نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. زيارة جلالة الملك إلى اليابان وطموحاتنا التنموية

تاريخ النشر : الأربعاء ١٨ أبريل ٢٠١٢

بقلم: د.محمد عيسى الكويتي 

استيراد التكنولوجيا من اليابان دون وجود الارضية لزراعتها في #Bahrain هو فشل قبل ان نبدأ موضوع مقالنا هذا الاسبوع http://www.akhbar-alkhaleej.com/12444/article/20037.html 

زيارة جلالة الملك إلى اليابان تم الاتفاق فيها على «إنشاء مؤسسة علمية يابانية في البحرين تقدم برامج علمية وتكنولوجية لتدريب أبناء البحرين للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة. ما ذكر في الصحافة لا يُظهر تفاصيل ونوعية هذا التعاون وأهدافه. غير ان انشاء مؤسسة علمية وتكنولوجية يطرح عددا من التساؤلات أولها : ما نوع هذه المؤسسة وما هو الغرض من انشائها؟ يشير الخبر إلى ان الغرض هو «تدريب أبناء البحرين للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة». فهل هذا هو الغرض الوحيد ام هناك اغراض اخرى أكثر طموحا وتطلعا؟ 

عقد في بداية هذا الشهر المؤتمر العربي الدولي الثاني لجودة التعليم في مملكة البحرين خرج بتوصيات احدها «تنشيط الشراكة البحثية بين الجامعات وسوق العمل بما يحقق عائدا اقتصاديا للطرفين». كما ان مجلس التعليم العالي يعمل على وضع استراتيجية البحث العلمي مستندة إلى استراتيجية التعليم العالي التي هي «تلبية الاحتياجات الوطنية وخدمة التنمية الشاملة». فالى اي حد ستؤثر هذه الزيارة في هذا التوجه؟ 

عودة إلى خبر زيارة جلالة الملك وإنشاء مؤسسة علمية تكنولوجية نجد ان الكلمة الرئيسية هي «الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة». فاذا كان هذا هو الهدف فنعتقد باننا لن نتمكن من تحقيق الغاية في جعل العلم رافدا للاقتصاد وطريقا للتنمية. فالاستفادة من العلم والتكنولوجيا الحديثة تعني استخدام ما هو متوافر من علوم وتكنولوجيا مستوردة من اليابان او من الغرب في عملنا وحياتنا، وهذا لا يختلف كثيرا عن توجهات عملت على اساساها الدول العربية منذ .1914 لكننا نعتقد ان التحركات الاخرى التي حدثت خلال هذا الشهر وما نتج عن زيارة جلالة الملك قد يغير الامر ويحقق نتائج افضل متى ما توافرت الارادة ووُضعت رؤية طموحة للتنمية يكون البحث العلمي مرتكزا اساسيا لها. نتمنى ألا يكون الطموح دون ذلك والا فان جهودنا وتحركاتنا لن تختلف عن الجهود العربية منذ نهاية الحرب العالمية الاولى التي لم تثمر في نقل الامة العربية إلى امة علمية ومنتجة.

في هذا المقام نجد انه من المناسب إلقاء الضوء على بعض جهود نقل العلم والتكنولوجيا وتسخيره في التنمية في دولنا العربية. بدأت التحركات في مصر، ففي 1914 كانت تجرى دراسات للطاقة البديلة، تُوجت الجهود في 1939 بانشاء مركز فؤاد الاول القومي للبحوث واستمر هذا النشاط إلى ان بلغ عدد المتدربين في 1952 في مجال البحوث 1396 باحثا كثيرا منهم تخرج في مصر، وهذا العدد يضاهي ماهو متوافر في دول غربية كثيرة. غير ان المشكلة لم تكن في وجود الباحثين بقدر ما كانت في وجود المؤسسات العلمية القادرة على رفد الجهود في منظومة انتاجية. 

وعلى مستوى باقي الدول العربية فمنذ 1963 وهي تحاول جاهدة ان تلحق بركب الحضارة الحديثة والثورة العلمية وتسخير العلم والتكنولوجيا لخدمة الانسان بمساعدة الامم المتحدة من خلال اليونسكو. في 1976 عقد مؤتمر في الرباط لمتابعة قرارات الوزراء العرب لتسخير العلم والتكنولوجيا في التنمية بحضور الوزراء المعنيين وخرج بمبادئ اهمها:

(1) تصميم الامة العربية على اعتماد العلم والتكنولوجا في التنمية الاقتصادية.

(2) ان التنمية العلمية والتكنولوجية ضرورة ملحة للتقليل من الفروق الطبقية في المجتمع الواحد او الفروق بين الدول والقوى الاقتصادية والسياسية.

(3) ان الوطن العربي يملك القدرات والطاقات البشرية والمادية تمكنه من مواجهة التخلف والقضاء على الفقر والجهل والتحرر من التبعية. وبالرغم من مرور اربعين عاما على عقد هذا المؤتمر مازالت الامة العربية تعاني التخلف والفقر والجهل والتبعية. 

ويرى كثير من المحللين الاقتصاديين ان دول الخليج تتحرك باتجاه تغيير السياسة الاقتصادية القائمة على الانفاق النفطي نحو تنويع مصادر الدخل واستخدام ايرادات النفط في استثمارات صناعية وتقنية حديثة. غير ان هذا الحراك لم تظهر بوادره بعد ومازال يدور في فلك الانتاج النفطي ويعتمد على تكنولوجيا مستوردة لا تلتزم بنقل هذه التكنولوجيا. ان النمو الاقتصادي المطلوب في عصر العولمة يحتاج إلى وضع سياسة علمية تهدف إلى انتاج معرفة وتكنولوجيا محلية وخليجية وسخاء في التمويل. كما يحتاج إلى اقامة تكتلات عربية اقليمية لصناعات محلية بحماية محسوبة وليس انفتاحا وحرية اقتصادية واشنطونية كما يريدها الغرب.

حاول المعهد العربي للتخطيط (17 مارس 2012) المساهمة في صياغة مثل هذه السياسات تحت عنوان «السياسات الصناعية في ظل العولمة». ينطلق المعهد في وضع رؤيته على ان سياسات الحماية غير متاحة الآن من دون عواقب، وبالتالي يصبح الخيار الاول والاهم هو تطوير القدرات العلمية والتقنية في البحث والتطوير والابتكار من اجل الحصول على فرص المنافسة. 

النتيجية المؤلمة هي ان التحركات في معظمها كانت تفتقر إلى مقومات النجاح التي يمكن ان تمنحها فرصة لتكون رافدا اقتصاديا. ولكي تكون تحركاتنا موفقة وناجحة علينا ان نتعلم من دروس التجارب السابقة. في دراسة للدكتور انطوان زحلان بعنوان «العلم والسياسة العلمية في الوطن العربي» يحدد بعض اسباب فشل جهود الاستفادة من العلم والتكنولوجيا في التنمية اهمها غياب البيئة والثقافة العلميتين، اعتماد متخذي القرار على عدد صغير من المستشارين، وصول اشخاص إلى مركز اتخاذ القرار عن غير حق، تسييس المهن وتحويل المختصين إلى اناس يعطون موافقتهم من دون نقاش، وضعف الحرية الفكرية وسهولة إرهاب المفكرين والعلماء العرب.

وفي بحث لكاتب هذا المقال حول حالة البحث العلمي في البحرين توصل إلى نتيجة مفادها ان احد اهم اسباب تخلف البحث العلمي وقدرته على رفد الاقتصاد هو ضعف الارادة السياسية والتمويل الرسمي وعدم وجود عمل مؤسسي منظم مسئول عن وضع السياسات والاستراتيجيات البحثية وربطها بحاجة السوق وحاجة المواطن. لذلك فاننا نتفاءل بجهود جلالة الملك في تغيير هذا الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *