نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. شهر رمضان والحوار الوطني المرتقب 

  تاريخ النشر : الأربعاء ١٥ أغسطس ٢٠١٢

بقلم : د. محمد عيسى الكويتي 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12563/article/44297.html

 زادت وتيرة اللقاءات بين وزير العدل ممثلا للسلطة وبين الجمعيات السياسية خلال شهر رمضان المبارك ونحن متفائلون بان نخرج من هذه اللقاءات إلى تهيئة الأجواء للحوار والتوصل إلى حلول تضع البحرين على طريق التنمية وطريق البناء في دولة مدنية ديمقراطية ونعالج المشاكل التي تمثل كوابح وموانع في طريقها. 

الكثير من الكتاب والمواطنين يرون ان الأهم هو التركيز على الجانب الاقتصادي والتنموي ونرى ان هذا التوجه سليم، لكن لا يمكن ان نصل إليه دون الاقرار بثوابت الوطن التي أقرت في الميثاق الوطني وجعله أساسا لهذا التوافق، وكذلك الإقرار بحق الجميع في نصيبهم العادل من خيرات البلاد وحقوقهم المدنية والدستورية. وبعد هذه المقدمة نعتقد ان التوصل إلى حل يتطلب في المقام الأول جدية من الأطراف في الرغبة في التوصل إلى معالجة المشاكل السياسية بما يضمن عدم تكرار ما حدث في المستقبل وتعريض المجتمع إلى انتكاسة ثانية. لذلك نرى ان يمر الحل بثلاث خطوات أولها الاتفاق على أهداف الحوار، وثانيها التوافق على معالجة المشاكل الرئيسة التي أوصلتنا الى هذا الوضع، وثالثها خياراتنا في إدارة الحوار.

 بالنسبة للاتفاق على أهداف الحوار نتساءل هل الهدف من الحوار هو معالجة الأزمة ونتائج ما حدث والعودة الى الوضع السابق بأقل قدر من التنازلات وبأكثر قدر من المكاسب؟ إذا كانت هذه هي الروح التي سيدخل أي طرف فيها في الحوار فان النتيجة ستكون كارثية ومدعاة للخلافات الحادة بين الأطراف يقود إلى تحالفات بين القوى السياسية على أسس غير وطنية، وحتى لو توصلنا الى حل فانه سيكون مؤقتا ينفجر في أي وقت لنعود الى المربع الأول ونخسر ما بنيناه. واذا كان الهدف هو إيجاد حالة من التوازن يقبل بها الجميع اليوم، فان ذلك سيؤدي إلى محاصصة طائفية أو قبلية أو سياسية سوف تختل بتغير موازين القوى في المستقبل ونعود إلى المربع الأول. لذلك نرى ان يقوم الحوار على أساس المواطنة الكاملة والدولة المدنية الديمقراطية التي تقر بحقوق الجميع في البناء وفي الاستفادة من ثمار التنمية، ليس كجماعات طائفية أو قبلية أو سياسية، وانما كجماعات مهنية وطبقية. فالتجار يجب ان يستفيدوا وكذلك العمال والصناعيون والفقراء والأغنياء لتشمل الاستفادة المجتمع دون أي اعتبار للمذهب أو التيارات السياسية المختلفة أو النسب والحسب. 

وبالتالي يجب أولا: ان تكون الغاية من الحل هي بناء مجتمع يقوم على توافق لكيفية المشاركة في السلطة والثروة وعلى قاعدة إنسانية تقر بحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والثقافية وحق الجميع في العيش الكريم والأمن وتكافؤ الفرص؛ وثانيا معالجة القضايا والمشاكل الحقيقية في المجتمع التي تؤخر التنمية وتعمل على كبح قدراته وامكاناته في التقدم. وثالثا الاقرار بان هناك بعض القضايا التي قد تحتاج الى وقت لتحقيقها ويجب وضع أفق زمني للتعامل معها. ورابعا: القبول بوجود مخاوف خُلقت في المجتمع تحتاج الى وقت لاجلائها من خلال مرحلة بناء ثقة يتحمل وزرها المجتمع بأسره والقوى السياسية بشكل خاص.

بالنسبة للمشاكل التي يتوجب علاجها من خلال هذا الحل فقد لخص بعضها المشروع السياسي لتجمع الوحدة الوطنية في ست نقاط هي: 

١- المشاركة السياسية وتوزيع عادل للثروة.

 ٢- الفساد الإداري والمالي والسياسي وغياب المساءلة والمحاسبة.

 ٣- تدني الأداء الاقتصادي والحاجة إلى تنويع مصادر الدخل .

 ٤- اللعب بالورقة الطائفية من قبل عدد من الأطراف أدى إلى انشقاق كبير في المجتمع. 

 ٥- عدم وضوح مفهوم المال العام واستغلاله لمصالح محدودة.

 ٦- غياب الحضور السياسي ونقص الوعي لدى بعض المواطنين. 

 وبعد اقرار مبادئ الحل والمشاكل التي نريد معالجتها على انها حقيقة ومحلية، نتساءل ما هي خياراتنا في إدارة الحوار؟ هناك وثائق مقدمة من الجمعيات السياسية مثل وثيقة الفاتح ووثيقة المنامة (تم ازالتها من المقال المنشور) والمشروع السياسي لتجمع الوحدة الوطنية، وهي تستند إلى مبادئ سمو ولي العهد. أكد سموه هذه المبادئ في مجلس خالد آل شريف فقال «أمامنا الكثير من اجل تحقيق ما يصبو إليه جميع أبناء الوطن وان الحاجة ماسة إلى المزيد من الإصلاح وتعزيز مبادئ العدل والمساواة وحقوق الإنسان والانطلاق إلى مستقبل أفضل لصون كرامة الجميع». لخص سموه المضمون السياسي الذي يحتاج المجتمع إلى تكريسه من خلال الحلول المطروحة. وهو إدراك بان احد أهم أسباب ما نحن فيه هو الشعور العام بان هذه القيم في حاجة إلى تكريس من خلال الممارسة. 

فيما يتعلق بالخيارات المطروحة لإدارة الحوار فهناك عدة خيارات، منها ان تقدم الجمعيات مرئياتها إلى الحكومة ويتم التحاور بشكل فردي بينها وبين كل جمعية على حدة. والخيار الثاني ان يتم الحوار بين الحكومة والجمعيات مجتمعين، والخيار الثالث ان يتم حوار بين الجمعيات فيما بينها على ان تقدم ما توافقت عليه إلى الحكومة. أو ان يعقد مؤتمر يحضره ممثلو الجمعيات ينتهي بتوافق يقدم إلى الحكومة. كل هذه الخيارات مفتوحة ولكن في اعتقادنا ان الأجدى ان تتفق الجمعيات على رؤية مشتركة تقدم الى الحكومة على أساس انها مطلب شعبي. 

ان مرحلة البناء المقبلة لابد ان تركز على بناء المجتمع وليس فقط بناء الدولة. بالنسبة للبحرين فان الدولة من حيث كيانها قائمة على أسس متينة وتستمد شرعيتها من التوافق المجتمعي الذي عبر عنه الشعب البحريني في أكثر من مناسبة. وما نحن الآن بصدده هو اكتمال بناء الدولة من حيث ماهيتها ومضمونها السياسي الذي يضع القاعدة الراسخة لتحديد الحقوق والواجبات للمواطنين وفئات المجتمع بحيث لا تقوم على المحاصصة أو التوازن المرادف للمحاصصة. بل يجب ان تكون القاعدة الحقوقية تقوم على مبدأ المواطنة وعلى التوزيع الطبقي الطبيعي للمجتمع. هذا ما سيؤدي في النهاية إلى بناء مجتمع متماسك قادر على التركيز على القضايا التنموية والاقتصادية التي يطالب بها الكثيرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *