نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

ارتفاع الدين العام اصبح مرض مزمن ومؤشر على فشل سياسات تنويع مصادر الدخل والتنمية فما هو الخيار؟ هل الضرائب ام الشفافية والإفصاح عن دخل البلد؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13513/article/12989.html

الدين العام هو مصدر من مصادر الإيرادات العامة تلجأ الدولة إليه لتمويل نفقاتها العامة عندما تعجز عن توفير إيرادات أخرى فتقترض إما من الأفراد وإما من هيئات داخلية أو دولية وإما من دول أجنبية. تقترض الحكومات لأسباب متعددة، منها تمويل الاحتياجات المؤقتة في عجز الموازنة. بالرغم من كونه مصدر خطر وغير مستدام لتمويل عجز الموازنة، الا ان كثيرا من الحكومات تفضل تحمل عبء الدين العام بدلا من خفض الإنفاق أو رفع الضرائب خوفاً من التبعات السياسية لهذه القرارات.

هذا بالنسبة للدول التي تعتمد حكوماتها على الضرائب لتمويل الموازنة العامة، أما في دول الخليج التي تعتمد على إيرادات النفط فإن القضية تصبح أكثر خطورة، لأن الانتعاش الاقتصادي في هذه الحالة سوف يعتمد فقط على سعر النفط وليس على إنتاجية وتنافسية اقتصادها. وفي الحالتين فإن ذلك يعرض الدولة لأعباء خدمة الدين من أقساط وفوائد، الأمر الذي يؤثر على حجم الإنفاق على مجالات التعليم والصحة والأجور وباقي المجالات المتعلقة بتحسين سبل المعيشة والاستثمار وأداء مؤشرات التنمية البشرية في المجتمع، وبالتالي فهو يؤدي إلى انكماش في الناتج المحلي على المدى المتوسط والبعيد، لذلك يحمل الدين العام مخاطر تهدد استقلالية الدولة وقرارها السيادي والاقتصادي.

بالنسبة لنا في البحرين، يعرض حاليا على مجلس النواب مرسوم بقانون يخول وزير المالية برفع الدين العام إلى سبعة مليارات دينار. اوصت اللجنة المالية برفض المرسوم لعدة أسباب، منها ان ارتفاع سقف الدين العام سوف يؤثر على التصنيف الائتماني للبحرين ويرفع سعر الفائدة، ويؤثر ذلك على الدينار، وأن صفة الاستعجال غير متوفرة في المرسوم. فهل سيمرر المجلس هذا المرسوم؟ والاهم هل الاقتصاد البحريني يتحمل زيادة الدين العام على مستواه الحالي البالغ 5,6 مليارات بعد ان كان في 2009 مليار وثلاثمائة مليون؟

حذر البنك المركزي من مغبة زيادة الدين العام كما ان أسئلة أخرى تتبادر إلى ذهن المواطن منها هل نحن بحاجة إلى الاقتراض؟ وفي أي الوجوه سوف يصرف؟ وما هي قدرتنا على السداد؟

تقدير مدى الحاجة للاقتراض يتطلب قدرا كبيرا من الشفافية والإفصاح عن الدخل العام للدولة، وفي أي الوجوه تصرف الموارد، وما هي نسبة الموازنة العامة من هذا الدخل؟ هناك الكثير من غياب المعلومات، فمثلا فيما يتعلق بحساب شركة بابكو الذي مازال مدموجا في الحساب الختامي للحكومة، ناهيك عن دخل شركات ممتلكات ومساهمتها في الموازنة العامة والمخصصات التي تصرف خارج الموازنة العامة.

إن اتخاذ قرار الاقتراض يتطلب مشاركة المجتمع لكي يتحمل المسؤولية مع الحكومة، ولكن في ظل نقص المعلومات المالية وكيفية توزيعها وصرفها فإن المجتمع لا يشعر بأنه معني بالدين العام ولا يمكن مطالبته بتحمل المسئولية والعبء المستقبلي. هذا من الجانب السياسي.

أما من الجانب الفني الاقتصادي فإن الشفافية تتطلب وجود قانون الدين العام واستراتيجية للتعامل معه، وجهات مختصة لتقييم التكاليف والمخاطر واتخاذ قرارات الاقتراض، وبيان أهداف وسياسات إدارة الدين العام. الحكومة مطالبة بنشر هذه المعلومات، فلا يعقل ان يطالب المجتمع بالتضحية وتفهم إجراءات التقشف ورفع الدعم في ظل وجود مثل هذا النقص في المعلومات.

السؤال الآخر يتعلق بكيفية استخدام القروض. من حديث وزير المالية فإن القروض سوف تستخدم لتمويل العجز في الموازنة وبحسب حاجة الحكومة «للكاش» طالما ظلت أسعار النفط تحت 140 دولار. أي ان الاقتراض في الغالب هو للاستهلاك وليست القروض للاستثمار، وبشكل مستدام وليس إجراء مؤقتا. قد يكون ذلك مقبولا على المدى القصير، كذلك يمكن ان يكون مقبولا لو كان هناك في الأفق ما يشير إلى حدوث تغيير في هيكلية الاقتصاد وإمكانية تنويع مصادر الدخل، لكن في ظل غياب ذلك فإن الاقتراض يزيد من مخاطر عدم القدرة على السداد.

وهذا يجرنا إلى السؤال الثالث وهو هل اقتصادنا قادر على السداد في ظل اعتماده على النفط؟ تركز الحكومة والنواب على نسبة الدين العام من الناتج المحلي، ويقول وزير المالية ان النسبة مازالت مقبولة عالميا. لكن المهم ليست النسبة من الناتج المحلي، بل متانة وتنوع الاقتصاد هو الذي يمنحه القدرة على السداد. فمثلا الدين العام الأمريكي يفوق 100% من الناتج المحلي، واليابان 233% وكثير من دول العالم الصناعية والمنتجة تتحمل ديونا عامة عالية النسبة. لكن في المقابل هذه اقتصاديات منتجة وتصدر بضائع وخدمات وميزانها التجاري عادة بالموجب من جراء عملية التصدير.

بالنسبة للبحرين فقد بلغت كُلفة القروض ما يقارب مائتين ومليون دينار سنويا ومرشحة للزيادة، وهذا مبلغ كبير يؤثر على التنمية ويفاقم من الدين العام. وقد يضطر الدولة إلى فرض مزيد من الرسوم والضرائب المبطنة وتُعَرِّض الاستقرار للخطر. زيادة الدين العام في هذه الحالة سوف يقلل من فرص الاستثمار والتنمية مما يفاقم العجز في الميزانية ويجعل الاقتراض أكثر الحاحا طالما بقي النفط تحت 140 دولار، أي اننا ندخل في حلقة مفرغة تزيد الحاجة للاقتراض ولن يجدي وضع سقف لأن مواجهة الواقع سوف تفرض تجاوز هذا السقف تحت الكثير من المبررات. بالإضافة إلى ذلك فإن قضية عدم ترشيد الإنفاق من المال العام التي وردت في تقارير ديوان الرقابة تزيد الوضع سوءا. هذا يقودنا إلى الحاجة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية تمثل حلا دائما يتم من خلالها تعزيز الشفافية وكسب ثقة المجتمع ومشاركته في تحمل المسئولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *