نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

ذكرى الميثاق فرصة للتقييم وتصحيح المسارات

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٢ فبراير ٢٠١٧ – 03:00

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1059300

ذكرى الميثاق هي فرصة يغتنمها شعب البحرين في اجراء مراجعات لمسيرة الاصلاح التي اطلقها جلالة الملك في 2001 وبدأت بها مرحلة جديدة من العمل السياسي في البحرين. اطلاق الميثاق وما صاحبها من اجراءات تصالحية اضفت على البحرين جو من التفاؤل تجسد في مشاهد رائعة من اللحمة الوطنية اختزلتها زيارة جلالة الملك الى سترة والتصرف العفوي من المواطنين في رفع سيارة جلالته احتفاءا بالزيار وتعبيرا عن الامتنان للانفتاح الذي احدثته الاجراءات التي اتخذها جلالته في تلك الفترة. 

الان، وبعد ما حدث منذ فبراير 2011، ينبغي ان تشكل ذكرى الميثاق فرصة للمراجعة والتصحيح والعودة الى روح الميثاق ومبادئه. ارسى الميثاق اسس ومبادئ وقيم للتعامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع وينبغي التمسك بها. كما انشأ الميثاق مؤسسات تهدف الى جعل الاصلاح والتطوير عملية مستمرة يساهم فيها المجتمع من خلال مؤسسات دستورية تسعى لاستمرار تحديث وتطوير الدولة واعطاء المجتمع دور اكبر في ادارتها. 

التجربة منذ اطلاق الميثاق، كاي تجربة وليدة، تحتاج الى مراجعة وتقويم من حين الى اخر وينبغي ان لا تفوت هذه الفرصة في هذا العام على اجراء مثل هذه المراجعة. وهذا ما اتضح بالفعل من المقابلات التي اجرتها الصحف مع الكثير من الشخصيات ولخصتها البيانات والندوات التي اقيمت بهذه المناسبة.

من خلال الكم الكبير من المقابلات والندوات والبيانات التي طرحتها الصحافة او نظمتها مؤسسات المجتمع المدني خلال هذه الفترة، يدور تساؤل، اما تلميحا او تصريحا، وهو الى اين بعد ان تم وضع الاسس؟ وهل نحن مازلنا في الطريق الذي رسمه الميثاق واسس له الدستور؟ ولماذا لم يتمكن المجلس الاول من البناء على ما تحقق في السابق وارساء قواعد لحوار مجتمعي مستمر في قضايا هامة تواصل عملية البناء التراكمي. والاهم لماذا حدث ما حدث في سبتمر 2011. 

هذه التساؤلات تطرحها الكثير من الجهات بما فيها السلطة وقد بدأ هذا التساؤل سمو ولي العهد عندما طرح ان احد الاسباب هو البطىء في الاصلاح. اما جلالة الملك فقد تقدم خطوة اكبر في هذا المجال واوفد خبراء برآسة بسيوني للتحقيق في الوضع وتقديم توصيات لمعالجة الامر. بالرغم من هذه المبادرات فانه مازال امامنا كدولة ومجتمع الكثير من العمل في جو من التفاؤل والامل في التوصل الى علاجات تخدم المسيرة القادمة في ظل التطورات الاقتصادية التي تحدث في المنطقة والتي تتطلب تلاحم مجتمعي يتخطى بها هذه التحديات.

نرى ان هناك مسئولية كبيرة على الجمعيات السياسية بجميع تلاوينها من الارتقاء بالعمل السياسي وانتشاله من براثن التزمت الطائفي والتخندق في الماضي والتمسك بالمواقف التي انتجت الكثير من المعاناة للشعب. نرى ان غالبية المجتمع اليوم اصبح اكثر استعدادا لطرح التساؤلات والمناقشة، غير انه ماتزال هناك اقليات متشددة تنظر بمرآة قاتمة الى الاطراف الاخرى وترفض طرح التساؤل الاهم الذي ينبغي علينا جميعا ان نطرحه للنقاش والمواجعة الجادة. هذا التساؤل اثير في ندوة مركز الجزيرة، حيث تحدث الصحفي سيد زهرة وافاد بان هذه المراجعة واجبة على جميع اطراف السلطة والمجتمع. ويواصل بانه لا يمكن تحميل كل المسئولية على طرف وخصوصا في الخلافات العميقة التي تحدث في المجتمعات لا بد وان يكون لها جذور تحتاج الى فتح العقول والقلوب.

لذلك يتوجب اليوم على القوى الوطنية بجميع اشكالها وتلاوينها ان تفكر في المستقبل وتستفيد من الماضي وتفتح صفحة جديدة للعمل المشترك من اجل صلاح المجتمع ككل. اليوم مطلوب من عقلاء القوم في جميع المواقع من تقديم الاجابات وطرح المبادرات بتجرد ينبع من محاورة النفس وفهم “اين اخطأنا” وليس فقط اين اخطأ الاخرون.

اول خطوات المراجعة هي ان ننظر الى المؤسسات الدستورية على انها ملك للمجتمع ويجب ان نعمل على اصلاحها من الداخل. وهذا يستوجب على الجمعيات السياسية الانخراط في العملية السياسية والاستفاد من المجلس النيابي كونه منبر من المنابر المتاحة للعمل السياسي. من هذا المنبر يمكن طرح مختلف القضايا للنقاش وطرح المطالب والترويج لها سلميا وفق ما قرره الدستور. لا يمكن ان يكون هناك عمل سياسي من خلال الشارع وحده.

تعيش البحرين اليوم مرحلة جديدة تشتد فيها الحساسيات وترتفع الاصوات المتصلبة والمتشددة ويعلوا التعصب الديني والايدلوجي ويخفت فيه صوت العقل والتعقل والحلول التوافقية والبناء التدريجي لحياة سياسية تلبي مصالح مختلف الفئات و”الحساسيات”. لم يعد مقبولا ان ينتشر الارهاب والتخريب بحجة ان هناك حاجة لاصلاحات سياسية. طريق الاصلاح، متى ما تم الاتفاق على الثوابت الوطنية من ميثاق ودستور ونظام حكم، سيكون مفتوحا من خلال المجلس النيابي بالرغم من ما ينتابه من ضعف في الوقت الحاضر، ومن خلال الصحافة ومن خلال المنابر السياسية الشرعية. 

الحاجة الى الاصلاح تتطلب عقلانية تجمع المجتمع على مشتركاته وقضاياه الهامة والكبيرة. فالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وفتح فرص عمل ورفع مستوى المعيشة بشكل عام تتطلب مناقشة على مستوى المجتمع واصرار من الجميع. هذا لا يتم في ضوء الانقسام الذي تغذيه وتعمقه الممارسات الطائشة والصبيانية والعبث بامن المجتمع، هذا يؤدي فقط الى تصلب المواقف ورفض الحلول العقلانية وزيادة الشرذم المجتمعي. ان ما يحدث اليوم يضر بالمجتمع ليس فقط من حيث التشظي ولكن كذلك من حيث تضخم الانفاق الامني على حساب المصالح الاخرى مثل التعليم والصحة والاسكان. فكيف يكون هذا السلوك مقبولا؟

mkuwaiti@btelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *