نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٣٠ مارس ٢٠٢٢

مقال اليوم – غرفة التجارة تمثل مجتمع الاعمال وعليها ان تقدم رؤية لماهو التكامل الذي تنشده والدور الذي يجب على القطاع الخاص القيام به وكيف يتوافق ذلك مع مسئوليتها المجتمعية وحاجتها الى خلق توازن بين مصالح صاحب العمل والمجتمع والدولة والمجتمع الخليجي. التكامل لا يحدث فقط من قبل الحكومات بل القطاع الخاص له دور كبير ينبغي ان تلعبه.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1290371

غرفة التجارة وتفعيل التكامل الاقتصادي الخليجي

اولا نبارك “لكتلة تجار 22” الفوز بانتخابات الغرفة ونتمنى لهم التوفيق في وضع برنامج يخدم ليس فقط مجتمع التجار ولكن المجتمع ككل.

تحدثنا في المقالين السابقين عن اهمية التكامل الخليجي وتناولناه من ناحية فكرية في المقال الاول (اخبار الخليج 16 مارس 2022) ومن ناحية اقتصادية في المقال الثاني (اخبار الخليج 23 مارس 2022) والان وبمناسبة حديث غرفة التجارة عن التكامل الخليجي، ننظر الى التكامل من حيث اهمية القطاع الخاص في تعزيز التكامل والتقدم به.

منذ الخمسينات مر التكامل الاقتصادي من الناحية النظرية بمرحلتين الاولى تحليل التاثير الاستاتيكي الذي ركز على كفاءة تخصيص الموارد وتخفيف او ازالة الحواجز الجمركية الحدودية بين دولتين او اكثر بهدف رفع مستوى التبادل التجاري بينها. سرعان ما تبين ان ذلك ليس كافيا، وبرزت المرحلة الثانية تمثلت في تحليل التاثير الديناميكي الذي يعمد الى اعادة هيكلة طويلة المدى  تتعلق بتحسين الظروف لعمل الشركات وكفاءتهم وتنافسيتهم، ويوسع التكامل ليشمل تاثير اقتصاد الكميات والتغيير التكنولوجي والمنافسة ونمو الانتاجية، بالاضافة الى الانشطة الاستثمارية. والاهم ان من اهدافه رفع مستوى الرفاه العام في المجتمعات المشاركة.

كان مفهوم التكامل في تلك الفترة يخدم الدول المتقدمة وبالذات الاتحاد الاوروبي. تبين لا حقا ان الدول النامية بحاجة الى تطوير مفاهيم مختلفة في التكامل الاقتصادي تتعلق بعناصر التنمية بشكل عام والتنمية الاقتصادية بشكل خاص. اي ينظر الى التكامل الاقتصادي في حالة الدول النامية على انه اداة للتنمية وليس مجرد سياسة تجارية او جمركية. يتطلب ذلك رؤية مختلفة تنطلق من الغاية من التكامل الاقتصادي التي تختلف عن الدول المتقدمة. ووفق المختصين فان الهدف الرئيسي بالنسبة للدول النامية هو تنمية القدرات الصناعية بالدرجة الاولى.

كذلك ينبغي ان تهدف جهود التكامل في الدول النامية على الرفاه الاجتماعي ورفع القدرات الانتاجية البشرية والمعرفية من خلال تطوير قطاع الصحة العامة ورفع مستوى منظومة التعليم وتطوير البحث العلمي والتعاون بين القطاع الخاص والجامعات وحسن توظيف الموارد بما فيها العمالة الوطنية وعوامل الانتاج وخلق فرص عمل مجزية وتقليل نسبة الفقر، بالاضافة الى تحقيق الامن الاقليمي والمحافظة عليه. ثانيا يمكن ان يتم التكامل في الدول النامية من خلال مشاريع تنموية (حزم تنموية) تتعهد كل دولة بتنفيذ دورها في هذه الحزم، وتستغل الميزة التنافسية لكل دولة والميزة التنافسية الاقليمية. في الحالتين يكون لغرف التجارة دور مبادر اساسي وقيادي فيها.

نجاح التكامل في الدول النامية يفرض ان لا يقتصر هذا التكامل على دور الدولة بل لا بد ان يكون للقطاع الخاص مساهمة اساسية في المشاريع التنموية المشتركة. وان تكون مساهمته مبادرات يقودها القطاع الخاص دون ان ينتظر المبادرة من الدولة. هذا ما حدث في الاتحاد الاوروبي وهو احد اهم اسباب نجاحه. الى حد الان هذا ما هو مفقود في التجربة الخليجية او على الاقل قليل الحدوث والتاثير. فهل توجه غرفة التجارة يصب في هذا الجانب؟ وماهي رؤيتها للتكامل وكيف ستساهم فيه وخصوصا في الجانب التنموي وتاثيره على المجتمع؟

تتساءل غرفة التجارة “هل ما نعيشه بعد اربعة عقود هو تكامل اقتصادي؟ ام تنافس اقتصادي؟ والى اي مدى تحققت اهداف التكامل الاقتصادي الخليجي وماهي التحديات؟ ماهي الفرص الموجودة بالنسبة للبحرين سواء للتكامل او للتنافس؟

من ما نشترنه الغرفة يتضح انها تسعى الى ان يكون للقطاع الخاص دور ريادي في التكامل. هذا توجه سليم حيث ان التكامل المدفوع من قبل القطاع الخاص يكون اقل تاثرا بالاوضاع السياسية المتقلبة في المنطقة وبالتالي اكثر استدامة. كما انه عندما ينجح يؤثر على المواقف السياسية وقد يخفف من توتراتها. لكي يبرز هذا الدور ويكون مؤثرا يتطلب عمل جماعي من غرف التجارة يضع تصور يستفيد من الرؤى الرسمية، ويكون مستقل عنها في التنفيذ قدر الامكان. لا ينبغي ان يقف هذا التوجه عند التعاون التجاري بل يتعداه الى مشاريع صناعية كبيرة يقودها القطاع الخاص. السؤال الذي يجب ان تناقشه الغرفة هو ما مدى امكانية ذلك في ظل اقتصادات تهيمن عليها الصناعة النفطية الحكومية؟

ما هو مؤكد، وفق رئيس الغرفة، ان الشعوب والقيادات والقطاع الخاص يدركون جميعا الحاجة للتكامل والاستفادة من حجم السوق الخليجية وما يمثله من ثقل. هناك توافق على ان التكتلات تمثل فرصة تاريخية لتفعيل الاتحاد الجمركية والسوق المشتركة، فلا يوجد بديل في نظرنا عن تشكيل تكتل اقتصادي قوي، لكن عدم تحقيقه الى الان يشي بوجود مشكلة ما؟ فما هي المشكلة؟

في مقابلة مع رئيس الغرفة يرى ان اهم المشاكل التي تعاني منها دول الخليج هو اختلاف القوانين او تباينها مما يعيق التكامل بين دول الخليج وكذلك يعرقل الاتفاق مع تكتلات اقليمية اخرى. فقد اوضح ممثلوا الاتحاد الاوروبي ان اختلاف القوانين ضمن دول مجلس التعاون يعيق عقد اتفاقيات مشتركة مع السوق الخليجية واعتباره كتلة واحدة.

تقول الغرفة ان المشكلة تكمن في الجهات التنفيذية، مما يتطلب تنسيقا اكبر بين المسؤولين التنفيذيين لحل العقبات، ولا بد من “الانتقال من مرحلة الشعارات الى الافعال” وان يكون هناك التزام زمني للتعامل مع المعوقات والتغلب على التحديات المحلية والاقليمية قبل الوصول الى التكامل المنشود. اما على المستوى الاقليمي فان السياسات المختلفة والمتناقضة هي العقبة في نظرها. فمثلا الى الان لم تُفعَّل اتفاقيات التجارة الحرة بعد ثلاثين عاما من المباحثات في الامانة العامة، وكذلك الحال بالنسبة للتجارة الحرة مع الاتحاد الاوروبي، والسبب كما يرون وجود تباين في القوانين الداخلية في دول المجلس. الامر الاخر تقوم بعض دول الخليج بفرض حماية محلية في مواجهة السلع الخليجية، او تقديم ميزات للمنتج المحلي في المناقصات والمشاريع الحكومية اوتفرض رسوم على المواد المصنعة في الدول الخليجية الاخرى.

نعتقد ان تباين القوانين وتضارب السياسات ووضع حماية محلية ليست مشكلة تنفيذية وانما تدخل في صلب المسئولية في وضع السياسات والالتزام السياسي في التنفيذ. فتغيير القوانين يحتاج الى تشريع واقرار من قبل الحكومات على مستويات عالية وليس على مستوى اداري. في نهاية المطاف نرى ان تضع الغرف التجارية الخليجية تعريف لماهو التكامل الذي يسعون اليه واين حدوده؟ هل هو تجارة حرة وسوق مشتركة؟ ام يتجاوزها الى حرية انتقال السلع والعمالة ورأس المال والاستثمار والمعرفة؟ ووحدة العملة؟ الى اين سنقف؟ ما اثير في المقابلة لا يعبر عن اصل المشكلة وجذورها ولا يمكن ان نحمل البيروقراطية مسئولية التاخير. التكامل له عاملان احدهما اقتصادي والاخر سياسي والعامل الثالث هو التفاعل بين العامل الاقتصادي والسياسي. ومناقشة هذه العوامل مهم للتوصل الى جذور المشكلة.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *