نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  سمو ولي العهد والبحث عن القواسم المشتركة 

تاريخ النشر : الأربعاء ١٦ مايو ٢٠١٢

بقلم: د.محمد عيسى الكويتي 

التعديلات الدستورية مالها وما عليها – ولي العهد والبحث عن القواسم المشتركة في البحث عن معادلة اعادة الثقة بين البحرينيين 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12472/article/26116.html

التعديلات الدستورية الاخيرة خطوة هامة على طريق حل الازمة في البحرين وقد ترك جلالة الملك الباب مفتوحا للحوار والمصالحة الوطنية على أسس من العدالة والاستدامة والاحترام لحقوق الجميع والتعامل مع التوجسات والمخاوف التي نتجت او أُنتجت في الاحداث المؤسفة والتوصل إلى حلول أكثر قدرة على تلبية طموحات الشعب الذي يرى أنه يستحق حياة أفضل. 

بهذه الخلفية نرى جهود سمو ولي العهد في التحرك شرقا (كوريا) وشمالا (امريكا) في بحث حثيث لانعاش الاقتصاد الذي اصيب في مكامن جعلت بعض المؤسسات تتراجع انشطتها .

حديث سمو ولي العهد وتصريحاته المنشورة تعطي أملا للسعي لايجاد صيغة توافقية تُخرج البلاد من أزمتها، وتنم عن ادراك منه بان علاج الاقتصاد ليس في هذه الزيارات ولكن بيد عقلاء الامة في البحث عن القواسم المشتركة وتحقيق نهضتهم وتطورهم الحقيقي بدءا بايجاد الحل السياسي الذي يؤمن الاستقرار.

يقول سمو ولي العهد في زيارته إلى أمريكا انه «لا يمكن التوصل إلى حل للوضع الداخلي في البحرين من دون البحث عن القواسم المشتركة من أجل التوافق على مستوى واسع واذكاء روح التفاهم والتقارب لدى كل الاطراف لما فيه مصلحة الوطن». فكيف يتم ذلك في ظل رفض كل جهة التحدث مع الجهة الاخرى؟ ويضيف سموه بان «المسئولية في التوصل إلى القواسم المشتركة تقع على من هم في مواقع المسئولية في الدولة والمجتمع للقيام بدورهم في التوعية بضرورة التمسك بالعقلانية». فمن هم هؤلاء الذين في موقع المسئولية ولماذا يختبئون خلف ستار من المصلحة الوطنية، اوما تبثه مختلف الاطراف الدينية والسياسية والاعلامية نحو الآخر المختلف؟

المسؤولية تقع على جميع الاطراف، وايجاد القواسم المشتركة تتطلب وضع كل طرف نفسه في موقع الآخر لكي يدرك مدى قدرات كل طرف على تجاوز الازمة وتقديم التنازلات التي تضع علاجا للقضايا الرئيسية التي اوصلتنا إلى هذا الوضع. المجتمع يعاني مشاكل حقيقية يستطيع اي مواطن ان يسرد أَشعارا منها، وما لم نتعاون على ايجاد حلول حقيقية لهذه المشاكل ويترفع الجميع عن تحقيق مكاسب ضيقة او امتيازات فسوف نخسر جميعا. زيارة سمو ولي العهد إلى كوريا تجعلنا نسترجع كيف نجحت شعوب شرق أسيا في سباقها ضد الفقر والجهل والتخلف، وتسامت فوق خلافاتها القومية والعرقية، وهي تسير الان نحو الريادة وقيادة العالم. كوريا الجنوبية التي تعيش تحت تهديد مستمر من جارة تهددها بالغزو، وجارة اخرى كبيرة تختلف عنها ايديولوجيا وعرقيا وبينهما عداوات تاريخية، وبالرغم من هذه التحديات صنعت نهضة علمية صناعية ونظاما سياسيا ديمقراطيا حفظ للناس حقوقها فاصبح دخل الفرد فيها يصل إلى مصاف الدول الاوروبية. 

كذلك مرت كوريا الجنوبية داخليا بتقلبات وانقلابات عسكرية منذ عام 1961 استولى على الحكم واستمر عامين تحول بعدها إلى الجمهورية الثانية برئيس منتخب وضع اول خطة تنموية خمسية في 1962-.1966 انطلقت البلاد نحو الحداثة والعلم والتصنيع والتصدير القائم على الثقة في المجتمع وتعزيز قيم الانتاج والعمل الجماعي فاحدثت الطفرة الهائلة في التقدم العلمي والاقتصادي. عوامل ثقافية وسياسية ساهمت في إجاد هذا المناخ المؤاتي للتقدم والانتاج منها التجديد الدائم في الفكر والقيادات لضخ دماء جديدة متجددة تلتزم بالقوانين، وتعمل على تحقيق الثقة بين فئات المجتمع وتنبذ الشك في الآخر وفي النيات. استطاعت بذلك ان تحافظ على نسيج اجتماعي تعاوني تكافلي صنع ثورته العلمية وجنى ثمارها الاقتصادية والتنموية. 

لا شيء يدمر المجتمع اكثر من زعزعة الثقة في مكوناته وإيجاد مشكلة لا يمكن تجاوزها بمجرد الحديث عنها بل تحتاج إلى مشاركة القوى المؤثرة في علاجها. ودعوة سمو ولي العهد للبحث عن القواسم المشتركة هي دعوة يجب التمسك بها والعمل على اساسها لزرع الثقة التي فُقدت. يغذي ازمة الثقة نكران كل طرف لأي مسئولية عما حدث، وعدم الاقرار باخطائه وهفواته وسلبياته التي عززت هذه الجفوة بين الاطراف ومنعت اي نوع من الحوار المفضي إلى نتائج. تراجعت الثقة بين مختلف فئات المجتمع في مقابل الشك والتوجس والريبة .

حول الثقافة العربية وازمة الثقة التي تتولد بين مكونات المجتمع، يقدم الدكتور سالم ساري في كتاب «الثقافة العربية واسئلة التنمية والتحديث»، مشروع «تمكين ثقافي» يُخرج المجتمعات من ازمة الثقة. المشروع المقترح يعتمد على اربعة تحولات لعلاج هذه الحالة المتجذرة من عدم الثقة وهي: اولا الحرية في مقابل السلطوية، ثانيا نشر المعرفة في مقابل الامتلاك المادي لها، ثالثا: العمل في مقابل الاعتماد على الحظوة والواسطة، رابعا العمل الجماعي في مقابل العمل الفردي. اي اننا نحتاج إلى ان نبدأ تحولات ثقافية تغيربعض المفاهيم في ادارة شئون المجتمع والنهوض به نحو التقدم والازدهار، تقوم على العمل الجماعي لبناء رأس مال مجتمعي يحقق نهضة شاملة وليست نهضة عمرانية او مالية تتوقف مع تدفق النفط. وهذا يتطلب فكرا مختلفا وتناولا جديدا وروحا جديدة وعقلية منفتحة تستطيع ان تعمل مع الآخر المختلف من أجل الجميع ليعود الخير على الجميع. هذا التمكين الثقافي يتطلب تحريك المخزون القيمي الديني والعقلي الذي تمتلكه النفس البحرينية لتتغلب على الترسبات التاريخية التي غرسها التطرف الديني. المسئولية كما قال سمو ولي العهد تقع على عاتق عقلاء القوم في حث الدولة والجمعيات السياسية الكبيرة قبل الصغيرة لبدء الحوار وكسر الجمود والتسامي فوق العواطف والشكوك الفردية وآثارهما المدمرة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *