نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. رفع الدعم أم دخول الخليج في حقبة ما بعد النفط؟

  تاريخ النشر :٢٦ أغسطس ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- رفع الدعم وانخفاض عائدات النفط يمكن اعتبارها فرصة للخروج من حقبة النفط الى ما بعدها وما يتطلبه ذلك من تحولات 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13669/article/39292.html

 اتخذت الدولة قرار رفع الدعم، أما متى يتم تطبيقه فهو أمر ثانوي. الإشكالية الحقيقية هي أن القرار اتخذ بصورة توحي بأن رفع الدعم هو قضية منفصلة عن سياقها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي. مع ان الخطوة في نهايتها المنظورة تعيد تعريف العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة وتثير بعض الأسئلة المبدئية، أولها، لماذا نبدأ برفع دعم الأغذية والتي لا تمثل سوى 5% من ميزانية الدعم، بدلا من الغاز الذي يمثل 47%؟ ثانيا: ما هو التأثير المباشر وغير المباشر على مستوى معيشة المواطن؟ أي، هل يمكن حصر آثار رفع الدعم ومنعه من الوصول الى جيوب المواطنين؟ رفع الدعم سوف يرفع كلفة العامل الأجنبي على الشركات. والتاجر سوف يمرر التكلفة الى المواطن وسيجد الوسيلة لذلك ولن تجدي مراقبة الأسعار التي تعد بها الدولة. وفي النهاية فإن المواطن المحدود الدخل هو الذي سيدفع نسبة كبيرة من رفع الدعم بشكل مباشر وغير مباشر.

 بالإضافة الى ذلك فإن رفع الدعم يطرح أسئلة مهمة حول التحول في النظام الاقتصادي وعلاقة الدولة بالمواطن. أي اننا بصدد بداية تحول في العلاقة الريعية بين الدولة والمواطن والتي هي أساس العقد الاجتماعي غير المكتوب. الدعم الحكومي اليوم يمثل صورة من صور توزيع الثروة، أي انه جزء من نصيب المواطن في هذه الثروة. ورفع الدعم التدريجي يعتبر اخراج المواطن من استحقاقاته في الثروة ولن يبقى له سوى ما يتقاضاه من راتب، بالنسبة إلى المواطن العامل، ومعونات بسيطة بالنسبة إلى العاطل او المتقاعد. وبالتالي فإن رفع الدعم يمكن اعتباره ضريبة غير مباشرة تقتطعها الدولة من نصيب المواطن من الثروة. وفي ضوء ذلك فإن هذا يفرض نمطا جديدا في التعامل مع الثروة ويفرض شفافية وإفصاحا عن جميع الميزانيات والمخصصات لكي يطمئن المواطن ولا ندخل في تكهنات تخل بتوازن المجتمع. أي اننا بصدد الدخول في عقد اجتماعي جديد يفرض تحولا في القيم المجتمعية وفي العلاقات بين المجتمع والدولة، يستند على الشراكة المتساوية في المسئولية والحقوق وما يتبع ذلك من حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية. انها بداية مرحلة جديدة من العلاقات، تتطلب ذهنية مختلفة وأسلوب إدارة مغاير لما كان سائدا. وبالذات فيما يتعلق بتوزيع الثروة وما يتبعها من ضرائب وتأثيرها على المشاركة السياسية والمحاسبة الفاعلة. 

 بعيدا عن تفاصيل التعويض الذي سوف تقدمه الحكومة فإننا نعتقد انه ينبغي النظر الى قضية رفع الدعم ضمن سياق الحقبة النفطية والمؤشرات التي توحي ببداية نهايتها. تدني أسعار النفط الى ما دون الخمسين دولارا، وزيادة انتاج الدول التي كانت شبه خارجة من دائرة الإنتاج مثل العراق وإيران وليبيا بالإضافة الى تقدم التكنولوجيا في استخراج النفط الصخري والرملي، واعتماد عدد كبير من الدول على الطاقة البديلة في انتاج الكهرباء، والتطور في صناعة السيارات لتحويلها الى الكهرباء. جميع هذه المؤشرات توحي بقرب نهاية حقبة سيطرة الدول المنتجة على سوق الطاقة وتحكمها في أسعارها. وبالتالي فإنه لا يمكن الاعتماد على إيرادات نفطية عالية لتغطية الحياة البذخية، والرفاه لبعض المواطنين.

 دول الخليج دخلت حقبة النفط ولم تكن مستعدة لذلك ولم تمر بمراحل التطور الطبيعي للمجتمع وللاقتصاد. تم حرق المراحل بالطفرة النفطية. أضر ذلك بالمجتمعات الخليجية وبنموها الطبيعي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، خلف ذلك اعتماد شبه تام على العمالة الأجنبية وعلى إيرادات النفط. الثراء السريع فاقم من الاعتماد على العمالة الوافدة واختلال التركيبة السكانية وما تبعه من اختلال في هيكل العمالة. تغيير نمط الحياة رفع مستوى تطلعات الشباب الى حياة أفضل ووظائف مجزية ورواتب عالية، في بداية الطفرة تمكنت الدول توفيرها لكنها تعجز الآن عن تلبية هذه التوقعات. 

 لم تخلق دول الخليج بيئة إنتاجية، بل خضعت الى اغراءات البذخ والاستثمار الاجتماعي، استثمرت في البنى التحتية والسكن وشبكات الكهرباء والماء ونظام صحي وتعليم لا يخدم متطلبات الإنتاج. جاء ذلك على حساب الاستثمار الإنتاجي في البشر وفي الإنتاج الصناعي وفي البحث العلمي. استقدمت الايدي العاملة الرخيصة لزيادة اتكال المواطن على الأجنبي في العمل وفي البيت وفي تقديم معظم الخدمات. أصبح المواطن عالة على المجتمع، والمجتمع بكامله عالة على الدولة والدولة رهينة لتقلبات النفط. النتيجة تحجيم الطاقة الإنتاجية للمجتمع وعزوف المواطن عن خدمة نفسه.

 يمكن اعتبار رفع الدعم فرصة (ربة ضارة نافعة) لإحداث تحول نحو مجتمع مختلف تسوده علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية تناسب المرحلة. تقف منطقة الخليج على اعتاب حقبة ما بعد النفط وينبغي ان نفكر مليا وشموليا في حلول تعالج تداعيات هذه الحقبة ومتطلباتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. هذا يعني دراسات معمقة في كيفية الانسحاب المنظم من هذه الحقبة التي شوهت مجتمعاتنا واقتصادنا وتنميتنا. دخلت منطقة الخليج حقبة النفط من دون استعداد لها فعانت اقتصادياتها ومجتمعاتها من المشاكل المصاحبة لحرق المراحل. دعونا لا ندخل حقبة ما بعد النفط من دون أن نكون مستعدين لها. لنجعل انسحابنا منظما محسوب العواقب، لنجتاز المرحلة بأقل الخسائر. لذلك نرى أننا في حاجة ماسة الى التفكير في اصلاح شامل وليس رفع الدعم بشكل مجتزأ ومستقل عن أي إصلاحات جذرية في البنية الاقتصادية والعلاقات السياسية والمجتمعية. لا توجد خيارات أخرى مأمونة. لا يمكننا العودة الى ثقافة وتقاليد القبيلة التي شوهتها حقبة النفط، ولا يمكن الاستمرار في الوقوف على اعتاب الحداثة. دعنا نتفادى مثل هذا المصير ونخطط لانسحاب منظم من حقبة النفط وننتهز الفرصة للإصلاح الشامل، قبل ان يفرض علينا انسحابا عشوائيا كما دخلناها عشوائيا. 

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *