نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

فة التجارة ومستقبل الاقتصاد في المنتدى الاقتصادي

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٨ ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع – شاركت غرفة تجارة وصناعة البحرين في المنتدى الاقتصادي وتوقعنا ان ترسم ورقتها رؤية لمستقبل البحرين الاقتصادي. والغرفة لديها الامكانات والمعرفة والتاريخ الذي يؤهلها لذلك لكن الورقة اتت بتوصية يتيمة باضافة عضوين من الغرفة في مجلس المناقصات. هذه الورقة لا تنصف الغرفة ومكانتها واهميتها.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1180635

مثَّل المنتدى الاقتصادي الذي نظمه مجلس النواب وشاركت فيه غرفة التجارة بالإضافة إلى الحكومة ومجلس الشورى فرصةً مهمة لمناقشة الوضع وتقديم رؤى مختلفة لمسيرتنا الاقتصادية. تناولنا في ثلاثة مقالات ما طرحه مجلس النواب ومجلس الشورى، والآن نرى من الضرورة مناقشة ورقة غرفة التجارة المعنية بسلامة الوضع الاقتصادي وبنموه وازدهاره.

تعتبر غرفة التجارة المؤسسة الأعرق تاريخيا بين المشاركين، ولديها من الإمكانيات المعرفية التي تجعلها قادرة على تقديم رؤية واضحة لمستقبل الاقتصاد في البحرين بشكل مستقل عن باقي المؤسسات. لذلك كان بودنا ان نرى لها استشرافا ورؤية خاصة بها تطرح معالجة شاملة للوضع الاقتصادي تتناول مختلف الجوانب المؤثرة في خلق بيئة استثمارية وبيئة مؤسسية تحفز الاقتصاد وتضع الضوابط والتوجهات لتجعل الاقتصاد البحريني يسير نحو الإنتاج. كذلك كان بودنا ان نرى تحليلا للوضع الاقتصادي في البلد ومدى تأثير المنافسة الأجنبية على السوق سواء من العمالة أو التجار الأجانب الذين غزوا السوق بفعل القوانين التي وضعت والتسهيلات التي منحت لهم. لماذا امتنعت الغرفة وسكتت عن التطرق إلى هذا الجانب الذي يشكو منه تجار ومقاولو وموردو البلد؟ سؤال نطرحه على الغرفة لتوضح للرأي العام، هل هو سكوت مقصود لأنها تفضل العمل من خلال الاتصال مع صانع القرار مباشرة أم أنها لم تر مصلحة من إثارة هذه النقاط التي يعاني منها التجار؟ 

وضعت الغرفة هدفها في هذا المنتدى ليكون «تطوير تنافسية الاقتصاد الوطني». لم نر في ورقتها ما يشرح مفهومها لهذه التنافسية أو يتعرض لما تتطلبه تنمية هذه المنافسة، بل إنها اكتفت بالقول إن التشريعات الاقتصادية الصادرة خلال الأعوام الأخيرة مهمة ومحفزة للبيئة الاستثمارية والاقتصادية في المملكة. لم تقدم أمثلة على هذه التشريعات ولم تحلل ما هي مقومات التنافسية التي تعتمد عليها البحرين. وإذا علمنا ان هناك نقاشا في المجتمع يدور حول قدرة نظام التعليم الحالي على بناء القدرات التنافسية والابتكارية في الطالب، وهناك مطالبات من جهات عدة برفع مستوى التعليم وتغيير الفكر السائد فيه، نجد ان الورقة لم تضف إلى هذا النقاش أو غيره.

النقطة الثانية التي تطرحها الورقة هي «تعزيز مسار التنمية»، واكتفت هنا كذلك بأن «القوانين الاقتصادية الموجودة عززت مسار التنمية وأسهمت في خلق فرص لرواد الأعمال والتجار في السوق». وترى ان القوانين التي تم وضعها كافية (قانون تشجيع وحماية المنافسة، وقانون إعادة التنظيم والإفلاس، وقانون المناقصات والمزايدات والمشتريات الحكومية)، ولم تذكر ما هو مسار التنمية الذي تعززه هذه القوانين. فمثلا هناك نقاش دائر في أروقة الهيئات وفي الحكومة عن التحول نحو الاقتصاد المعرفي، وتارة يكون الحديث عن التحول نحو الاقتصاد الإنتاجي بعيدا عن النفط، فما هي رؤية الغرفة لهذه التحولات وكيف ينبغي أن تتم؟

ترى الغرفة ان مستوى التعاون بين الحكومة والغرفة قد عالج الكثير من القضايا وأهمها القوانين المتصلة بالاستثمار والاقتصاد، وأن هذا التعاون قد دعم الابتكار ومهد الطريق أمام التاجر البحريني لزيادة إنتاجيته، كما انه منع الاحتكار والممارسات المناهضة للمنافسة وسهل الدخول إلى الأسواق للمؤسسات والشركات. هذا صحيح إلى حد كبير، الا ان ذلك وفر فرصا كبيرة للأجانب لغزو الأسواق من دون وضع علاج لضمان تكافؤ المنافسة. المنافسة بين رجل الأعمال البحريني ورجل الأعمال الأجنبي لا يمكن ان تكون متكافئة، في الوقت الذي لا يتحمل التاجر الأجنبي عبء تكاليف العيش في البحرين، بل هو يرسل أموالا إلى أهله في بلده ويعيش في البحرين على حد الكفاف، ومن ثم فإنه يفرض منافسة شرسة على أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من البحرينيين. رجل الأعمال البحريني ينظر إلى الغرفة على أنها العون له، لكن الورقة لم تظهر أي توجه في هذا الصدد. 

اهتمت ورقة الغرفة كثيرا بقانون المناقصات والمزايدات والمشتريات الحكومية، ورأت ان التعديل الأخير لهذا القانون قد حقق أعلى قدر من الكفاءة الاقتصادية وتعزيز النزاهة والمنافسة والشفافية وحماية المال العام. 

هذا الاهتمام الكبير بهذا القانون بطبيعة الحال يأتي أولا لأنه يخدم كبار رجال الأعمال بشكل خاص، وثانيا يثبت أن القطاع الخاص في البحرين تهيمن عليه العقلية الريعية التي تعتمد على مشاريع الحكومة بالدرجة الأولى وبشكل أوحد في كثير من الحالات، ويعزز وجهة نظرنا التي أوردناها في مقالات عدة بأن القطاع الخاص في البحرين غير مهيأ لقيادة الاقتصاد والخروج من عباءة النفط. أظهرت هذه الورقة بشكل واضح ان اعتماد غالبية كبار رجال الأعمال في البحرين يقوم على الانفاق الحكومي؛ وبشكل خاص المناقصات الحكومية ومشاريع البنى التحتية. هذه العقلية غير مستعدة لبناء اقتصاد إنتاجي يتحمل المخاطرة وانتظار الأرباح سنوات طويلة كما هو الحال في المشاريع الصناعية والإنتاجية.

خلاصة الحديث ان هذه الورقة لا تنصف الغرفة ولا تبرز أي دور للغرفة في رسم السياسة الاقتصادية، ولا تظهر ان للغرفة رؤية اقتصادية يمكن من خلالها إشراكها في صنع القرار. التوصية الوحيدة التي قدمتها هي تعديل مادة في قانون المناقصات (بحيث يضم عضوين من الغرفة) وكأن مستقبل البحرين الاقتصادي منحصر في مجلس المناقصات. هذا يشير الى ان القطاع الخاص يعتمد اعتمادا كليا على الانفاق الحكومي، وأن نشاط القطاع الخاص (الجماعة المؤثرة في قراراته) ينحصر في التوريد والبيع للحكومة والمجتمع، وثانيا على المقاولات التي تصدرها الحكومة. فهل يمكن الاعتماد على هذا القطاع الخاص في قيادة الاقتصاد؟ 

لا نستطيع ان نعمم، لكن هذا يعزز اعتقاد أن العقلية التي تهيمن على القطاع الخاص هي عقلية ريعية تنتظر المناقصات والمشاريع للدخول فيها وتوريد ما تحتاج إليه الدولة والمجتمع من مواد استهلاكية وسلع خدمية لكي تقوم بتوفيرها وجني أرباح بعد ان ضمنت الاحتكار غير الرسمي في كثير من الجوانب التجارية. هذه العقلية لا تربي في مجتمع الأعمال روح الريادة والابتكار، بل تحصر ابتكارها في كيفية التقرب إلى المؤثرين في القرار في المناقصات. 

mkwuaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *