نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. خطاب جلالة الملك وتطلعات السنوات الاربع القادمة

تاريخ النشر : 18 ديسمبر  2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

بدأ الفصل التشريعي الثالث بخطاب جلالة الملك الذي وضع فيه رؤية متجددة لمسيرتنا نحو التنمية واضاف لبنة اخرى من لبنات البناء التي نامل ان تكرسها السنوات الاربع القادمة وان تضيف مكاسب في التوجه الديمقراطي وتطوير البيئة المناسبة لها. اكد الخطاب على اربع مهام للنواب تتلخص في اولا تطوير القوانين وسن التشريعات، ثانيا اقرار الحقوق وحماية الحريات، ثالثا الرقابة على الاداء الحكومي واصلاح الاوضاع، ورابعا التنمية الاقتصادية، كما اطر جلالته التطلعات المتوقعة من الحكومة في اربع قضايا هي تطبيق القوانين في مساواة وعدالة، وتنفيذ الخطط التنموية الشاملة ، حماية الامن والاستقرار، واخير خلق فرص عمل. وحدد لجهودهما اربع اولويات تتلخص في تطوير التعليم، واستعادة التوازن في الموازنة، واستراتيجيات الطاقة، وتقنين عملية التجنيس في اضيق الحدود.

هذه الجوانب المتعددة هي كل متكامل من العمل لا بد وان نسير فيه بشكل متواز. فلا يمكن ان تتحقق التنمية في معزل عن الحقوق وحماية الحريات او الرقابة على اداء الحكومة. ولا يمكن تطبيق القوانين بشكل عادل ومتساو من دون نظام تشريعي متوازن وفعال. وبالتالي فنحن ننظر الى اوجه متعددة من التنمية البشرية وخريطة طريق ترسم معالم تطوير المجتمع. ولكي تتحول هذه الخريطة الى واقع ملموس يستشعره المواطن في حياته وفي مستوى معيشته وفي كرامته وفي حريته علينا ان نطرح السؤال “ماذا يعني الخطاب عمليا وكيف سيختلف عمل الحكومة ومجلس النواب خلال الفترة القادمة؟” تتطلب مناقشة ذلك تلمس مهام كل من الحكومة ومجلس النواب في وضع تفاصيل هذا التحول.

بالنسبة للحكومة لقد وضع الخطاب لها تحديات كبيرة، اولها كيف ستتمكن من احداث توازن في الميزانية، في ضوء الوضع الاقتصادي الراهن من دون التقليل من المصاريف او زيادة مصادر الدخل او الاثنين معا. فهل يتحمل التعليم اي تقليل في مصروفاته في الوقت الذي تعتمد خطة التنمية على تطويره كما جاء في الخطاب؟ وهل يمكن تقليل مصاريف الاسكان في الوقت الذي تتزايد الطلبات على خدماته؟ اما من حيث زيادة دخل الدولة فان سعر النفط يتحدد بعوامل لا نملك السيطرة عليها بالاضافة الى ان السياسية الاقتصادية المتبعة تعطي القطاع الخاص مسئولية ادارة الاقتصاد مما يحرم الحكومة من اي ارباح مباشرة. هذا الوضع لا يترك خيارات كثيرة اما الحكومة من دون العمل على رفع مختلف الرسوم ورفع الدعم عن السلع وفرض نوع من الضرائب لعلاج الوضع في الخطة القادمة (الاستراتيجية الوطنية 2009-2014). ومالم يصاحب ذلك العمل على تنمية قطاعات اقتصادية جديدة لرفع قدرتنا التنافسية المستقبلية فان مستوى المعيشة سوف يتضرر.

التحدي الثاني يتعلق بتطوير التعليم وربطه بجهود التنمية. هذا التحدي يقودنا الى تقرير اليونسكو 2010 الذي ينبيء بكارثة في العالم العربي والاسلامي بسبب اهماله البحث العلمي فيقول في مستهل كلامه “لا نضيف شيءا ان قلنا ان امتلاك العلوم والتكنولوجيا هو اساس التنمية الاقتصادية، وان غياب هذين العاملين هو الذي يفسر المشاكل البنيوية الكثيرة التي تعانيها المجتمعات العربية والاسلامية، فامتلاك العلم يشكل رافدا اقتصاديا وتنمويا ومصدرا للثروة والقوة. فهل ستواجه الحكومة هذا التحدي وتبدأ في طريق البحث العلمي ليكون مصدرا جديدا على المدى الطويل؟ وماهي الاهداف المحددة التي تسعى الحكومة الى تحقيقها في هذا المجال؟ وان لم يكن كذلك فما هي الخيارات الاخرى الممكنة؟

ثالثا ان علاج الوضع الاقتصادي سوف يؤدي الى علاج الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية الاخرى اذا التزمنا بما ورد في خطاب جلالته حول رفع مستوى الحريات وحقوق الانسان وتعزيز المسيرة الديمقراطية. وهنا ياتي دور التعاون بين الحكومة والنواب في الخروج بحزمة من التشريعات تجعل فرض الضرائب ممكنا واهمها رفع المشاركة السياسية واطلاق الحريات وتعزيز جهود مكافحة الفساد بجعل المعلومات متاحة لتهيئة البيئة المناسبة والشفافة لفرض الضرائب. ان تهيئة مثل هذه البيئة تجعل المواطن يطمأن ويثق بقدرة البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني على محاسبة ومساءلة الحكومة على المال الذي سيجمع من الضرائب، واين يصرف وكيف يستثمر ان هي قررت اعتماد هذا الخيار.

رابعا : لكي لا تنتهي السنوات الاربع ويكون الخطاب السامي تمنيات لم تتحقق ونحتاج الى خطاب اخر يحثنا على المضي في طريق التنمية، لا بد اولا من تعاون الحكومة والبرلمان في وضع ونشر استراتيجية تترجم الخطاب بما احتواه من قيم ومفاهيم وتطلعات وتحديات الى خطط ومشاريع وبرامج تؤدي الى حلول عملية. تبدأ الاستراتيجية باهدفا للاربع سنوات القادمة ومؤشرات اداء منذ بداية هذه الفترة لكي نستطيع مراقبة وتقييم نتائج هذه الفترة في التعليم والتنمية البشرية وغيرها من التحديات حتى لا تاتي سنة 2014 ونبدأ الاتهامات بالتقصير. ان وضع مؤشرات في بداية الفترة له اهمية كبيرة تجعل الحكومة والمجتمع قادرا على تحديد مستوى التعليم الحالي والمستوى الذي نريد الوصول اليه. ومستوى التنيمة البشرية من حيث نسبة الفقر ونسبة مساهمة الصناعة والابتكار في الناتج القومي وماهو المستوى الذي وصلنا اليه بعد اربع سنوات. وثانيا نحتاج الى وضع تعريفات للعديد من المفاهيم مثل الولاء، والمواطن والمواطنة، والامن القومي والتنمية والمال العام التي وردت في خطاب جلالته لكي نوحد جهودنا نحو تحقيقها، ولتساعدنا على تقبل الرأي الاخر ولا نتهم من يختلف معنا بتهم لا تليق بمواطن يختلف معنا في كيفية تعبيره عن حب وطنه. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *