نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 قانون التقاعد .. بل قانون التوظيف ضرورة تنموية

في اول يوم من أيام شهر رمضان الكريم حضرنا مجلس رمضاني وكان الحديث عن معايير اختيار المرشح في الانتخابات النيابية المقبلة. لكن سرعان ما تحول الحديث وبقدر كبير من المشاعر وبقدر أكبر من الغضب الى مناقشة عدم وجود ضوابط او قانون لتوظيف البحريني. الشكاوى كانت تدور حول الابن الذي أصبح أطول من ابيه ومازال يعتمد على والده في مصروفه. هذا الوضع بالإضافة الى كونه عامل في احباط الابن وعدم استقراره النفسي والشعور بجرح لكرامته، فهو أيضا هدرا للطاقات الوطنية وخسارة كبيرة لنظام التقاعد الذي يخسر مساهمة الشباب العاطل. وهناك من بلغ سن الأربعين او اقترب منها وهو عاطل فكيف سيعش في شيخوخته وهو لم يساهم في نظام التقاعد مدة تجعل راتبه التقاعدي يكفي لمعيشته واستقلاله. وكيف سَيُقْدم مثل هذا الشاب على الزواج ومتى يمكنه تكوين اسرة مع كل ما يصاحب ذلك من مشاكل اجتماعية.

مشكلة البطالة لا تنفصل عن مشكلة التقاعد ووجود قانون للتقاعد يطرح السؤال: ما ذا عمن لم يحصل على عمل ولم يساهم في صندوق التقاعد؟ وما هو القانون الذي ينظم العلاقة بين الفرد وواجب الدولة في تهيئة المواطن لسوق العمل (من تعليم وتدريب وبيئة المؤسسية ضامنة) وواجب الدولة في حماية حقه في فرص التوظيف وفي المساواة في التنافس على فرص العمل المتاحة. من المقترحات التي وردت من الحضور هو تخصيص بعض الوظائف للبحرينيين فقط كما هو الحال في بعض دول الخليج. ومن الانتقادات التي وردت ان بعض رجال الاعمال لا يثق في البحريني في وظيفة محاسب، والبعض لا يثق في البحريني في املاكه الخاصة ويفضل الأجنبي. إذا المشكلة ليست فقط قضية رواتب ولكنها كذلك النزعة للغموض والخصوصية الزائدة على مستوى رجال الاعمال وضعف الشفافية على مستوى الدولة.

على هذه الخلفية ننظر الى اعلان وزير شؤون مجلس الوزراء ان “اهم اهداف التنمية المستدامة هو تحقيق العمل اللائق للمواطن. وان البحرين تولي أهمية كبيرة لتحقيق هذا الهدف”. فماهي أوجه الاهتمام وكيف تتم ترجمته؟ وهل هو اهتمام شخصي من القيادات ام انه عمل مؤسسي ممنهج ومنسجم مع خطط ومشاريع التنمية؟ وهل مشاريع التنمية التي يتم الحديث عنها هي فعلا تخلق فرص عمل للبحريني ام في الغالب يستفيد منها الأجانب، فغالبيتها بنى تحتية انشائية وكذلك غالبية المشاريع الاستثمارية انشائية يستفيد منها الأجنبي أكثر من البحريني. فمثلا في مؤتمر بوابة الخليج يؤكد المسئولون على أولوية الارتقاء المعيشي الحقيقي للمواطن من خلال الاستثمار، ونمو يحقق فرص عمل للمواطنين. غير ان مشكلة البطالة معقدة واسبابها كثيرة وتحتاج الى تناول متعدد الجوانب يشمل استثمار وتشريع لإعطاء أولوية للبحريني في وظائف معينة ويشمل كذلك وهو الأهم تعليم وتدريب على مستوى عالي لم تتمكن وزارة التربية والتعليم من تحقيقه الى الان، وسياسة صناعية وتنموية.

وفق المذكرة التي وقعت في فبراير 2017 لبدأ مرحلة تعاون بين وزارة العمل وتمكين. هذا يشير الى ان الحكومة تعول على التعاون بين وزارة العمل وتمكين في خلق فرص العمل للشباب. المشاريع التي تقدمها وزارة العمل مثل دعم الأجور والحوافز للشركات وعلاوة التعطل قد تخفف من وطأة ضعف الأداء الاقتصادي في توفير فرص العمل، وتخفف الاحتقان لدى الشباب، لكنها لا تعالج فقدان الطاقة الشبابية المهدرة بسبب تعطل يستمر سنوات او العمل في وظائف لا تتناسب مع القدرات. في الحالتين فان ذلك يحبط الشباب ويقتل لديهم أحلامهم واندفاعهم الذي لازمهم طوال فترة الدراسة. الاعتقاد بان هذا التعاون (بين وزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل) سوف يقود الى زيادة “وتيرة تدفق الشواغر النوعية المناسبة للباحثين عن عمل” مهم ونامل ان يتحقق لكن كان بودنا لو انه عُزِّز بجدول يبين الشواغر التي فتحت، وفي أي المجالات وما نوع المؤهلات المطلوبة وماهي البرامج لإعداد هذه الكوادر الوطنية. ونامل ان يتم نشر تفاصل حول نسبة الشباب العاطل قبل خمس سنوات مثلا وماهي النتائج التي تحققت بفعل هذا التعاون المشترك وماهي الفرص التي فتحت فعليا؟ 

يقول معالي الوزير ان زيادة العمالة الوطنية خلال عام 2017 كانت اقل من واحد في المائة (%0.8)، في حين ان نمو الاقتصاد حسب وزارة المالية كان 4 الى 5% تقريبا. هذه الأرقام لا تتوافق مع مستويات النمو حتى مع الاخذ في الاعتبار زيادة المتقاعدين. فما فائدة النمو الذي لا يحقق زيادة في التوظيف تتناسب مع النمو؟ ولا تفسر لماذا التوظيف لا يواكب مستويات النمو الاقتصادي؟ وكذلك نحتاج البحث في قضية تكافؤ الفرص ليس فقط بين الجنسين ولكن بشكل عام. ومع ذلك فان العاطلين من الشابات قد يكون أكثر بكثير من الشباب. وفي غياب الأرقام والاحصائيات الموثوقة لا يمكن للمجتمع تقييم أي سياسة عمالية او تنموية او نتائج اقتصادية. 

وختاما بودنا لو يُطرح للبحث نسب العمالة البحرينية في كل من الشركات العاملة في البحرين مقارنة بالقطاع العام ويتم تحليلها لمعرفة أسباب عزوف الشباب عن هذه الشركات او امتناع الشركات أنفسهم عن توظيف البحرينيين، وهل هناك أسباب أخرى لم نتوصل لها؟ في نهاية المطاف فان اشتراك البحريني في سوق العمل مبكرا سوف يحسن من ايرادات صناديق التقاعد لكنه لن يجعل أداء القائمين على استثمار أموال التقاعد اكثر كفاءة وهذه قضية أخرى.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *