نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. سيادة القطرية ومعوقات التنمية

تاريخ النشر : 14 اغسطس  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في المقال السابق (5 اغسطس 2009) تحدثنا عن تقرير التنمية البشرية الذي صدر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي وتطرقنا الى احد معوقات التنمية وهو فقدان التناغم بين مكونات المنظومة المجتمعية واحتمال وجود انفصال بين النظام الحاكم والمجتمع في المنظومة الاجتماعية مما يجعل التنمية المستدامة غاية يصعب تحقيقها. في هذا المقال سنناقش معوقات اخرى تعيق عملية التقدم وتحقيق اهدافنا التنموية. 

المعوق الثاني للتنمية يتعلق بعجز الدول العربية والخليجية على ايجاد تكتل اقتصادي خليجي وعربي يحقق مزايا السوق الكبيرة التي تسمح بالاستثمار في المعرفة والصناعات والخدمات وتجعلها مجدية اقتصاديا. فقد اصبح أهمية وجود سوق عربية مشتركة وسوق خليجية لاحداث تنمية حقيقية تستطيع المنافسة والوقوف في وجه الغزو الغربي من البديهيات التي تتفق عليها الدول العربية. وهذا لا يمكن ان يتحقق لدولة مثل البحرين مالم تكن جزءاً من كيان أكبر اقتصاديا يحقق نوع من التكامل الاقتصادي.

ادركت الدول العربية والخليجية ذلك منذ انشاء الجامعة العربية وعبرت عنه بالاتفاقية الاقتصادية لكنها مازلت متخلفة في التنفيذ. فمازالت الخلافات بين القيادات هي السائدة في العلاقات بين الدول العربية والخليجية. ويهيمن على هذه العلاقة مفهومان يعيقان التكامل الاقتصادي بل ويعيقان اي نوع من التقارب السياسي، الاول هو مفهوم السيادة القطرية والثاني هو مفهوم الامن القومي. بالنسبة للسيادة القطرية فان قيادات الدول العربية والخليجية بوجه خاص تتحسس الى درجة كبيرة من تقديم اي نوع من التنازل عن بعض جوانب السيادة، وقد يصل الامر الى حد تعطيل بعض المشاريع الاستراتيجية، والخلاف حول مقر البنك المركزي للعملة الموحدة هو احد هذه الامثلة. 

اما المفهوم الثاني الذي يعرقل جهود التنمية وقيام التكتل الاقتصادي هو الامن القومي. فمفهوم الامن القومي لدى الدول العربية مازال مبني على الدولة القطرية وليس على التكتلات، فمثلا دولة مثل البحرين لا يمكن ان تُعرِّف امنها القومي ضمن حدودها وتحصره في الجانب العسكري فقط بل لا بد من النظر الى المحيط الخليجي والعربي وتضمينه الامن الغذائي والمائي. هذا المفهوم الضيق للامن القومي يجعل الدول العربية والخليجية بالذات تلجأ الى المعاهدات الاجنبية لتحقيق امنها مما يجعلها عرضة للابتزاز السياسي وفقدان السيادة التي تحرص على عدم انتهاكها من جيرانها كما يؤثر على تنميتها الاقتصادية نتيجة للتبعية التي تفرضه مثل هذه الاتفاقيات الامنية.

 اما العائق الثالث الذي يؤخر التكامل الاقتصادي فيتعلق بمفهوم التنمية نفسها. فعلى المستوى الفردي فان التنمية هي مطلب هام واساسي لكل انسان وترتبط في وعيه بتحسين مستوى معيشته. كما انها مطلب معلن لكل حكوماتنا العربية في سعيها نحو الاستقرار والامن واعلانها الرغبة في احترام المواطن وحقوقه في العيش الكريم. وبالرغم من هذه الاهداف المعلنة الا الدول العربية لم تتمكن من تحقيق مستويات مقبولة من التنمية واللحاق بركب التقدم. فمازالت اقتصاداتها تعتمد بالدرجة الاولى على انتاج المواد الخام (النفط والمعادن) وبعض السلع والخدمات. هذا النوع من الاقتصاد لا يحقق للدول العربية تنمية مستدامة في المستقبل بعد نضوب مواردها الطبيعية. اما الاعتماد على استثماراتنا في الخارج فهي مهدد بالمصادرة والسيطرة الاجنبية وبالتالي فان التنمية لا بد وان تعتمد على خلق الثروة الذاتية من جهد وعقل الانسان العربي والخليجي والبحريني. 

تحاول حكوماتنا اقناعنا بانها تحقق مستويات عالية في التنمية باستخدام معايير مثل متوسط الدخل او الدخل القومي استنادا الى نظرية التساقط التي تقول بانه مع الوقت سوف يستفيد الفقراء من ارتفاع دخل الاغنياء. هذين المعيارين لا يعكسان تقدم او تنمية حقيقية فارتفاع الدخل القومي او ارتفاع متوسط الدخل لا يعني بالضرورة ارتفاع مستوى معيشة المواطن. يمكن ان يرتفع الدخل القومي بسبب ارتفاع اسعار النفط ويمكن ان يرتفع متوسط الدخل بسبب ارتفاع دخل فئة صغيرة من الناس في حين ان الغالبية قد انخفظ مستوى دخلها. كذلك فان انتاج المزيد من السلع او الخدمات نتيجة زيادة السيولة في البلد لا يعني تنمية حقيقية، فهذه سرعان ما تتعثر متي ما نضب النفط وتراجعت السيولة في البلاد كما نرى اليوم. اي ان هناك فرق بين النمو الاقتصادي الذي يقاس بمستوى الناتج المحلي وبين التنمية. 

فتعريف التنمية يجب ان يتجاوز القدرة على انتاج السلع، ليشمل تنمية قدرة المجتمع العلمية والمعرفية على انتاج المعرفة وخلق وسائل الانتاج وليس فقط انتاج السلع التي تستند على تقنيات مستوردة.  هذا التعريف للتنمية يتعلق بتنمية متوازنة تطال قدرات الفرد واستفادته المباشرة من نتائج التنمية مثل انخفاظ مستوى الفقر والصحة والتعليم ونسبة المواطنين الذين يزيد دخلهم عن حد معين. فهي تنمية تؤثر في حياة المواطن مباشرة وترفع مستوى معيشته هو ومعيشة ابنائه والاجيال القادمة. 

لذلك فان المعوق الثالث للتنمية يكمن في قصور مفهومها لدى القيادات السياسية وكيفية قياسها. فهل نحن بحاجة الى مؤشرات وطنية خليجية تتناسب مع طبيعة النظام الاجتماعي والسياسي؟ لمناقشة ذلك سوف نستعين بمنهجية تقييم اداء المؤسسات في مقال لاحق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *