نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

غرفة التجارة ومؤتمر رجال الأعمال والمستثمرين العرب (3)

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٩ – 02:00

مقال الاسبوع- التعليم والمعرفة اساس الابتكار ولكنها تحتاج الى بيئة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية لكي تتحقق كما تحتاج الى سياسة تعلمية ومنهج ووسائل تستطيع ان تربي في المجتمع مهارات الابتكار ضمن هذه البيئة، السؤال هل توجد لدينا اولا البيئة الصالحة وثانيا هل اقتصاد المعرفة يمكن ان يلبي متطلبات المجتمع من خلق وظائف وضمان اجتماعي وغيره؟ كيف ومتى يمكن ان يتحقق ذلك؟ الاسئلة هذه لا يجيب عليها المؤتمر ونود ان تتصدى لها الحكومة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1194733

تحدَّثنا في المقالين السابقين «أخبار الخليج 13 و19 ديسمبر 2019» عن رسائل أطلقها المنتدون وعن التمويل المتوافر للجيل الجديد وللشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة للاستفادة من التكنولوجيا الرقمية في الثورة الصناعية الرابعة، وعن دور الحكومات في هذه الثورة. في هذا المقال سوف نلخص بعض توجهات المؤتمر ونناقش بعض الجوانب حول التحول الرقمي في الثورة الصناعية الرابعة.

التوجه الأهم هو أن الدول العربية عليها أن تلحق بركب الثورة الصناعية الرابعة وليس لديها خيارٌ آخر، والسؤال يدور في الكيفية فقط. الآليات التي انبثقت من المؤتمر لهذا التحول هو أولا إصلاح التعليم بحيث يواكب متطلبات المرحلة، ثانيا تبني القطاع الخاص زمام المبادرة وقيادة التحول، ثالثا تطوير أدوات تمويل متقدمة قابلة للمخاطرة والريادة موجهة إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ورابعا إعطاء الشباب فرصة للمشاركة وتهيئة بيئة مناسبة للاستثمار المحلي والأجنبي وتشجيعهم لاقتحام الأسواق العالمية.

الملاحظة العامة على هذه الآليات هو أن هناك تركيزا كبيرا على الجوانب التقنية من التنمية والتحول الرقمي. أي أن المنتدين يعولون على أن التعليم واستخدام تقنية المعلومات واستخدام شبكات التواصل واستخدام الإنترنت لإنهاء المعاملات وإدخالها في مناهج التعليم وفي المعاملات الحكومية، سوف ينقلنا ذلك إلى الاقتصاد الرقمي ويوفر فرص عمل كافية لمعالجة البطالة وفي نفس الوقت تحقيق التنوع الاقتصادي والتكامل. 

نرى أن هناك تفاؤلا قد لا يستند إلى واقع. التعليم والشباب والابتكار والريادة هي أمور مهمة وشرط أساسي في الثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي لكن السؤال: هل هي كافية لإحداث التحول ومعالجة اقتصادات المنطقة، أم أن هناك شروطا أخرى «إنسانية واجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ومؤسسية وقانونية» لا بد من توافرها لنجاح التحول واستدامته؟ وإذا اتفقنا على أن توفُّر هذه الشروط مهم فكيف سنحققها ومتى وما الآليات والأدوات المتوافرة والمقبولة مجتمعيا ورسميا؟ 

فمثلا أثار الدكتور مازن السويد «رئيس مجلس إدارة هيئة الاستثمار والتنمية اللبنانية (إيدال) قضية مهمة حول الوضع الاجتماعي والسياسي في معظم الدول العربية وقال إن الوضع في لبنان ينطبق على معظم الدول العربية. وأضاف أن «الشباب بحاجة إلى إدماجهم في المجتمعات وتوفير الحقوق والمعلومات لهم وتوفير القاعدة القيمية والأخلاقية وتوفير الحماية الاجتماعية «في حالة الفشل» التي تسمح بالمخاطرة». ما حدث في لبنان هو ثورة شباب حول «العبث بجيل التواصل الاجتماعي». ويواصل إن «هذا الجيل يحتاج إلى المعرفة والمعلومة الموثوقة، يحتاج إلى الفرصة العادلة والتقدير المناسب، يحتاج إلى الشعور بالمشاركة والإسهام في اتخاذ قرارات بناء بلده، وينهي بأنه «لم يبقَ في لبنان سوى رأسمالها البشري الشاب المتوثب القادر والمتعلم الذي يحتاج إلى فرصة».

من ناحية أخرى، يتساءل مدير الندوة هل الحكومات مستعدة للخروج من الساحة وترك القطاع الخاص يتولى ويقود التنمية؟ يجيب الدكتور السويد أيضا، «إن الحكومات غير مستعدة للابتعاد عن الحياة الاقتصادية في المنطقة، فهي ليس مستعدة لإرخاء الحواجز بين الدول وفتح الحدود لانتقال السلع والبضائع والخبرات والمهارات والتمويل في منطقة كبيرة حيوية تتوسط العالم. ومن ناحية أخرى لا توجد في منطقتنا العربية دولة قادرة بمفردها على التطور وقيادة المنطقة. لذلك لا بد من تكامل اقتصادي في الوطن العربي يمنح الشباب العربي الفرصة التي يستحقها، وهذه دعوة إلى الدول لإفساح المجال وتغليب المصلحة القومية.

 فما تمر به المنطقة العربية من صراعات وانقسامات هو نتيجة تغليب مصالح خاصة أدت إلى إقامة حواجز بقوانين تمنع تدفق السلع والأفكار والمهارات بين هذه الدول وبالتالي فإن أي محاولة منفردة لن تجد النجاح».

بخصوص اقتصار دور الحكومة على التنظيم فقط، لم يقدم الوزراء مثالا واحدا لدولة استطاعت أن تتحول إلى اقتصاد إنتاجي تنافسي من دون سياسة صناعية ونوع من الحماية والدعم. فنجد أن أمريكا التي يرى المتحدث أن الاختراعات التي ظهرت منها كانت من القطاع الخاص وبجهد شباب في ورش و«كراجات»، لم تتمكن من التوصل إلى هذا المستوى دون سياسة صناعية وزراعية قادها الآباء الأوائل في القرن التاسع عشر، ولا تزال الحكومات المتعاقبة مستمرة في تمويل الأبحاث الأساسية من خلال هيئة الفضاء والقوات المسلحة والحكومات المحلية، والجامعات البحثية ووكالات مختلفة أخرى مثل مختبرات بيل. حتى الاختراعات الكبرى من الإنترنت والهاتف النقال والكمبيوتر والثورة الصناعية الأولى والثانية «القطارات وخطوط سكة الحديد في أوروبا وأمريكا» كانت نتيجة دعم الأبحاث الأساسية. 

كذلك قفزت شرق آسيا بفعل السياسة الصناعية والتمويل الجزيل للشركات الكبرى، الصين اليوم وسنغافورا وكوريا بالأمس، وقبلهم اليابان، وحتى ألمانيا وفرنسا في منتصف القرن التاسع عشر. بعبارة أخرى من الصعب أن نجد دولة اعتمدت على القطاع الخاص دون تدخل ودعم وحماية من الحكومة. 

المشكلة التي يشير إليها الدكتور السويد هي أن المنطقة تفتقر إلى الاستقرار في العلاقات السياسية ويؤثر ذلك على الجانب الاقتصادي وعلى الثقة بين الحكومات والمجتمع التجاري. الأمر الآخر هو أن التعليم لا يزال يقاتل من أجل الخروج من عباءة الثقافة التقليدية المحافظة التي ترفض الفكر النقدي جملة وتفصيلا حتى وإن تحدث المسؤولون عن ضرورة تكريسه في المدارس، فذلك يحتاج إلى تنمية التفكير النقدي وطرح الأسئلة المحرجة التي تتوافر بإدخال مناهج الفلسفة في التعليم. يظهر أن هناك تضاربا بين التوجه السياسي وبين الحاجة الاقتصادية. الإنسان الذي يخاف طرح الأسئلة من الصعب أن يكون مبدعا.

في نهاية المطاف لم يقدم المنتدون تصورا متكاملا لكيفية التقدم من الوضع الحالي إلى الوضع المستقبلي. كانت هناك مقترحات لكن طبيعة الحوار كانت لا تمثل إطارا متكاملا يبين معالم الطريق وكيف ستكون النتيجة، على الأقل في شكلها العام. ترتكز الفكرة على فرضيتين، تقول الأولى إن بإمكان دول الخليج إصلاح التعليم بطريقة ستؤدي إلى خلق جيل من الشباب يتمتع بمهارات القرن الواحد والعشرين ويتحلى بأخلاقيات العمل. وتقول الثانية إن هذا سيكون كافيا لدفع عجلة الاقتصاد والنمو وخلق فرص عمل ورفاه اجتماعي. نتمنى ذلك لكن لم يحدد المنتدون كيف سيتم ذلك وما هو الإطار الزمني لهذا التحول وما النتائج التي سنصل إليها وكيف سننتقل إلى مجتمع معرفي ومجتمع يتعلم؟ وكيف ستتحقق التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية اللازمة والداعمة التي بيَّن أهميتها رئيس الغرفة؟

mkuwaiti@batecloc.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *