نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. شباب مصر يصنع مستقبل الامة

تاريخ النشر :6 فبراير  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الثورة المصرية اليوم تصنع النهضة الموعودة وتحرير الارادة العربية من الهيمنة والتخلف وتبديد الثروات. ان مستقبل الامة مرتهن بنجاح الشباب في ميدان التحرير وقدرته على خلق نظام ديموقراطي يصوغ مستقبل تتمخض عنه سلطات قادرة على صيانة كرامة الامة والحفاظ على حقوقها وحقوق كل مواطن فيها. وفي وسط هذا الزخم من الصحوة العربية والانتفاضة المباركة تظهر دعوات للانظمة العربية الاستبدادية تقترح عليهم وضع استراتيجية لمستقبل الامة، فهل يمكن ان تؤتمن هذه الانظمة على تحقيق اي نجاح بعد ان فشلت على مدار نصف قرن؟ ونتسائل ماهو القصد من وضع مثل هذه الاستراتيجية؟ ولماذا طرحت الان بعد ان ثارت الشعوب على نصف قرن من الاستبداد؟

اذا كان الهدف هو تحسين الحياة المعيشية للشعوب والتعامل مع المجتمعات على انها تنشد اكل وشرب فان ذلك لا يلبي تطلعات الشعوب ويمكن القول ان الهدف قد ضل الطريق. و اذا كان الهدف هو تحسين سمعة البلاد العربية وتحقيق بعض التقدم الاقتصادي فهذا هدف لا يحتاج الى اكثر من توقف بعض الفساد لتوفير اموال للتنمية. 

ان مستقبل الامة يجب ان يقوم على نهضة حقيقية تصنع المستقبل الذي يجعل الامة في مصاف الامم الاخرى وتمنحها حق المشاركة في قيادة العالم وتستعيد حقوقها. ولكي تتحقق هذه النهضة فانها تحتاج الى انظمة سياسية تنبثق من الامة وفق عملية ديموقراطية تستند الى دساتير توافقية تؤمن اولا بان المواطن العربي قادرا على تحقيقها متى ما كان حرا في تفكيره وحرا في معقتداته وحرا في ابداعه وابتكاره وبحثه وكتاباته وحرا في حديثة ليكون صادقا مع نفسه ومع قيادته. 

ذكرنا في مقال سابق ان مايحدث في العالم العربي من المغرب وتونس والجزائر واليمن والاردن وما يحدث لقلب الامة العربية في مصر هي ثورة لتغيير مفاهيم ومبادئ وليس اشخاص؟ ولا يمكن ان تؤتمن على هذا التغيير انظمة تزور الانتخابات وتُحرٍّف الدساتير وتقتل ابنائها وتسترخص الحياة الانسانية في سبيل بقاءها في السلطة.

لذلك فان تحقيق اي مستقبل لهذه الامة يجب ان يبدأ بتتغير مفاهيم كثيرة اولها ان الدولة هي المؤسسة التي خلقها المجتمع لخدمته بمختلف اجهزتها وهي ليست ملك لاحد. وان الحكومة هي فقط الجهاز الاداري الذي اقره المجتمع لادارة شئونه من خلال اجهزة الدولة وفق دستور متفق عليه بين افراد المجتمع ومختلف قواه ومصالحه. غير ان الواقع العربي هو ان العقلية البوليسية التي تستغل اجهزة الدولة لقهر المجتمع هي التي تسيطر على كثير من هذه الانظمة الحاكمة. تجلت هذه العقلية في مقابلة تلفزيونية مع عمر سليمان بثت مساء الخميس يقول فيها “ان الدولة استجابت لمطالب الشباب” ، وهذا يعنى انه مازال يعتبر نفسه الدولة وكما قال ملك فرنسا لويس الرابع عشر  “انا الدولة والدولة انا”. ان تصرف الجيش التونسي اثبت ان الانظمة الحاكمة لا تملك الدولة بكاملها وان عملت على افسادها بالرشاوى والاموال والعطايا والهبات. مؤسسات الدولة يجب ان تكون لحماية المجتمع، المالك الحقيقي للدولة، وليست اداة للحكومات تسلطها على رقاب العباد. ان ضمان استمرار الرقي والتنمية والريادة في العالم مرتبط بفصل مؤسسات الدولة عن هيمنة الحكومة وبهذا يتحقق التوازن الهام والاساسي بين قوى المجتمع – بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والمجتمع المدني، كل منها يستمد شرعيته من المجتمع ولا يجوز للسلطة التنفيذية ان تختطف الدولة وتستغل مؤسساتها لقهر المجتمع. وبدون هذا التوازن فان الكفة لا بد وان تميل نحو الفساد والقمع والهيمنة والاستبداد حتى وان كان من على رأس السلطة نزيها.

اما المفهوم الثاني هو ان العالم العربي مازال ينظر الى الحكم بمنظار الشخصنة ومن هو الشخص الاصلح. فمفهوم الشخص الحاكم الملهم البطل الرشيد الحكيم ثاقب الرأي والرؤى انتهي وعلى الدول العربية ان تدرك ذلك وان تنهي مرحلة الشخصنة وطلب الشخص الذي يقود البلاد من حالة الهوان الى المجد. فالامور لا تعتمد على اشخاص وان كانت الشخصية مهمة ولكنها تاتي من خلال المنظومة الديموقراطية السليمة وليس العكس. اي ان وجود نظام ديموقراطي يفرز خيرة الناس لادارة شئون الامة ويجعلهم خاضعين لارادة الامة. يقول فرح انطون في كتابه ابن رشد وفلسفته “لم يخلق الحاكم لتكون الامة له بل جُعِل هو خادما للامة ومقيد بمجالس ليست شورية بل مجالس أمر لا يجوز له مناقضة الشرائع التي توضع على ايدي نواب الامة”. هذا المنظومة افرزت قادة كبار في الغرب وضعوا بلادهم على عتبة الثورة العلمية واوصلتهم الى القمر. ما اثبتته الاحداث في تونيس ومصر ان عالم اليوم هو عالم متحرك ولا يمكن لشخص تجاوز السبعين او الثمانين ان يفهم ويدير شئون مجتمع معظمه من الشباب، كما لا يمكن لشخص ان يستمر في الحكم عقود من الزمن. النظام الديموقراطي وحده هو القادر على ابراز قيادات تواكب متغيرات المجتمع وتوفر عليه شرور الثورات وتهديد الامن والاستقرار. والدليل على استمرار عقلية شخصنة الدولة ماقاله حسني مبارك بان رحيله سوف يؤدي الى فوضي وضياع. وهذا هو حال كل من طال به الامد في الحكم فهو يرى بانه لا يوجد له بديل، فماذا لو جاءه امر الله؟ نكمل المفاهيم في لقاء اخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *