نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. ضمائر للبيع وازمة قيم في مجلس أحمد جناحي !!

تاريخ النشر : 2 اكتوبر  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

ضمائر للبيع في 2010، كان ذلك عنوان ندوة للصحفي محمد العثمان في مجلس أحمد جناحي. تحدث المحاضر عن كيف أن الناخب البحريني أصيب بالاحباط نتيجة تدافع جهات عديدة على رشوته، او تخويفه او استلاب ارادته بالايحاء او بالامر. نشطت عملية شراء الاصوات وهناك افلام فيديو تثبت هذه الظاهرة. وان هناك العديد من المرشحين يقولون صراحة للناخب بانهم رصدوا مليون دينار للحملة الانتخابية وسوف يقومون ببناء مجالس أو تصليح بيوت او توفير اثاث او تقديم مؤن تموينية (ماجله) للناخبين. كل ذلك يحدث على مسمع ومرئى من السلطة دون ان يثير ذلك النيابة العامة والدولة التي ترى ضرورة محاربة الفساد وتناقش انشاء هيئة لمكافحة الفساد!. واي فساد اكبر من الاغراءات المادية والوعود الكاذبة لشراء الاصوات. ان تأثير ذلك ينعكس سلبا على المجتمع ويزعز قيمه. فالسلطة التشريعية التي يصل اليها راشين لا يمكن ان تصون نفسها عن اغراءات الرشوة في أمور التشريع. عندها تصبح المساومات على مستقبل الشعب والبلاد للبيع مقابل صفقات لمصالح شخصية او حزبية. يشترك في هذه الرشوة قطاعات كبيرة من المجتمع بما في ذلك مؤسسات خيرية اصبحت توجه مساعداتها في مقابل اصوات او منع المساعدة في حالة عدم الايفاء. كذلك اصبحت الاصوات طريق الى الجنة في بعض المناطق التي يُكفََّر من لا يمنح صوته وفق الاوامر او قطع الارزاق في حالات اخرى. نتيجة ذلك أصبح المواطن مخدوع بمظاهر الديموقراطية التي تُنتهك في كل محطة من محطات التشريع والمساءلة والمحاسبة بسبب هذا الفساد الممنهج والصريح والمسموح به. والضحية في ذلك هي القيم التي أصبحت في ازمة.

والسؤال لماذا يحدث ذلك ومن المسؤول عنه؟ ومتى يمكن للمواطن ان ينتخب من يستحق؟ بالنسبة للمسئولية يرى المتداخلون بان المسؤلية تقع على العديد من الجهات. اولا: ان انتشار الرشوة هي مسئولية من يدير العملية الانتخابية. ثانيا انتشار الرشاوى وقبول المواطن بها هو نتيجة قناعة المواطن بان أي تشكيله للمجلس لن تستطيع عمل شيئ حيال تحسين نوعية الحياة بسبب تحجيم صلاحيات المجلس النيابي والبلدي وبالتالي فان المواطن غير مقتنع بان المجلس سوف يعالج قضاياه. لذلك فانه يرى قبول الاستفادة من المرشح اليوم بدلا من ان ينتظر المساعدة من مجالس عاجزة (عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة). اي ان الندوة تطرح بقوة السؤال عن قدرة المجالس المنتخبة على إحداث تغيير في حياة المواطن في ظل الوضع الحالي؟ ثالثا: المواطن والمرشح والجميع مسئول لعدم الابلاغ عن حالات الرشوة وتقديم الادلة للنيابة وهذا راجع في كثير من الحالات الى الخوف الذي اصاب المواطنين من الدخول في قضايا يرون انهم في غنى عنها والجهل الذي لا يرى علاقة بين الرشوة وبين تحسين مستوى معيشته. رابعا: ان الجمعيات السياسية الديموقراطية (القومية والليرالية والديموقراطية) تعتبر مسئولة مسئولية مباشرة. هذه الجمعيات مازالت تعيش في علب من صنع ايديها بعيدا عن هموم المواطن ومصالحه. فهي غير قادرة على خلق رؤية مشتركة واهداف وطنية تقوم على المبادئ الديموقراطية ونبذ الاختلافات الايدلوجية والشخصية. والى ان تدرك هذه الجمعيات بان في الاتحاد قوة وفي التفرق ضعف فانها لن تستطيع ان تؤثر في الحياة السياسية، خصوصا في وجه القدرة الفائقة على شراء الذمم او ابتزازها. ففي انتخابات 1973 عندما ساد الحس الوطني والقومي كانت نتائجها مبنية على الكفاءة وعلى القناعة الشخصية بأهلية المرشح بغض النظر عن انتمائه القبلي او الديني فالتزمت تلك الانتخابات بالقيم ووصل من يستحق. خامسا: عدم وجود رقابة دولية على الانتخابات كما في الدول المتقدمة (فرنسا نموذجا) دون ان يؤثر ذلك على سيادتها. وسادسا: ان واقع المجتمع البحريني يساهم مساهمة كبيرة في تكريس صراع قائم على الانتماء الديني بدلا من الانتماء الوطني، على خلاف المجتمعات المتجانسة او العلمانية التي يقوم الصراع فيها على المصالح الطبقية والمصالح المهنية والحزبية. هذا الواقع يسهل استغلاله في منع طرح قضايا وطنية خشية الاتهام بخيانة الانتماءات التجزيئية.

اما بالنسبة للسؤال حول متي يستطيع المواطن انتخاب من يستحق فهذا يرجع بالدرجة الاولى الى المواطن والجمعيات السياسية الديموقراطية. فعلى المواطن ان يدرك ان العمل الديموقراطي لا يقف عند الانتخابات بل يجب ان يتعدى ذلك بتقديم الدعم للنائب من خلال إسماع صوته للجهات الرسمية في مساندة النائب وهذا يحتاج الى تنظيم. وهذا التنظيم هو مسئولية الجمعيات السياسية الديموقراطية لخلق مجتمع مدني فاعل يستطيع ان يوازي السلطات المختلفة في التأثير. والسبيل لخلق المجتمع المدني هو اولا ان تضاعف هذه الجمعيات نشاطها في التواصل مع المواطن العادي وتوضح له العلاقة بين المبادئ الديموقراطية وبين تحسين مستوى معيشته. وثانيا استعدادها للعمل المشترك ودمج قدراتها في مواجهة القوى السياسية الاسلامية. ان انتشار الرشوة هو نتيجة استغلال جهل المواطن وتدني مستوى معيشته، وما لم ترتفع مستويات التعليم والوعي بالحقوق وكيفية الحصول عليها، وما لم تتحسن مستويات المعيشة للمواطن فان المال السياسي سيبقى فعالا في ادارة العملية الانتخابية وشراء الضمائر بابخس الاثمان. لذلك فان التحديات التي تواجه الجمعيات السياسية الديموقراطية كبيرة وعليها مواجهتها مجتمعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *