نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

غرفة التجارة ومؤتمر رجال الأعمال والمستثمرين العرب (2)

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠١٩ – 02:00

مقال الاسبوع- المؤتمر يحاول ان يقول بان القطاع الخاص هو الجهة المسئولة عن التنمية وهو الجهة الفاعلة في والتحول نحو الاقتصاد المعرفي وهي الجهة المطالبة بقيادة التنمية والتصدي لخلق فرص عمل. نرى ان هذا صحيح الى حد كبير ولكن السؤال الذي طرحه المحاور وهو هل القطاع الخاص مستعد وقادر على ذلك. وهنا لم يوفر المؤتمر جواب قاطع او مقنع حول هذه الامكانية ومازال الجدل يدور. هناك رأي يقول بدور مؤقت للحكومات ونرى اهمية تطوير هذا الرأي.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1194004

تحدثنا في الأسبوع الماضي (أخبار الخليج 12 ديسمبر 2019) عن عدد من الرسائل التي خرج بها مؤتمر غرفة تجارة وصناعة البحرين. في هذا المقال سوف نتحدث عن بعض الجوانب المهمة التي تمت مناقشتها باستفاضة وهي التمويل المتوافر للجيل الجديد وللشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة للاستفادة من التكنولوجيا الرقمية في الثورة الصناعية الرابعة ودور الحكومات في هذه الثورة.

خصص المؤتمر حلقة نقاشية لذلك شارك فيها كل من وزير المالية البحريني الشيخ سلمان بن خليفة والدكتور مازن السويد رئيس مجلس إدارة هيئة الاستثمار والتنمية اللبنانية (ايدال) والسيد عبدالله الزامل رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة الزامل للاستثمارات الصناعية. ناقش المنتدون معوقات النجاح في الثورة الصناعية الرابعة وأهمها محدودية الوصول إلى التمويل وكيف تشجع الاستثمار للمبتدئين والرواد ودور الحكومات.

بدأ النقاش بمداخلة الشيخ سلمان حول البيئة الاستثمارية من حيث السياسات والحوافز والتشجيع، وبيان أهمية الاستثمار في أي اقتصاد من اجل استمرار تدفق الأفكار والمشاريع. اجمع المنتدون على ان قنوات التمويل في منطقة الخليج محدودة تعتمد على القطاع البنكي وعلى بعض المبادرات الحكومية. القطاع البنكي محافظ، تمويله تقليدي يستفيد منه من يملك الملاءات المالية العالية، لكنه ليس مصمما لتشجيع الريادة في الأعمال والمخاطرة وتجربة الأفكار الجديدة، احد الأسباب هو تجريم الفشل وقد يساعد قانون الافلاس في معالجة ذلك.

تحتاج بيئة العمل إلى نوعين من التمويل. تمويل للشركات التي تريد التوسع أو اجتياز مرحلة متعسرة، وتمويل لتأسيس شركات (start ups). يتفق المنتدون على ان أنواع التمويل المتوافر قد يخدم متطلبات التوسع للشركات القائمة ولكنه لا يخدم الحاجة الماسة لتمويل يقبل بالمخاطرة على غرار ما هو موجود في الدول المتقدمة وبالذات أمريكا. هذا النوع من التمويل (venture capital) يتحمل هامشا كبيرا من المخاطرة ويعتمد على الدخول في أعداد كبيرة من المشاريع بمستويات مختلفة من المخاطر (يخصص جزء من استثماراته للمخاطرة العالية) وبالتالي فإن المحصلة النهائية تكون عادة ايجابية. 

حول دور قطاع البنوك يقول السيد عبدالله الزامل انها لعبت دورا مهما في النمو خلال الخمسين سنة الماضية، استفادت من ذلك الأعمال التقليدية في المنطقة. لكن مع قدوم التكنولوجيا والتقنيات الرقمية فإن الحاجة الى مصدر آخر للتمويل أصبح ضرورة. ما زلنا متأخرين بالنسبة الى تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ونحتاج إلى نوع آخر من التمويل. هناك 96% من المؤسسات التجارية هي صغيرة بينما التمويل الموجه لمثل هذه المؤسسات لا يتجاوز 7% بينما في منطقة شرق آسيا 16% يوجه نحو المؤسسات الصغيرة. السبب هو ان الفشل كان جريمة، جعل المؤسسات المالية تحجم عن اقراض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو المشاريع المخاطرة. قانون الإفلاس لوحده لا يكفي، نحتاج كذلك إلى اطار تنظيمي للمنافسة، ولحقوق الملكية، ولسوق العقار. نحتاج إلى نظرة أكثر شمولية لإصلاح سوق المال والتمويل بشكل اكبر من مجرد وضع قانون هنا وقانون هناك. 

السؤال الآخر والأهم الذي يطرحه المنتدى هو ما دور الحكومات في تحفيز التنمية في اتجاه الاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة وما توفره من فرص؟ والسؤال الذي كان يدور ضمنيا في الحوار هو لماذا أخفقنا في الاستفادة من الثورات الصناعية السابقة؟ وما هي الدروس التي يمكن ان نستخلصها من هذا الإخفاق، وهل تنحصر أسباب الإخفاق في الجانب الاقتصادي أم أنها تشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية؟ وكيف نستفيد منها لأحداث التحول في مجتمعاتنا الخليجية والعربية؟

موقف المنتدين هو ان يقتصر عمل الحكومات على الجوانب التنظيمية وتهيئة البيئة المناسبة للاستثمار والإبداع والابتكار وهذا يأخذ مسارين، المسار الأول الجانب التنظيمي والقانوني والجانب الثاني هو التعليمي التأهيلي. أي ان المطلوب فقط هو إصلاح الهيكل القانون والقواعد التي تحكم ممارسة النشاط التجاري وتسهيل إجراءاته بما يشجع على فتح الأنشطة التجارية وتيسيرها، وثانيا توفير خريجين على مستوى عالٍ من القدرة الابتكارية والإبداعية والريادية، وفي نفس الوقت توفير عمالة متدربة ماهرة تمتلك مواصفات صالحة لهذه المرحلة. لم يتطرق المنتدون إلى نوعية هذا الإصلاح وكيف سيكون وما هي المهارات التي تحتاج اليها وهل هذه المهارات تتفق مع الثقافة الاجتماعية والدينية في دولنا الخليجية بشكل خاص والدول العربية بشكل عام؟ وكيف سنتصرف عند وجود تضارب بين هذه الثقافة وبين متطلبات المرحلة؟ وهنا لا بد ان نشير إلى تجربة المملكة العربية السعودية في إدخال تدريس مادة الفلسفة والمنطق في مناهج التعليم. هذه خطوة ممتازة ونأمل ان تتقبل البيئة المحيطة التفكير النقدي ونوع الأسئلة التي بالضرورة يطرحها من يدرس الفلسفة ومن يراد له ان يكون مبتكرا ومبدعا؟

بالنسبة الى القول بعدم تدخل الحكومات فهو لا يستند إلى أدلة كافية عملية من تجارب الدول التي سبقتنا. والأرجح انه يستند إلى آيديولوجية البنك الدولي وتوافقات واشنطن المرتكزة على الليبرالية الجديدة. فمثلا يقول الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستغلتز (J.E.Stiglitz) في كتابة «خلق مجتمع يتعلم، 2015»، انه لا توجد تجربة ناجحة لم تكن الحكومة متدخلة فيها من خلال سياسة صناعية وتجارية نشطة ودعم موجه نحو قطاعات معينة، وهذا ينطبق على تجارب أوروبا وأمريكا وشرق اسيا. كما ان الحديث عن عدم تدخل الحكومات لا يفسر تأثير التمويل الضخم الذي تدفعه أمريكا للأبحاث الأساسية التي شكلت القاعدة الصلبة التي بنيت عليها الثورة الصناعية الثالثة والرابعة في الاتصالات والإنترنت والرقمنة. 

لذلك نميل إلى الاتفاق مع السيد الزامل الذي اثار نقطة هامة في ان للحكومة دورا ودورا مهما خصوصا في البداية ومتى ما وقفت الصناعة على قدمها يمكن ان تبتعد الحكومة تدريجيا. وهذا الدور لا يقتصر على التمويل فقط بل يشمل كذلك الدعم والحماية الجمركية (أوروبا مازالت تقدم الحماية الجمركية لصناعتها البتروكيماوية ولقطاع الزراعة). الآن السؤال كيف يكون هذا التدخل ومتى يقف الدعم ومن يقرره؟ وللحديث بقية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *