نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

دور المجتمع المدني في الانتقال الديمقراطي

 تاريخ النشر : 5 يونيو ٢٠١٣

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12857/article/27954.html


في ندوة اقيمت بنادي العروبة للدكتور علي الكواري تطرق فيها إلى الوضع العربي بشكل عام والوضع الخليجي بوجه خاص فيما يتعلق بآمال الشعوب في تحقيق التقدم والرقي الذي يستحقون والحياة الكريمة التي ينشدون من خلال التحول الديمقراطي الذي اجتاح العالم بأسره وتفادته الانظمة العربية بكل اقتدار.
يقول الدكتور الكواري إن التفاؤل قبل الربيع العربي كان اكبر من الآن بعد ان اجتاحت العالم العربي موجة من التصعيد في الصراع الطائفي الذي قسم المجتمعات واضعفها اكثر مما هي ضعيفة. هذا الضعف يراه الدكتور الكواري على انه اهم اسباب التردي، واهم عوامل تقويض جهود النهضة والانتقال إلى النظام الديمقراطي.
يرى الكواري ان اهم اسباب ضعف المجتمعات العربية هو انقسامها بين تيارين رئيسيين هما التيار الديني والتيار المدني. لا يقف هذا التمزق عند هذا الحد بل ان كلا من هذين التيارين مقسم إلى فرق متناحرة ومقسمة على اسس مذهبية وطائفية وعرقية. تنشأ بين هذه الطوائف كما نرى الان في كثير من الدول العربية صراعات غير عقلانية مرشحة إلى ان تنزلق إلى حروب مدمرة. وفي جميع الصراعات هناك اطراف تستفيد من اشعالها واستمرارها فتغذيها بالشائعات وافتعال الاحداث إلى ان تعم الفوضى ويسود التطرف وينكفئ العقل.
منظمات المجتمع المدني لها دور هام في تخفيف هذا التوتر والعمل على حفظ التوازن بين السلطة والمجتمع. وكلما كان المجتمع منظما ازدادت قدرته على التأثير في القرار والمشاركة الفاعلة واصبح بحق مصدرا للسلطات واستطاع المجتمع المحافظة على حرية التعبير وان يودع «الحكم المطلق» وتحل محله القيم والثقافة الديمقراطية. وكلما كان المجتمع المدني مستقلا عن السلطة السياسية ا كانت مصداقيته في طرح قضايا المجتمع اكبر، وتأثيره اكثر في الرأي العام العالمي والدول الكبرى صاحبة القرار في الكثير من المنظمات العالمية. فما هو الدور الذي يلعبه؟ وكيف يمكن تقييم ادائه؟
تناول المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في 2013 بالتعاون من (GMPK) وتحدث عن نموذج للتعاون بين الحكومات ومجتمع الاعمال والمجتمع المدني. يأتي هذا الحديث ضمن تحولات تجري الان على مفهوم المجتمع المدني من حيث التعريف والدور والسياق العام الذي يعمل ضمنه. في عالم العولمة والثورة الرقمية لم يعد المجتمع المدني عبارة عن مجموعة من المنظمات الاهلية تعمل في اختصاصات منفصلة وفي عزلة عن بعضها البعض. بل اصبحت مجموعات (منظمة وغير منظمة) تمثل شرائح حقيقية او افتراضية من المجتمع تنظم نفسها بشكل انسيابي ومتغير وتجريبي يحاكي المتغيرات في المجتمع. كذلك اختلفت وسائل تواصلها وتأثيرها على الرأي العام من خلال استخدام وسائل التواصل الحديثة والتقليدية. كما ان ادوار المجتمع المدني هي الاخرى تخضع للتغيير والتحديث، فنشطاء المجتمع المدني بدأوا في اخذ ادوار الميسرين والمنظمين والوسطاء والابتكاريين بالاضافة إلى مساهماتهم في تقديم الخدمات ومروجي لافكار وسياسات تسعى لاحداث تحولات في المجتمع.
هناك اربعة متغيرات هامة تؤثر في عمل منظمات المجتمع المدني، وتفرض تحديات، وتخلق فرصا تتطلب تكيفا سريعا لاستثمارها وابتكارية في معالجتها وجرأة في تعزيز الحوكمة في القطاع العام. هذه المتغيرات هي: اولا تأثير الصراعات الدولية؛ ثانيا تأثير الانفتاح والتطور التكنولوجي؛ ثالثا تدني النمو الاقتصادي وفقدان الثقة في المؤسسات التي تديره؛ رابعا تنامي تأثير المؤسسات الاقتصادية الكبرى. هذه المتغيرات توجب النظر إلى منظمات المجتمع المدني ليس على انها لاعب ثالث مع القطاع العام والقطاع الخاص، بل هي الرابط بينهما وبين قوى المجتمع المختلفة. وفي قيامهم بهذا الدور يحتفظون برسالتهم الاساسية ونزاهتهم وغائيتهم وثقة الناس بهم وخصوصا الدول الكبرى التي تثق في منظمات المجتمع المدني اكثر من ثقتها في الحكومات. كما يتطلب هذا الدور فهما اكبر لكيفية ادارة العلاقات مع الحكومات ومع عالم رجال الاعمال.
الدول العربية التي تمر بمخاض الثورات، بشكل مباشر او غير مباشر، تحتاج إلى منظمات مجتمع مدني محايدة وقادرة على اظهار قدر كبير من النزاهة ومستوى عال من الاخلاقيات العامة تمكنها من التصدي لمحاولات حرف الثورات واختزالها في الصدام الطائفي، مع تشديد المراقبة والدفاع عن الطبقات المستضعفة في المجتمع. القيام بذلك يفرض على منظمات المجتمع المدني ممارسة المساءلة والرقابة على اعمالها قبل اعمال الحكومات والقطاع الخاص.
غير ان فعالية منظمات المجتمع المدني في الرقابة يتطلب القيام بالكثير من الدراسات عن حالة المجتمع. وهذا يحتاج إلى جمع بيانات ومعلومات عن المواطن وعن المؤسسات العاملة في المجتمع، لكن القوانين الحالية في الدول العربية تضع صعوبات كبيرة تحد من قدرتها على جمع المعلومات. لذلك فان تأثير هذه المنظمات في صنع السياسات واسماع صوتها في تشكيل الرأي العام محدودا.
شح المعلومات هذا يخلق مشكلة من شقين، الاول هو ان مساهمة المجتمع غير مدونة او محسوبة في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية؛ والثاني صعوبة حصر الشبكة الاجتماعية بحيث يمكن قياس مساهمتها في التنمية. قدمت قمة ريو دي جانيرو +20 الاخيرة مقترح لمعالجة ذلك القصور يعتمد معايير تتعدى الناتج المحلي الاجمالي ويشمل دمج مؤسسات الاعمال ومنظمات المجتمع المدني.
ايدت الدول العربية مخرجات قمة ريو +20 لكنها لم تتخذ خطوات لتفعيلها وتحسين قدرتها على توفير البيانات. شح البيانات في العالم العربي يعتبر من اهم عوائق تنمية وتطوير المجتمعات، كما انه يضعف تاثير وقوة صوت المواطن في تشكيل السياسات. ليس من الممكن التعويل على الحكومات في التبرع بالمعلومات، لذا على منظمات المجتمع المدني الدفع في هذا الاتجاه والاعتماد على الضغط التشريعي للحصول عليها.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *