نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

في ذكرى الميثاق نحتاج الى مراجعة لمسيرة الاصلاح والبحث عن مخارج سياسية وفرص تنموية تفتح افق الامل لدى العاطلين وضعفاء الحال.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14215/article/63970.html

ذكرى الميثاق الوطني هي فرصة يغتنمها شعب البحرين في إجراء مراجعات لمسيرة الإصلاح التي أطلقها جلالة الملك في عام 2001 وبدأت بها مرحلة جديدة من العمل السياسي في البحرين. إطلاق الميثاق وما صاحبه من إجراءات تصالحية أضفت على البحرين أجواء من التفاؤل تجسدت في مشاهد رائعة من اللحمة الوطنية اختزلتها زيارة جلالة الملك لسترة والتصرف العفوي من المواطنين في رفع سيارة جلالته احتفاء بالزيارة وتعبيرا عن الامتنان للانفتاح الذي أحدثته الإجراءات التي اتخذها جلالته في تلك الفترة.
الآن، وبعد ما حدث منذ فبراير عام 2011م ينبغي أن تشكل ذكرى الميثاق الوطني فرصة للمراجعة والتصحيح والعودة إلى روح الميثاق ومبادئه. أرسى الميثاق أسسا ومبادئ وقيما للتعامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع ينبغي التمسك بها، كما أنشأ الميثاق مؤسسات تهدف إلى جعل الإصلاح والتطوير عملية مستمرة يسهم فيها المجتمع من خلال مؤسسات دستورية تسعى إلى استمرار تحديث وتطوير الدولة وإعطاء المجتمع دورا أكبر في إدارتها.
التجربة منذ إطلاق الميثاق، كأي تجربة وليدة، تحتاج إلى مراجعة وتقويم من حين إلى آخر، وينبغي ألا تفوت هذه الفرصة في هذا العام لإجراء مثل هذه المراجعة. وهذا ما اتضح بالفعل من المقابلات التي أجرتها الصحف مع كثير من الشخصيات ولخصتها البيانات والندوات التي أقيمت بهذه المناسبة.
من خلال الكم الكبير من المقابلات والندوات والبيانات التي طرحتها الصحافة أو نظمتها مؤسسات المجتمع المدني خلال هذه الفترة يدور تساؤل، إما تلميحا وإما تصريحا، وهو إلى أين بعد أن تم وضع الأسس؟ وهل نحن مازلنا في الطريق الذي رسمه الميثاق وأسس له الدستور؟ ولماذا لم يتمكن المجلس الأول من البناء على ما تحقق في السابق وإرساء قواعد لحوار مجتمعي مستمر في قضايا مهمة تواصل عملية البناء التراكمي؟ والأهم لماذا حدث ما حدث في سبتمبر عام 2011م؟
هذه التساؤلات تطرحها كثير من الجهات بما فيها السلطة، وقد بدأ هذا التساؤل سمو ولي العهد عندما طرح أن أحد الأسباب هو البطء في الإصلاح. أما جلالة الملك فقد تقدم خطوة أكبر في هذا المجال وأوفد خبراء برئاسة بسيوني للتحقيق في الوضع وتقديم توصيات لمعالجة الأمر، وعلى الرغم من هذه المبادرات فإنه مازال أمامنا كدولة ومجتمع كثير من العمل في جو من التفاؤل والأمل للتوصل إلى علاجات تخدم المسيرة القادمة في ظل التطورات الاقتصادية التي تحدث في المنطقة والتي تتطلب تلاحما مجتمعيا يتخطى بها هذه التحديات.
نرى أن هناك مسؤولية كبيرة على الجمعيات السياسية بجميع تلاوينها في الارتقاء بالعمل السياسي وانتشاله من براثن التزمت الطائفي والتخندق في الماضي، والتمسك بالمواقف التي أنتجت كثيرا من المعاناة للشعب. نرى أن غالبية المجتمع اليوم أصبح أكثر استعدادا لطرح التساؤلات والمناقشة، غير أنه لا تزال هناك أقليات متشددة تنظر بمرآة قاتمة إلى الأطراف الأخرى، وترفض طرح التساؤل الأهم الذي ينبغي علينا جميعا أن نطرحه للنقاش والمراجعة الجادة. هذا التساؤل أثير في ندوة مركز الجزيرة، حيث تحدث الصحفي السيد زهره وأفاد بأن هذه المراجعة واجبة على جميع أطراف السلطة والمجتمع، وواصل بأنه لا يمكن تحميل كل المسؤولية لطرف، وخصوصا في الخلافات العميقة التي تحدث في المجتمعات، فلا بد أن تكون لها جذور تحتاج إلى فتح العقول والقلوب.
لذلك يجب اليوم على القوى الوطنية بجميع إشكالاتها وتلاوينها أن تفكر في المستقبل وتستفيد من الماضي وتفتح صفحة جديدة للعمل المشترك من أجل صلاح المجتمع ككل. اليوم مطلوب من عقلاء القوم في جميع المواقع تقديم الإجابات وطرح المبادرات بتجرد ينبع من محاورة النفس وفهم «أين أخطأنا» وليس فقط أين أخطأ الآخرون.
أول خطوات المراجعة هي أن ننظر إلى المؤسسات الدستورية على أنها ملك للمجتمع، ويجب أن نعمل على إصلاحها من الداخل. وهذا يستوجب من الجمعيات السياسية الانخراط في العملية السياسية والاستفادة من المجلس النيابي لكونه منبرا من المنابر المتاحة للعمل السياسي، من هذا المنبر يمكن طرح مختلف القضايا للنقاش وطرح المطالب والترويج لها سلميا وفق ما قرَّره الدستور. لا يمكن أن يكون هناك عمل سياسي من خلال الشارع وحده.
تعيش البحرين اليوم مرحلة جديدة تشتد فيها الحساسيات وترتفع الأصوات المتصلبة والمتشددة، ويعلو الغلو الديني والآيديولوجي، ويخفت فيها صوت العقل والتعقل والحلول التوافقية والبناء التدريجي لحياة سياسية تلبي مصالح مختلف الفئات و«الأطراف». لم يعد مقبولا أن ينتشر الإرهاب والتخريب بحجة أن هناك حاجة إلى إصلاحات سياسية.
طريق الإصلاح -متى ما تم الاتفاق على الثوابت الوطنية من ميثاق ودستور ونظام حكم- سيكون مفتوحًا من خلال المجلس النيابي على الرغم من بعض الملاحظات على أدائه في الوقت الحاضر، ومن خلال الصحافة ومن خلال المنابر السياسية الشرعية.
الحاجة إلى الإصلاح تتطلب عقلانية تجمع المجتمع على مشتركاته وقضاياه المهمة والكبيرة، فالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وفتح فرص عمل ورفع مستوى المعيشة بشكل عام تتطلب مناقشة على مستوى المجتمع وإصرارا من الجميع. هذا لا يتم في ضوء الانقسام الذي تغذيه وتعمقه الممارسات الطائشة والصبيانية والعبث بأمن المجتمع، هذا يؤدي فقط إلى تصلب المواقف ورفض الحلول العقلانية وزيادة التشرذم المجتمعي. إن ما يحدث اليوم من أحداث عنف يضر بالمجتمع، ليس فقط من حيث التشظي ولكن كذلك من حيث الحاجة إلى إعطاء أولوية لمتطلبات الإنفاق الأمني على حساب المصالح الأخرى مثل التعليم والصحة والإسكان. فكيف السبيل إلى مراجعة ذلك؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *