نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم – د. محمد عيسى الكويتي

6 مارس 2022

مقال الاسبوع- تجري الان انتخابات غرفة التجارة، تطرح الادارة الحالية انجازات الغرفة في الفترة الماضية والمنافسون يرون طريق اخر. في جميع الحالات نرى ان على الغرفة دور مجتمعي بالاضافة الى الدور التجاري. على الغرفة ان تكون اكثر فاعلية في الجانب التنموي الشامل بما فيه رفع مستوى المعيشة للمواطن.

انتخابات غرفة التجارة على الابواب تتنافس فيها عدد من الكتل والمستقلين. يمر الاقتصاد البحريني بفترة تعافي ليس فقط من العجز والدين العام ولكن التعافي من تاثير الكورونا على مدى السنتين الماضيتين. كذلك تهيمن على الانتخابات في هذه الفترة قضية الفيزة المرنة (التصاريح الزرقاء) التي اتفق التجار على انها فتحت السوق للعمالة الاجنبية لمنافسة صغار التجار. اكثر المتضررين من الفيزة المرنة هم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في مجالات التجزءة والخدمات . قد يكون المواطن حصل على بعض الفوائد من المنافسة لكن الاضرار اكبر بكثير على فرص العمل للمواطن ورفع مستوى معيشته.

التجربة التي مرت بها الغرفة في الاربع سنوات الماضية مكنتها من اسماع صوتها والمشاركة في صنع القرار الاقتصادي، وتمكنت من احداث تغييرات منحتها استقلالية. ولكن بالنسبة لقضية الفيزة المرنة لم تتمكن الغرفة الى الان من التاثير بالرغم من الضرر بمصالح التجار. على عكس التصريحات الرسمية، أكدت الدراسة التي أعدتها الغرفة أن التصريح المرن لم يحقق فوائد مالية، بل كان له تبعات اقتصادية سلبية تسببت في خسائر مباشرة للحكومة. بينت الدراسة التي قدمتها الغرفة جوانب الضرر وكذلك التكاليف الحقيقة، بلغت الخسائر وفق تقرير الغرفة بنحو 100 مليون و774 ألف دينار سنويا مقابل صافي دخل للحكومة يقدر بنحو 9 ماليين و816 ألف دينار سنويا،.

نستشف مما طرحته الغرفة ان هناك توجه في المرحلة القادمة لتوسيع رؤيتها للاقتصاد وللمجتمع وللقضايا العمالية وللمستوى المعيشي بشكل عام. هذا توجه مرحب به حيث ان ارتفاع مستوى المعيشة يُمكِّن المواطن من زيادة الانفاق وتنشيط الاقتصاد بما يعود على المجتمع واصحاب الاعمال ومجتمع الاعمال بالمصلحة.

من القضايا الهامة التي نرى ان تقدم الغرفة رؤى لمعالجتها قضية العمالة الاجنبية بشكل عام وليس فقط الفيزة المرنة. السؤال كيف نقلل تدريجيا من الاعتماد على العمالة الاجنبية غير العربية بشكل خاص. نحتاج الى رؤية طويلة المدى تتعامل مع هذه العمالة التي اصبحت في البحرين والخليج من بنية الاقتصاد ولا يمكن التخلص منها بسهولة في المنظور القريب او المتوسط. اعتمدت عليها جهود الحركة العمرانية وقطاع تجارة التجزئة وقطاع الخدمات والفندقة والسياحية واعتمد عليها المجتمع في اعمال الصيانة المنزلية. نتج عن هذه العمالة منافسة غير عادلة للشباب على فرص العمل وكذلك تمثل منافسة شرسة غير متكافئة لصغار التجار.

من الاضرار المباشرة الاخرى على المجتمع كانت ومازالت مشكلة هروب العمالة او “العمالة السائبة”، التي اجتاحت السوق واضرت بالتاجر والعامل البحريني على حد سواء. بعد ان اخفقت الجهود في معالجة الظاهرة رأت هيئة تنظيم سوق العمل شرعنة هذه العمالة من خلال مبادرة “الفيزة المرنة”. لم يغير هذا الاجراء الوضع ولم يعالج الضرر وانما فقط جعل بقاءهم في البلاد قانونيا، واستفادت الهيئة من الرسوم التي تتقاضاها سنويا على حساب مصالح التاجر وعمالة المواطنين.

لم تقتصر المنافسة على القطاع الخاص بل وصلت الى القطاع العام كذلك، خصوصا في الشركات المملوكة للحكومة، حيث توجهت الحكومة مؤخرا نحو الخصخصة في محاولة لتقليل نفقات بعض الخدمات مثل الكهرباء والموانئ وخدمات المطار وغيرها، لكنها فتحت بذلك مجالات اخرى تصب في مصلحة العامل الاجنبي مكنته من هذه الشركات التي تسعى لتقليل تكلفة التشغيل على حساب المواطن.

بالاضافة الى ذلك شهدنا في الاعوام القليلة الماضية تقارير لجان التحقيق في مجلس النواب حول البطالة واحلال البحرينيين ووجود اعداد لا يستهان بها يعملون في مختلف وزارات الدولة، مايزيد على سبعة او ثمان آلاف اجنبي فقط في قطاع التعليم، وتبين غرفة التجارة ان 10 آلاف عامل من الفيزة المرنة انتقلوا الى اعمال يمكن للبحرينيين القيام بها. يقول تقرير غرفة التجارة بان “التصريح المرن ساهم في ازدياد نسبة البطالة بعد أن اضطر الكثير مـن البحرينيين إلـى إغلاق مشاريعهم ومحلاتهم التجارية وأقصوا من السوق التجاري بسبب منافسة أصحاب “التصاريح الزرقاء”.

كواحدة من اهم مؤسسات المجتمع المدني اهتمت غرفة التجارة بكثير من القضايا المؤثرة في المجال الاقتصادي ككل بما في ذلك سوق العمل والعمالة المرنة والبطالة. والان نرى ان يشمل التفكير المساهمة في التنويع والتكامل الاقتصادي الخليجي والبحث في كيف تستطيع الغرفة المساهمة في هذه المسيرة. البحرين بحاجة الى الاندماج بشكل اكبر في الاقتصاد الخليجي والعربي والدولي وهذا يتطلب جهد من الغرفة يتظافر مع ما تقوم به الدولة. ونرى دور هام واساسي للغرفة من خلال علاقاتها مع غرف التجارة الخليجية لوضع تصور يحرك التكامل الاقتصادي الخليجي في المرحلة القادمة ليتجاوز مرحلة الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة.

هذه قضايا جميعا تتعلق بتنشيط الحركة الاقتصادية وحيوية سوق العمل وضرورة اعادة التفكير في السياسات التي تحكم سوق العمل، وسياسة الخصخصة وعلاقتها بسوق العمل والاقتصاد ككل، وسياسة الفيزة المرنة وتاثيرها على القطاعات المختلفة. لذلك نرى ان امام الغرفة فرصة لزيادة الاهتمام بالمحيط الخليجي والعربي من حيث التكامل والتنويع ليصب في معالجة قضايا مختلف القطاعات وبصفة خاصة سوق العمل وتاثيره على فرص العمل ومستوى المعيشة والانفاق العام. نهنئ مقدما من سيفوز ونامل ان تتوسع الغرفة في الاستراتيجية القادمة بتناول مختلف جوانب القضايا المطروحة والمترابطة مستعينة بخبرتها الطويلة في السوق المحلي والخليجي والعربي.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *