ان تسوية الحسابات في اوروبا استغرقت ثلاثين عاما من حروب مدمرة قضت على ثلث سكان اوروبا. الخلافات التي تفصل السنة عن الشيعة اقل بكثير من الخلافات التي فصلت الكاثوليك عن البروتستانت (في تقدير برنارد لويس- المستشرق البريطاني)، هل يمكن لنا ان نبحث في اصل هذه الخلافات بتجرد وموضوعية رافضين ادعاء أي طرف بامتلاك الحقيقة؟ في اوروبا تصدى فلاسفة كبار لهذه الخلافات وقدموا تأويلا للدين قادرا على المصالحة وتصفية الحسابات مع العقل.

 الخروج من هذه الازمة لن يكون سهلا ولن يحدث من تلقاء نفسه، بل هي عملية صعبة طويلة الامد وتجربة قد تكون مريرة وقاسية، وقد تتطلب هدم مفاهيم وفرضيات وبناء تصور جديد لكثير من الاشياء، ولكن لا بد من الخروج منها لكي تنهض الامة وتستعيد هويتها وثقافتها ومكانتها التي تليق بأمة الاسلام. فكيف السبيل إلى ذلك؟

 نرى ان الحل يكمن في ان تكون القيادات السياسية فعلا على قدر المسئولية وتقود المعركة الفكرية وتفتح هي حوار المصارحة لمناقشة المسلمات واليقينيات والفرضيات التي شكلت الوعي العربي والاسلامي واوصلتنا إلى ما نحن فيه. من الضروري ان تقوم هذه القيادات السياسية هي نفسها بقيادة الحوار وتَقْبل نتائجه. ان المواجهة المذهبية الطائفية التي تطل برأسها في المنطقة لن تخبو فجأة ولن تسكن ما لم يخرج إلى العلن كل ما يغذيها ويحشد الجماهير لها. علينا مناقشة امور كثيرة اهمها: ما هو اصل الصراع المذهبي؟ ولماذا هذا الموقف المتشدد من الديمقراطية ورفضها لاسباب دينية؟ وهل هذه الاسباب الدينية هي فعلا من العقيدة ام انها تأويل ورؤية واحدة من بين الكثير من الرؤى المحتملة من قراءة النصوص القرأنية والاحاديث النبوية الشريفة؟ لا تستطيع اي جهة اخرى ان تتصدى لمثل هذه الاسئلة، لا بد ان تقوم بقيادة حوار المصارحة والمكاشفة حكومات لها شرعيتها وسلطتها واستقرارها لكي لا تتحول إلى فوضى عارمة.

 تلبية دعوة العاهل السعودي وآل الشيخ والمرشد الايراني لن تكون بالكلام او النوايا مهما كانت حسنة بل تحتاج إلى عمل ومشروع عربي اسلامي تقوده القيادات لاظهار جديتها وخوفها على الامة وعلى الاسلام وعلى ارواح الناس ورغبتها في تقدم الامة.

 يمكن الاستفادة من التجربة الاوروبية في عصر التنوير وكيف بدأت وإلى اين انتهت. كما يجب ان يمثل فشلنا العلمي والسياسي والاقتصادي والثقافي، الدافع لكي ندرك بان الامة لن تتقدم ما لم تواجه كل ما يعارض او يتناقض مع التقدم، وتعيد التفكير فيه وفي اصوله وكيف تَرسَّخ في وعي الانسان العربي والانسان المسلم؟ لا يمكن ان تكون مفاهيم الحداثة والتقدم والاستقرار والسلم الاهلي والحق والعدل نقيضة للاسلام، فهذه قيم ينبض بها القرآن والسنة. الاسلام يدعو كل انسان على حدة إلى التَفَكر في الدين وإلى إعمال العقل والمنطق. فهل من المنطق ان يقتتل الناس بسبب اختلافات في نتائج هذا التفكر والتأمل واعمال العقل والمنطق؟ 

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *