نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. في ذكرى الحسين.. التسامح ثقافة ومواطنة 

  تاريخ النشر :٢١ نوفمبر ٢٠١٣ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع- لكي يكون التسامح ثقافة لا بد من اقرار كل منا بمسؤوليته عن ما يحدث من صراع طائفي، لا احد يملك الحقيقة وان هناك جزء منها لدى الاخر، العكس هو التعصب والاقتتال والتخلف 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13026/article/57693.html

 ثورة الحسين بن علي رضوان الله عليه ضد الظلم هي مناسبة عرفها البحرينيون منذ زمن، ونتذكر طفولتنا وشبابنا ومشاركتنا في هذه المناسبة التي لم نكن ندرك معناها وتأثيرها على مسيرة التاريخ الإسلامي، وما تبعها وما سبقها من صراع سياسي وأخلاقي، شكل ذلك مجمل التاريخ الإسلامي فكريا وعقائديا وسياسيا. الخلاف اليوم بين المسلمين ليس على حب آل البيت فالأمة تشترك في رفض الظلم ونصرة الحسين. إذن، كيف نفسر ما يحدث في كثير من الدول الإسلامية من تشرذم وصراع واتساع الهوة بين المذاهب وأصبح القتل على الهوية ثقافة جماعات أفسدت دينها ودنياها. 

 تعود الذاكرة بنا في مناسبة عاشوراء لتؤكد أن أهل البحرين ليسوا طائفيين بالدرجة التي رأيناها في مجتمعات أخرى أو روتها تجارب الدول الغربية. إن ما طرأ عليها هو تأثر بقضايا سياسية وتطورات إقليمية. منذ نهاية السبعينيات مرت المنطقة بتطورات إقليمية، وشهدت فترات من الهدوء وأخرى من التوتر متأثرة بالظروف السياسية والتحالفات الدولية. مع نكسة عام 1967 وانحسار التيار القومي واندلاع الحرب العراقية الإيرانية والحرب الأفغانية الروسية تفاقم الصراع المذهبي في المنطقة. هل يمكن فصل أي بلد في الشرق الأوسط عن مثل هذه التطورات أو عزلها عما يحدث في محيطها؟ 

 السؤال: كيف نتعامل مع هذا الوضع في العالم العربي بشكل عام والخليج بشكل خاص؟ من الصعب علاج أي خلاف ما لم يكن لدى الأطراف استعداد لتحمل جزء من المسؤولية، والإقرار بنسبة من الخطأ في أسباب الخلاف. فالإنسان يجب أن يبحث في داخله عما يمكن أن يكون خطأ في سلوكه. بالنسبة إلى المسلمين من الصعب معالجة قضية الصراع الطائفي من دون النظر إلى تراثنا والتحقق منه بتجرّد وحيادية. والبحث في أين الخطأ في تراثنا الإسلامي، في تصوير العصر الجاهلي، وصدر الإسلام، ونشأة الدولة الأموية والصراع الذي سبقها وقيام الدولة العباسية وملابساتها. هل ما وصلنا من كل ذلك هو الحقيقة أم أنها ملونة بميول سياسية من الرواة والحكام والمعارضة في ذلك الوقت، فكل له مصلحة في نصرة موقفه وادعاء الشرعية. 

 مثل هذا الصراع حصل في أوروبا، وفظاعة ذلك جعل فلاسفة أمثال فولتير وجون لوك يطرحون قضية التسامح ويفككونها بقصد علاجها. بالنسبة إلى جون لوك، فالتسامح يعني أن لا يدعي من يمارس الاضطهاد أنه يقوم بذلك من أجل الصالح العام. وثانيا ألا يوجد في الدين ما يبرّر ممارساته. وثالثا ألا يفرض الإنسان على نفسه أو على غيره شيئا بدعوى الولاء «لأي إنسان».

 أما فولتير فقد رأى في مشكلة التسامح تعصب الرأي العام، وجسد بنفسه دور المثقف في التنديد بغياب العدالة في المجتمع، وكان قاسيا في نقده لمذهبه الكاثوليكي قبل البروتستانتي. بلغ حينها التعصب مداه في فرنسا حيث يُحرق الإنسان لمجرد أنه لم يقف لموكب كنيسة يمشي أمامه. أي التعصب الذي يصل بالانسان إلى اعتقاده أنه يدخل الجنة عندما يقتل شخصا آخر. إن حدوث ذلك، في نظر فولتير، ليس بسبب غياب القوانين ولكن بسبب انتشار الجهل الذي يسمح لرجال الدين بقيادة الناس إلى غايات لا عقلانية. الحل عنده هو نشر ثقافة التنوير ورفض الظروف التي تنشر التعصب حتى بين أبناء الدين الواحد أو المذهب الواحد. 

 أي أن تجاوز المشكلة يتطلب الدخول في غربلة للتراث يقوم بها مثقفون على قدر كبير من الاستقلال الفكري والقدرة على التجرد والصرامة في البحث العلمي، معتمدين منهجية النقد التاريخي. يطرح التراث الأوروبي طريقين لمحاربة التعصب وإشاعة التسامح. الطريق الأول الذي وضعه جون لوك وهو من خلال القوانين والدساتير والمواطنة والمساواة. طريق آخر ورد في رسالة فولتير وهو الثقافة المجتمعية. قد يكون الحل في دمج الاثنين معا، فهل يمكن لمجتمعاتنا العربية أن تتبنى ثقافة التسامح؟

 بالنسبة إلى الإصلاح السياسي فإن المحاولات تجري ونأمل أن تنجح، ولكن هل يمكن لمفكرينا ومثقفينا القيام بنقد تاريخي لتراثنا الإسلامي ومعرفة ملابسات ما حدث فعلا منذ السقيفة بعيدا عن التوجهات المذهبية والأمزجة السياسية؟ هل يمكن أن نعقلن المذاهب ونخرجها من تأثير الصراع السياسي الذي حدث؟ هل يمكن لمثقفي السنة والشيعة أن يتصدى كل منهم لتراثه؟

 حاول بعض الكتاب وكذلك رجال الدين في مؤتمر المنظمة الإسلامية الوصول إلى تقارب بين المذاهب ولكنهم فشلوا، على الرغم من مرور سنوات على محاولاتهم. لا يمكن الإصلاح بين المذاهب من منطلق فرضية أن الآخر هو المخطئ. الإصلاح يجب أن يبدأ بالبحث في قناعاتنا وفي تراثنا وفي تاريخنا للتحقق من الوقائع والبحث عما ارتكبه كل طرف في حق الآخر، وليس البحث عن أخطاء الآخر فقط. 

 لا بد لنا من سلوك الطريق الوعر الشائك ومناقشة التطرف والتعصب والطائفية وأصول الخلاف المذهبي لنصل إلى أعماقه؟ الأمل يكمن في عنصرين: 1) رغبة الشعوب حين يُترك لها المجال لتعبر عن نفسها بحرية في دولة مدنية ديمقراطية، كما رأينا في الثورات العربية. 2) إن تَبَني التسامح الديني هو مَيْل إنساني عام، وخصوصا بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة مكونة من قوميات وأديان ومذاهب. أي أن التسامح أصبح ضرورة لمنع الصدامات التي لا يمكن لأي إنسان إلا أن يرى مساوئها. أما أرسطو فيرى أن التسامح يتحقق بالحب والقانون؟

  mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *