نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٥ اغسطس ٢٠٢١

مقال الاسبوع – حدث انهيار الجيش الافغاني خلال اسابيع بعد الانسحاب الامريكي اثار الرعب في كثير من الافغان وزوبعة من التحليلات في الصحف العالمية. صعود اي تيار متطرف اصولي الى الحكم هو في حد ذاته هزيمة للحداثة وتعدي على حقوق الانسان وحرية التفكير والاعتقاد وبالتالي يتنافى مع الاسلام كما نفهمه. خيار طالبان ان تقدم برنامجها السياسي التنموي كحزب سياسي يتنافس على السلطة مع غيرها يستند على شرعية الاداء وليس شرعية دينية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1263805

منظر الذعر في مطار كابول يعبر عن خوف مما سيحدث بعد تولي طالبان الحكم اكثر من اي شيء اخر. حالة الذعر التي شاهدها العالم قد لا تكون كلها من المتعاونين مع الامريكان بل كان من بينهم اناس يخشون من مستقبل تحت ظل حكم يرون انه اصولي احادي النزعة؟ خوف مبني على تجارب سابقة وذكريات عقد التسعينات التي حكمت فيه طالبان.

احتلت امريكا افغانستان بعد احداث سبتمر 2001 والاعتداء الارهابي على امريكا انتقاما لايواء بن لادن، وكما تقول لنشر الديمقراطية ومحاربة الارهاب؟ لم تتمكن من فرض الديمقراطية بدون ان تكون الارض صالحة لتقبل الحداثة والفكر الحر. خلال عشرين عاما انفقت ما يزيد على مليار دولار في انشاء بنى تحتية وصحة وتعليم. لكنها فشلت في تحقيق اهداف قد لا تكون واقعية مثل اقامة نظام ديمقراطي في دولة قبلية مثل افغانستان. نظر الغالبية الى الانسحاب الامريكي على انه نتيجة فشل سياستها في افغانستان واخرون على انه ضمن حسابات اكبر تتعلق بما يدور في الساحة العالمية من تنافس محموم مع الصين ومحاولة تخفيف الاعباء للتفرغ لذلك التنافس؟

تمثل طالبان قبائل البشتون الذين يشكلون حوالي 40 الى 50% من الشعب، وهناك معارضة لحركة طالبان من قبائل اخرى، ولاية (وبنجشير) لم تسقط في يد طالبان حيث تتركز المقاومة بقيادة نائب الرئيس ونجل القائد الراحل أحمد شاه مسعود بدعم امريكي. كذلك هناك حركات احتجاجية ضد حركة طالبان وضد التطرف وتقول انها تقف مع الوطن وترفع العلم الافغاني (بدلا من العلم الطالباني) احتفالا بذكرى الاستقلال من الانجليز عام 1919. فما حجم هذه الاحتجاجات وماهي دوافعها ومطالبها ومخاوفها؟ في حين يرى البعض بان انتصار طالبان سوف يشجع الحركات الجهادية مثل داعش والقاعدة ويقوي النزعة التطرفية، خصوصا وان الذكرى العشرين 11 سبتمبر على الابواب. وقد اصدرت فعلا بعض الجهات (شبكة الثبات الاعلامية التابعة للقاعدة) توقعات بانتصار جميع الحركات الجهادية.

بالنسبة لطالبان فانها لم تتاخر في تطمين فئات الشعب واظهار التسامح والعفو العام بما في ذلك المعارضين والاقرار بارتكاب اخطاء وابدت نية البدء من جديد. ودعت العسكريين والمسئولين العودة الى مواقعهم، وهذه بادرة ايجابية. لكن ينظر المجتمع الدولي ودول الجوار بعين الريبة والحذر خوفا من نوايا اخرى حين يستتب لها الامر. فقد اكدت القيادات الطالبانية المختلفة ان الوضع لم يتحدد بشكل نهائي، وقد لا يختلف هذا الوضع عما كانت عليه الحال ابان حكم طالبان (1996-2001). وتؤكد الحركة ان افغانستان لن تكن ديمقراطية بل ستدار وفق الشريعة الاسلامية، حسب فهمهم الخاص بطبيعة الحال، وترى الحركة ان “الارضية غير مهيئة لنظام ديمقراطي”!!

هذه لغة تبدو غير متشددة وتعبر عن ان طالبان استوعبت بعض الدروس من تجاربها السابقة. لكن تصريحاتها حول المرآة لا تبدو كذلك. فهل سيتغلب جناح الاعتدال، ان كان هناك مثل هذا الجناح، ام ان الغلبة ستكون للتيار الاصولي في الحركة كما هو الحال في حركات الاسلام السياسي الاخرى؟ وهل واقع ادارة الدولة سيجعل الحركة اكثر برغماتية ومراعاة للمصالح الاقتصادية والتطور الاجتماعي؟

من الدروس الافغانية ان انهيار الجيش بهذا الشكل السريع بعد 20 عاما من الاعداد كان، وفق بعض التحليلات، بسبب سلوك القيادات التي تم تنصيبها، فلم تكن قريبة من المجتمع، ومن ناحية اخرى استحوذت على نصيب الاسد من المساعدات الامريكية واثرت على حساب المجتمع. وخلال هذه الفترة لم تتمكن لا هي ولا امريكا من احداث تغيير كبير في المجتمع. فهل هو تقصير ام بسبب الثقافة القبلية الموالية لرؤساء القبائل وسيطرتهم على الفكر والمال، ام انه راجع الى طبيعة الارض وتباعد المناطق صعب التاثير عليها مركزيا؟

الدرس الثاني عدم التعويل على الدعم الخارجي باي شكل وعلى اي مستوى؟ فهو في افضل الحالات تبعية. والدرس الثالث الذي سوف تصحو عليه طالبان كما صحت دولا اصولية اخرى هو ان المجتمع ليس جامدا ولا منعزلا عن العالم وسوف يدرك انه يعيش خارج التاريخ ان هي اصرت على التعامل معه بفوقية وفرض رؤيتها الاحادية عليه. هذا لا يقتصر على حركات الاسلام السياسي بل يشمل كل اصولية تصر على فرض رؤيتها على المجتمع. وقد فشلت ايديولوجيات اصولية مثل الماركسية والفاشية والنازية والعسكرانية وحتى الرأسمالية القائمة على ايديولوجية توافقات واشنطن “الليبرالية الجديدة”. بل يرى البعض ان افضل طريقة لهزيمة الاسلام السياسي اعطائه فرصة التجربة ليقتنع بان فرض رؤيته على المجتمع لا تنجح، اذا لم تقتنع بعد من التجربة التي مرت بها السودان. هزيمة الاسلام السياسي، كما انهزمت الشيوعية واصوليات اخرى قبلها، ستكون من داخله وبنشر الفكر التنويري النقدي.

الخيار الاخر هو ان تقدم طالبان نفسها على انها حركة اسلامية ناضلت من اجل تحرير البلاد ولديها برنامج سياسي تنموي لقيادة مرحلة بناء الدولة والمجتمع وان تستمد شرعيتها من حسن الاداء وليس من الدين في دولة دينية كما هو الحال في ايران. كذلك تقتضي متطلبات التنمية احترام حق الانسان في المعرفة وفي الاعتقاد وفي المشاركة السياسية. وهذا يتناقض مع اي نظام يرفض حق الاختلاف والتعددية الفكرية وسوف يصطدم مع المجتمع في وقت ما.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *