نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. سوق العمل – البحريني الخيار المفضل

هل أصبح البحريني الخيار المفضل في سوق العمل؟

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٧ مايو ٢٠١٧ – 03:00

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1073226

في بداية الشهر الحالي وبمناسبة يوم العمال العالمي الموافق اول مايو تم تنظيم لقاء جمع وزير العمل مع نخبة من الاقتصاديين والمهتمين بالشأن العمالي. حاول المشاركون التعاطي مع شعار “البحريني الخيار المفضل ” والذي ورد في الرؤية 2030. والفرضية التي بدأت بها الندوة هي ان البحريني لم يعد الخيار المفضل ولم يتمكن من اختراق سوق العمل بالشكل المتوقع في الرؤية ومازالت هناك الكثير من المعوقات التي ينبغي الاهتمام بها لجعل البحريني الخيار المفضل.

كذلك في نهاية ابريل الماضي عقدت احدى الصحف المحلية لقاء مع وكيل وزارة العمل الاستاذ صباح الدوسري تناول فيه موضوع العمالة والتوظيف ومكانة البحريني في سوق العمل والمشاكل التي يواجهها. 

من حديث الوزير يتضح ان الوزارة ترى ان مستوى البطالة في حدود 4% هو حد ليس فقط مقبولا ولكنه مطلوبا. من الغريب ان يكون هذا اعتقاد الوزارة في الوقت الذي نجد ان هناك تخصصات عالية مثل طب الاسنان وممرضات ومهندسين ومحامين ومحاسبين عاطلين عن العمل. قد تكون مثل هذه النسبة مقبولة في اقتصاديات انتاجية لتحاشي التضخم، وليس في  سوق عمل يشتمل على نصف مليون عامل اجنبي مثل السوق البحريني. في هذه الحالة لا توجد بطالة بحرينية مطلوبة. ومع ذلك نوافق الوزير في ان التحدي الذي تواجهه وزارة العمل كبير جدا ليس فقط بسبب حساسية المهمة ولكن كذلك بسبب تحميل وزارة العمل مسئولية توظيف العاطلين في الوقت الذي هي لا تملك مفاتيح الحلول. الحل الشمولي يكمن في خلق فرص عمل مجزية وهذا ليس من اختصاص وزارة العمل بل من صلب مسئولية الحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية.

تبين الاحصاءات ان معظم العمالة الاجنبية متركزة في قطاع الانشاءات، والتي لا يقبل عليها المواطن. ماذا يعني ذلك؟ كيف يمكن لقطاع واحد ان يطغى على كل القطاعات الاخرى بهذا الشكل سوى في اقتصاد مشوه؟ وهذا مدخل اخر للقول بان وزارة العمل ليست الجهة المناسبة للتعامل مع كثرة تواجد العمالة الاجنبية وانما هي مسئولية الحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية. يقول الوكيل بان الوزارة والهيئة تركزان على الوظائف التي يمكن للمواطن الاقبال عليها ضمن هذا القطاع مثل الادارية والمحاسبة. 

في هذه المقابلة قدم وكيل وزارة العمل صورة قاتمة الى حد ما ولكنها صريحة ومفيدة للتحليل والبحث عن خيارات. فمثلا يقول بان 80% من البحرينيين يتجهون نحو تخصصات اكاديمية متشبعة لا تتيح فرص عمل ورواتبها متدنية، 400 دينار لخريج الجامعة في هذه التخصصات. بينما الاقبال على التخصصات الفنية لا يتجاوز 20% مع ان رواتبها تزيد عن 600 دبنار. كذلك بين وكيل الوزارة ان هناك 22 الف بحريني تقل رواتبهم عن 300 دينار اي يشكلون مع عائلاتهم حوالي 17% من المواطنين البحرين، او 14% من العمالة البحرينية في القطاع الخاص. لمعالجة ذلك يرى الدوسري ان الحل يكمن في التدريب المهني لتاهيل البحريني لشغل وظائف فنية برواتب مجزية. عزوف البحريني عن المهن الفنية يعكس ثقافة مجتمعية بدوية تنبذ المهن وتترفع عن العمل اليدوي بشكل عام. تماما كما كان الاعيان والنبلاء في اوروبا في العصور الوسطي قبل 500 سنة.

وزارة العمل سوف تقدم مقترحات لاستهداف المهن الادارية واقتصارها على البحرينيين في الشركات الكبيرة والمتوسطة، مثل تخصصات الموارد البشرية والمحاسبة. استهداف تخصصات المهن البشرية وبحرنتها يسهل عملية التوظيف الاخرى. فقد اتضح ان هيمنة الاجانب على اقسام الموارد البشرية يحرم البحرينيين من فرص التوظيف وتذهب الى الاجانب. وحسب وزارة العمل فان هذه التخصصات يمكن ان توفر ما يقارب 25 الف وظيفة للبحرينيين. والوزارة تعمل مع هيئة سوق العمل على تنفيذ هذا المقترح بعد دراسة المهن الاخرى التي يمكن التعامل معها بنفس الاسلوب. تطبيق ذلك اسوة بالسعودية والامارات يحتاج الى سن تشريعات لتنظم العملية. هذا يعنى ان مثل هذا الحل سوف يستغرق وقتا طويلا قبل اقرار التشريعات اللازمة ووضع لوائح التنفيذ، ونامل ان لا تطول المدة قبل تنفيذه.

في الجانب الاخر نجد ان هناك عزوف لدى التجار من توظيف البحريني. احد الاسباب هو تدني رواتب الاجانب. ونتسائل هل يمكن معالجة ذلك بشكل منفصل في البحرين ام انه ينبغي ان يتم من ضمن الاتحاد الخليجي بسبب ترابط سوق المجلس والمنافسة بين الشركات؟ 

ورد اكثر من مرة في حديث الوكيل بان الوزارة تعتمد على الحس الوطني في اقناع صاحب العمل بتوظيف بحريني. هذا مناقض لابسط قواعد الاقتصاد والطبيعة الانسانية. يقول ادم سميث في كتابه ثروة الامم (1776)، “اننا لا ننتظر عشاءنا من الخباز والقصاب اعتمادا على انسانيتهم وطيبتهم وكرمهم، وانما لان ذلك يرضي طمحهم في المصلحة الشخصية والربح”. لا يمكن لاي نظام او قانون ان يعتمد على النوايا الحسنة او الحس الوطني او الانسانية. في الاقتصاد القوانين يجب ان تنبع من مصلحة مادية ومن محفزات تدفع في اتجاه المصلحة الوطنية العامة ومن قيود وعقوبات تمنع استغلال المناصب والمراكز للاثراء. 

بالاضافة الى جهود وزارة العمل وتمكين وهيئة سوق العمل البحرين بحاجة الى خلق فرص عمل حقيقية برواتب مجزية تتجه نحو الاقتصاد المعرفي كما ورد في الرؤية وليس فقط حصر الموجود. ما تقوم به وزارة العمل هو جهد كبير تشكر عليه ولا تستطيع القيام باكثر من ذلك. اما خلق فرص العمل فهي مسئولية جماعية تتحملها الحكومة ممثلة في جميع وزاراتها ومجلس التنمية الاقتصادية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *