نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

دعوة جلالة الملك نحو اللحمة الوطنية

 تاريخ النشر :٨ يناير ٢٠١٤ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي  

التحريض والكراهية مصدرها رجال الدين بالدرجة الأولى ورجال السياسة، هل الحل في فصل الدين عن السياسة؟ 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13074/article/1245.html

تفاعل المجتمع في الشهر الماضي مع قضيتين الأولى تقرير الرقابة الماليةوالأخرى قضية رفع الدعم. وفي تلك القضيتين أدت الانتقادات الشعبية إلىإجراءات حكومية تم تشكيل لجنة برئاسة سمو ولي العهد في الأولى، وتراجعتعن القرار في الثانية. ليس المهم الإجراءات ولكن الأهم هو ان المجتمع لم تفرقهالمذاهب عندما تعرضت مصالحه المباشرة للضرر.  

في حالة تقرير الرقابة المالية تحرك المجتمع يبحث عن حل لازمة الفسادوالتجاوزات التي استمرت اكثر من عشر سنوات تتراكم فيها تقارير الرقابةالمالية والإدارية، لم يفُق المجتمع من هذه الصدمة حتى تبعها قرار رفع الدعمعن الديزل فوقف البرلمان وعلق جلساته، وتحرك القطاع التجاري رافضا القرارلما له من آثار سلبية على مستوى معيشة المواطن وزيادة التضخم في البلادوتعالت أصوات المصالح المختلفة من صيادين وشركات نقل مطالبة بالتنازلواجراء الدراسات المعمقة ومشاركة المجتمع في تفاصيل القضية بكل شفافيةقبل الشروع في مثل هذا القرار. تدخل سمو رئيس الوزراء بإلغاء القرار وإعادةالمجلس إلى انعقاده وهدأ التجار. 

هاتان الحادثتان، بالإضافة إلى ارتفاع الدين العام، توضح مدى قدرة المجتمععلى التغيير عندما يتوحد وعندما تتعرض مصالحه وعندما تكون الأمور واضحةلا لبس فيها. ما يضعف المجتمع هو الخلط بين المؤسسات وعدم الفصل بينمفاهيم الدولة والحكومة والسلطة، وتتخلى قطاعات تجارية ومالية واكاديمية عنالعمل في منظمات المجتمع المدني، وعدم وضوع العلاقة لدى الناس بين قضاياالفساد والقرارات الأحادية وعدم القدرة على طرح الأسئلة الهامة مثل لماذاتتفاقم التجاوزات، وما هي العلاقة بين كل هذا والإصلاح السياسي؟ وهلحصول البحرين على مراكز متدنية في مؤشرات مدركات الفساد يضر بمصالحالبحرين الاستثمارية ومن المسؤول عن هذا الضرر؟ يقبع خلف ذلك ازمةمفاهيم تتعلق بالمال العام والثروة الوطنية وحق توزيعهما. 

لن يتمكن المجتمع من معالجة هذه الآفات وغيرها، ومن طرح الأسئلة والتوصلإلى إجابات، ولن يحقق اهداف تنموية ورفع القدرة الإنتاجية وإصلاح الاقتصادوهو في وضع منقسم على نفسه. قوة المجتمع تعتمد على تماسك منظماتهالمدنية وقطاعاته النقابية والتجارية وهيئاته وقدرتها على التأثير في القراروالمشاركة في صياغته. وهذا لا يكون الا بوحدة المجتمع ولحمته الوطنية. 

من هنا تأتي أهمية الدعوة الملكية التي أطلقها جلالة الملك وكذلك دعوته لخطباءالمنابر الدينية وغيرها إلى رفض التصعيد الطائفي وكيل الاتهامات والادعاءبالحق المطلق وتأجيج الخلافات والاختلافات المذهبية التي تؤدي إلى تقسيمالمجتمع وتحفيز النعرات الطائفية. ان مصدر هذا التأزيم هو التعصب الدينيوالمذهبي ورفض الاخر والادعاء بامتلاك الحقيقة خلافا لما يردده رجال الدين عنقول الامام الشافعي «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب»او كما قال العلامة رشيد الرضا «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًافيما اختلفنا فيه». 

في خطاب جلالته وضع المسؤولية في نبذ التعصب والكراهية ورفض الآخر علىعدة جهات أهمها رجال الدين في منابرهم المختلفة، وأجهزة الاعلام، والقوىالمجتمعية والسياسية التي تنظر إلى مصالح حزبية انتخابية او فئوية. كما أوكلإلى الحكومة مسؤولية وضع استراتيجية فعالة لمعالجة الوضع ونشر الثقافةالوسطية «والتعايش وقبول الآخر لتكون البحرين أولا وللجميع». كما وضعالأدوات التي توصل إلى ذلك والتي تشمل اربعة توجهات رئيسية: اولا «انتكون المشاركة الشعبية وحرية التعبير وحماية حقوق الانسان» منطلقا لكلالقوى الوطنية لدفع المسيرة التنموية، وثانيا «التصدي لكل الممارسات التي تبثروح العداء وتحرض على الكراهية»، وثالثا: على «رجال الدين والفكر والاعلامالدعوة إلى نبذ الكراهية والدعوة إلى سلك سبيل اللاعنف والمساهمة في تحقيقالاستقرار والتنمية». ورابعا الدعوة إلى «التسامح والمحبة واحترام الاخر». وعول على الوعي الشعبي لنجاحنا في مسيرتنا نحو إشاعة ثقافة الوحدةالوطنية الديمقراطية ونبذ التطرف والعنف والارهاب. السؤال كيف نجسد هذهالدعوة الملكية، كسلطة وكمجتمع وقوى سياسية وثقافية وكيف نُظهر صدقناوعزيمتنا على إنجاحها؟ 

انطلقت في المجتمع دعوات كثيرة لتشكيل تجمعات ولقاءات وتكتلات لنبذالصراع الطائفي ولتشجيع الوحدة الوطنية. هذه الدعوات انطلقت منذ الشهرالأول لأحداث فبراير 2011. ومازالت جهود تبذل في هذا الاتجاه، وحتى رجالالدين أنفسهم يطالبون برفض التعصب والتطرف المذهبي. لكن مازالت مظاهرالكراهية والتعصب ورفض الآخر تسود. فهل المشكلة في طبيعة التنظيمات التيقامت وأهدافها او في طريقة عملها او في الشخوص القائمة عليها؟ او خلطفي المفاهيم بقصد تشتيت الناس؟ 

هذه الجهود المشكورة والتي تدل على إدراك لخطورة تفاقم الوضع وزيادة الهوةبين مكونات المجتمع تحتاج إلى استراتيجية ذات شقين. الشق الأول يتطرق إلىمناقشة جادة بين تيارات دينية واجتماعية وثقافية لتحييد الدين عن السياسةوالقبول بالاختلاف المذهبي وتقوية التيارات الوطنية الليبرالية الديمقراطية. والشق الثاني تشكيل تكتلات وفعاليات لمحاربة الآفات المجتمعية المشتركة مثلالفساد والدفاع عن الحريات العامة وعن حرية الصحافة والشفافية وحقوقالانسان والتباحث في كيفية دفع عجلة التنمية وتغيير توجهها نحو الاقتصادالانتاجي. هذه مشتركات لا يختلف عليها المجتمع. ولتكن هذه أساس برنامجوطني للسنوات القليلة القادمة تلبية لدعوة جلالة الملك.  

mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *