نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

قانون الصحافة والحاجة إلى المعلومات

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع – حرية التعبير وحرية الكلمة هي اساس الاصلاح وجوهر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقانون صحافة بدون قانون حق الحصول على المعلومات وقانون اداء يطالب الحكومة بتحقيق اهداف محددة وهيئة مكافحة الفساد هي منظومة تتكامل لتحقيق الاصلاح. قانون الصحافة الحالي لا يفي بالحد الادنى من المتطلبات.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1185097
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1185097

نشرت «أخبار الخليج» في (10 سبتمبر 2019) مسودة قانون الصحافة. انتظر المجتمع البحريني طويلا ليرى قانونا عصريا مستنيرا للإعلام والصحافة، فهل هذا القانون يلبي الطموح؟ أم ان هناك حاجة إلى منظومة من القوانين والمؤسسات تساند بعضها بعضا؟

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق 3 مايو 2019م ألقى جلالة الملك خطابا قال فيه: «لقد كنا حريصين منذ بداية مشروعنا الإصلاحي قبل عقدين على تعزيز حرية الصحافة والإعلام، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان في المعرفة والتعبير عن رأيه وفكره بحرية ومسؤولية». وقد وعد جلالة الملك بقانون عصري يخدم المشروع الإصلاحي ويشرك المجتمع في متابعة ومراقبة العمل العام والحالة السياسية والاقتصادية التي تتمخض عن مسيرة الانفتاح الديمقراطي والحياة البرلمانية التي تحتاج إلى دعم مجتمعي من خلال الصحافة.

عندما تم طرح مسودة مشروع قانون الصحافة 2002 قبل 18 سنة دار نقاش مستفيض حوله، وطرحت الكثير من المآخذ واشير الى عدة من النواقص، أمر على أثرها سمو رئيس الوزراء بإعادة إصدار قانون «يرضي طموح الجسم الصحفي»؛ لذلك فإن مناقشة هذا القانون أمر ضروري أسوة بما فعل الجسم الصحفي في 2002.

تحقيق رؤية جلالة الملك ونظرة سمو رئيس الوزراء في تحقيق طموح المجتمع البحريني ككل والجسم الصحفي بشكل خاص يتطلب أن تخضع مسودة هذا القانون للنقاش على مستوى البحرين؛ ليتاح للجميع المشاركة فيه والتوصل إلى مشروع يخدم تطور البحرين وتنميتها وطموحات شعبها المتطلع إلى حياة كريمة لا تتحقق إلا بأداء فعال من جميع أجهزة الدولة، وهذا لا يكون إلا بقدرة المجتمع على مناقشة ونقد القضايا المطروحة بكل حرية وانفتاح يرتقي بالمشروع الإصلاحي. 

أثار خطاب جلالة الملك قضية المسؤولية في حرية الصحافة وهذه قضية مهمة تحتاج إلى تحديد وتوضيح لكي لا تكون أداة يمكن أن تضر بحرية الصحافة والقدرة على النقد. المسؤولية يمكن أن تقع على صاحب الرأي أو على الواسطة الإعلامية، فأيهما أفضل لخدمة حرية التعبير. كذلك فإن كلمة «المسؤولية» يمكن التوسع فيها بحيث تصبح الصحافة مقيدة لا تخدم أهداف المشروع الإصلاحي ولا تخدم تطور الديمقراطية ولا تقود إلى تنمية حقيقية اقتصادية أو بشرية. كما أن الصحفي بحاجة إلى اطمئنان وحماية من الحبس. ويرى بعض الكتاب أن المعروض «ليس في مستوى الطموح، وان القبول به ليس في صالح العمل الصحفي وليس في صالح حرية الرأي والتعبير المسؤول». فالقانون مثلا يلغي عقوبة الحبس «لكنه يشدد العقوبات من جهة أخرى» ويحيل إلى قوانين، وهو ما يستوجب الدراسة الدقيقة لمعرفة تأثيره الفعلي على حرية الرأي والتعبير. 

مناقشة القانون تتطلب الاهتمام بالغاية من القانون. تحدد المادة الثانية هذه الغاية في أن حرية التعبير «توفير مناخ حر لنمو المجتمع وارتقائه ونشر الفكر والثقافة والعلوم في حدود القانون، وفي إطار الحريات، والحقوق والواجبات العامة واحترام مؤسسات الدولة وخصوصيات الأفراد والتشريعات النافذة في المملكة». هناك بعض العبارات المطاطة والواسعة تحتاج إلى تحديد لإزالة الغموض ومنح الثقة للجسم الصحفي للحراك ضمن حدود واضحة. كذلك ينبغي النظر في حجم وطبيعة العقوبات التي يضعها القانون، هل هي تسهم في إبراز الحقائق أم أنها تعمل على كبتها. القانون لا يمكن أن يسهم في التنمية والتطور، ما لم تكن الغاية منه إظهار جوانب القصور في الأداء بغض النظر عن الجهة صاحبة القرار أو الشأن. أي أن يكون النقد موضوعيا معتمدا على معلومات من دون التعرض لأشخاص. حينها يمكن أن يسهم القانون في خلق بيئة ومناخ لحرية الكلمة والنقد الموضوعي المبني على معلومات موثوقة. 

فمثلا يقول رئيس تحرير «أخبار الخليج» الأستاذ أنور عبدالرحمن أثناء مشاركته في مؤتمر «الشراكة المجتمعية لمكافحة المخدرات» الذي أقيم في 24 سبتمبر «إن الصحافة البحرينية بحاجة إلى دعم عبر حصولها على المعلومات في الكثير من القضايا». توافر المعلومات يساعد الصحافة على مناقشة القضايا بموضوعية بعيدا عن التجريح والاتهام والتعرض للأشخاص، كما يسهم في إمكانية تقديم المقترحات الموزونة وفي النهاية سيكون ذلك مساهمة في تنمية البلد وإزالة المعوقات، لكن وكما يقول رئيس التحرير بأن جميع «موظفي الدولة يتعاملون مع الصحافة بقسوة وان المؤسسات والمجتمع لا يقبل النقد». نعم إن توافر المعلومات ضرورة لمكافحة المخدرات، لكنها كذلك ضرورة لإصلاح المجتمع وإصلاح الاقتصاد وترشيد الخطاب الديني ومحاربة الفساد ورفع كفاءة وفاعلية الوزارات والخدمات المختلفة.

هذا يقودنا إلى أهمية وضرورة وجود «قانون حق الحصول على المعلومات»، يساعد قانون الصحافة ويمنح الصحافة القدرة على النقد الموضوعي المبني على معلومات والابتعاد عن الغمز واللمز والإسقاطات والتخمينات. المشكلة ليست فقط في فضفاضية العبارات مثل احترام مؤسسات الدولة من يقرر هذا الاحترام، وما هي التشريعات النافذة في المملكة، ولكن كذلك في وجود وتوافر المعلومة. بدون المعلومات الموثوقة سيكون من الصعب تطبيق حرية التعبير بموضوعية تسهم في الإصلاح. وبالتالي فإن قانون حق الحصول على المعلومات هو ضرورة لدعم حرية التعبير من جهة ولجعل الحديث مبنيا على معلومات موضوعية بعيدا عن الاتهامات المتبادلة.

بالإضافة إلى قانون حق الحصول على المعلومات يحتاج الأمر إلى قانون آخر لتكتمل حلقة الموضوعية في النقد وهو «قانون الأداء». بموجب هذا القانون يجب على الوزارة وأجهزة الدولة وضع أهداف واستراتيجيات لمعالجة القضايا في نطاق مسؤولياتها، ووضع مؤشرات أداء محددة وشاملة لمختلف جوانب الأداء وتنشر بشكل دوري. أما القانون كما هو الآن، فإنه يمنح الوزارة حق تحديد المعلومات التي تراها، وهو ما يحد من إمكانية النقد الموضوعي ويجعله محصورا في حدود ما تسمح به الوزارة من معلومات. وهذا لا يلبي طموح قانون صحافة مستنير كما وعد جلالة الملك ولا يؤدي إلى تنمية وتقدم وازدهار المجتمع. ولتكامل المنظومة يحتاج الأمر إلى هيئة مكافحة الفساد تسهم في نشر النزاهة ولديها الصلاحية في التحري والاستقصاء ومتابعة الشائعات حول السلوك غير السوي. هذه متطلبات الحد الأدنى للتنمية والتحول نحو الدولة الإنتاجية المعرفية التي يصبو إليها شعب البحرين وقيادته.

 mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *